رصدت خلال الأيام الماضية حراكا شعبيا أردنيا مذهلا بالتضامن مع الأسيرة المحررة
أحلام التميمي، والتي تتعرض السلطات الأردنية لضغوط أمريكية كبيرة لأجلها؛ حيث تتهم واشنطن أحلام بالمسؤولية بشكل أو بآخر عن مقتل وإصابة عدد من الأمريكيين في عمليات سابقة في فلسطين المحتلة. ومع أن قضاء الاحتلال حاكمها وسجنها ولَم تخرج إلا بعد عشر سنوات من الاعتقال ضمن صفقة تبادل أسرى، إلا أنّ الضغوط الأمريكية تبقى حاضرة والابتزاز بأسوأ أشكاله يبقى مفروضا. وهنا كان موقف الأردن محرجا، حيث إن الأمر يمس سيادة وكرامة الدولة ومواطنيها، وينال من سيدة أردنية، خصوصا مع عدم وجود اتفاقية تبادل مطلوبين بين عمّان وواشنطن.
وعليه فقد قامت السلطات الأردنية بخطوة غريبة ومفاجئة في ظل هذا الضغط الأمريكي، حيث أبعدت الأسير المحرر نزار التميمي (زوج الأسيرة المحررة أحلام) إلى الدوحة. فنزار لا يحمل رقما وطنيا أردنيا مثل زوجته، وعليه كان قرار إبعاده أسهل، ما اعتبره البعض ضغطا على أحلام حتى تخرج من تلقاء نفسها.
أحلام تحركت بحماسة لتواجه قرار إبعاد زوجها في حملة فردية بادي الأمر، حتى تيسر لها أن يغلق مذيعان في إذاعة محلية أردنية اسمها "ميلودي" الهاتف بوجهها أثناء حديثها معهما؛ بحجة تقطع الصوت رغم أنه كان واضحا تماما لكل من تابع التسجيل.
وهنا انقلب السحر على الساحر، وانقلب منع صوت أحلام إلى وسيلة لإيصال صوتها والتضامن معها في كل مكان، وصارت حديث الشارع بين متعاطف معها ومستفسر عن قصتها سرعان ما يتحول لمتضامن ومناصر بعد أن يعرف التفاصيل.
الحراك
التضامني الشعبي الأردني العفوي مع أحلام بدأ بتغريدات ومنشورات على منصات التواصل، ثم بتقييم سلبي للإذاعة المحلية عبر الإنترنت، إلى أن أصبح وسم التضامن معها في صدارة (ترند) التفاعل الأردني الإلكتروني، ما دفع الشركات الراعية للبرنامج الإذاعي الذي قطع الاتصال بشكل متعمد على أحلام لإيقاف رعايتها للبرنامج، ومن بعد صدر بيان رسمي من إذاعة ميلودي يعلن إيقاف بث البرنامج والانحياز لموقف الشارع!
وهذا إنجاز يسجل للشارع الأردني وموقف يحترم له، إلا أنه في آخر الأمر لم يرجع نزار ولم يطو ملف الإساءة الأكبر للأسيرة المحررة أحلام بإبعاد زوجها عنها دون مسوّغ قانوني، ولكن يبدو أن الشارع بات يعرف حدود المساحة التي يمكن أن يتحرك بها ومستوى ارتفاع السقف فوق رأسه، فهو يتجرأ بنقد مذيعين محليين قطعا الاتصال، وهما في الغالب لم يقوما بقطعه من تلقاء نفسيهما؛ حيث هناك تعليمات بمنع أي كان من توجيه مناشدات للمقامات العليا في الدولة دون تنسيق مسبق مهما كان حجم تلك الإذاعة أو عدد مستمعيها. ولكن هذا الشارع يتجنب الدخول بأغلبيته على ما يبدو في رفض لقرارات أكبر من ذلك، بل وتجد في صفوف الناس من يلتمس المعاذير لطبيعة التحديات التي تواجهها الدولة، وأهمية المساعدات الاقتصادية الأمريكية لها وخطورة توقف تلك الأموال التي هي أشبه بقطع شريان حياة ميزانية الدولة إذا عاندت الرغبة الأمريكية ! ويتناسى أولئك النفر أحاديث العزة والكرامة ومقولة الملك الراحل الحسين "الإنسان أغلى ما نملك"!
إن أبسط حقوق المواطنة الأردنية أحلام أن يكون زوجها معها، وأقل درجات حمايتها مع مراعاة حساسية وضع الدولة بالعلاقة مع واشنطن بتوفير فريق قضائي دولي، والمماطلة بالوقت بانتظار تغير في السياسة الخارجية الأمريكية مرهون بنتائج الانتخابات الرئاسية القريبة نسبيا، وعليه وجب التراجع عن الخطأ الفادح بإبعاد نزار ولَم شمل العائلة سريعا.
وكل أردني حر معني بالدفاع عن حق أحلام والضغط باتجاه عودة زوجها بأسرع وقت، فلا يوجد أي تشريع يسمح بعودة شخص إلى الاعتقال بعد أن خرج بصفقة تبادل رسمية، وإنّ مجرد فتح الباب لمثل هذا الأمر سيضرب بسيادة الدول وكرامتها عرض الحائط، ويجعلها مستباحة للصلف الأمريكي الذي لا حدود له على الإطلاق.