هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
حذّر الكاتب والمحلل السياسي السوداني الفاتح محمد أحمد، من محاولة أطراف سياسية سودانية تمرير ما وصفها بـ "خديعة تطبيع العلاقات مع إسرائيل" بحجة إنهاء العقوبات الاقتصادية ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وأشار الفاتح في حديث مع "عربي21"، إلى أن موجة التطبيع مع إسرائيل انخرط فيها سياسيون وإعلاميون تحت غطاء القبول بالتعامل مع اليهود أسوة بالرسول صلى الله عليه وسلم.
وقال: "سؤال العلاقة مع إسرائيل سؤال سياسي وديني، وكثيراً ما أحيل إلى الفقهاء أو مجالس الفقه لتصدر فيه حكماً فقهياً وربما يأتي السؤال على صيغة عامة غامضة لا تبين حقيقة المراد فيكون الجواب عاماً لا يشفي في المسألة المقصودة."
وأكد أن "الحاجة ماسة لتحديد الأمور المقصودة وتدقيق السؤال ليكون الحكم دقيقاً وصحيحاً، في إطار ما يسمى تحقيق المناط أو تحرير المناط".
وقال: "السؤال عن العلاقة مع اليهود وغيرهم من أهل الكتاب يشمله ويجيب عنه ما ورد في حقوق أهل الذمة، وكل أحكام الباب على اختلافها لها أصل واحد في القرآن وهو آية (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم والله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فاؤلئك هم الظالمون) الممتحنة "9".
وأضاف: "هذا أصل جامع يبين أن العلاقة تدور مع أحوال السلم والحرب، فإذا لم يكن عدوانا أو ظلما فهو البر والقسط والسلام، وإن كان غير ذلك فالأحكام المعروفة في المعاهدات بحسب السياسة الشرعية وبحسب مصلحة المسلمين وقدرتهم".
إقرأ أيضا: النفيسي يكشف شروط أمريكا لتطبيع السودان مع الاحتلال
وشدد الفاتح على "أن سؤال العلاقة مع إسرائيل، غير سؤال العلاقة هذه، فهو متضمن الحكم على الحالة، هل دولتهم هذه دولة جوار آمن وسلام أم دولة حرب وعدوان؟".
وقال: "قامت الدولة الإسرائيلية على أرض فلسطين بالحرب وتوسعت بالحرب وبقي أكثر المسلمين (مصر والأردن وما جاورها) على حال الحرب معها حتى كانت اتفاقية كامب ديفيد فتضمنت سلاماً، وتجاوزت محض المسالمة إلى أنواع من التعاون التجاري والأمني ثم كانت اتفاقية أوسلو فتضمنت سلاما مع أنواع من المعاملة والتعاون ضمن شروط أخرى" .
وذكر الفاتح أن "الدول الأخرى ظلت على حال المقاطعة وعدم الاعتراف بالدولة أصلاً. ثم قفزت بعض الدول فوق سؤال الاعتراف بالدولة إلى مسألة التعامل المباشر والتعاون متجاوزة حالة عدم الاعتراف. وبقيت الدولة الإسرائيلية تتوسع في أرض فلسطين وتجاوزت ذلك إلى سوريا والأردن (الجولان والغور) وضمت إليها القدس ونقلت إليها عاصمتها متجاوزة اتفاقات سابقة وبذلك يكون الأقصى تحت حكمها".
وشدد الفاتح على أن "هذه الدولة ليست العلاقة معها علاقة مسلمين بيهود، وإنما هي علاقة مسلمين بالمعتدي على أرض إسلامية وعلى المسجد الأقصى"
وأشار إلى أن العلاقة معها تتضمن أمورا عديدة، كالاعتراف بحق المعتدي على أرض إسلامية نزعها بالقوة، وإخضاع المسجد الأقصى والقدس لسلطانها بمنعها أو سماحها وكل ما يخوله له الاستحواذ والسيطرة، وعدم الإنكار بالسلاح ولا باليد أو بما هو مقدور عليه من رفض التعامل والتعاون والتبادل التجاري والدبلوماسي، والتوقف عن نصرة المغلوبين في فلسطين بما هو مقدور عليه من أسباب النصرة المادية والأدبية.
ولفت الفاتح الانتباه إلى أن "القول بالتطبيع يوحي لفظياً بأن المطلوب هو العودة إلى الحالة الطبيعية أو المعنى من حال الاستثناء والجفاء إلى الحال الطبيعية".
وقال: "حقيقة الأمر أنه لم تكن للدول العربية حالة اعتراف وتعامل طبيعي أصلاً. فالعبارة هي تجاوز لمرحلة الاعتراف التي تسبق إقامة علاقة إلى تأسيس أنواع من التعاون والتبادل هي صيغة الشرق الأوسط، كما أملتها أمريكا وطلبت الإذعان لها".
وأضاف: "في هذه الحالة فإن كل ما يسوقه بعض العلماء من شواهد من السيرة على تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود أو إحسانه إلى بعضهم فليس من هذا الباب لأنه إنما يناسب المواطنين اليهود والذين لم يحاربوا ولم يعتدوا ومثلهم الآن يهود يعيشون في بلاد العرب أو تركيا أو إيران ولا شأن لهم بإسرائيل".
وتابع: "أما الاعتراف بإسرائيل ومسالمتها ثم التعاون معها فيتضمن الاعتراف لها بما أخذت من الأرض ويتضمن القعود عن استرداد الأقصى وبقية أرض المسلمين".
وأكد الفاتح أن "أدنى ما يستطيعه أهل السودان هو أن يرفضوا عقود الإذعان فلا يقبلوا بما هو أقل من إنكار إسرائيل وعدوانها واحتلالها وتبقى سياساتهم تعبر عن ذلك بكل وجوه التعبير حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.. أما أن التطبيع هو السبيل الوحيد إلى عافية الاقتصاد فسراب خُدع به كثيرون فلم يجدوه شيئا".
وأكد الفاتح في نهاية حديثه مع "عربي21"، أن "السودان يعيش وضعا سياسيا واقتصاديا وأمنيا غير مسبوق، وأنه أمام مفترق طرق، إما الانزلاق إلى حرب أهلية طاحنة ستفتت السودان، وإما أن يستجيب الوطنيون من أبناء العسكريين والسياسيين إلى نداء الوطن فيحولوا دون السودان والحرب الأهلية"، على حد تعبيره.
وكان نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو "حميدتي"، قد أعلن مطلع الشهر الجاري، أن بلاده ترغب في إقامة علاقات مع إسرائيل، وليس تطبيعا، للاستفادة من إمكانياتها المتطورة.
كما أعلن قبل ذلك أنه تلقى وعدا من المبعوث الأمريكي للخرطوم دونالد بوث، برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، في أقرب وقت.
ويعاني السودان، الذي بدأ في 21 آب (أغسطس) من العام الماضي مرحلة انتقالية تستمر ثلاثة أعوام، أزمة اقتصادية شديدة، أدت إلى تدهور المقدرة الشرائية وتدهور كبير في عملته الوطنية.
إقرأ أيضا: آلاف السودانيين يشيعون قتلى أحداث كسلا.. ومطالب بالتحقيق