قضايا وآراء

كيف ضمن التطبيع التفوق الجيوسياسي والاقتصادي الإسرائيلي؟

حازم عيّاد
1300x600
1300x600

للوهلة الأولى يبدو للمراقب أن الإدارة الأمريكية ومن خلفها المؤسسات التشريعية ملتزمة بالحفاظ على تفوق الكيان الإسرئيلي العسكري في المنطقة العربية وغرب آسيا؛ غير أن المدقق في المشهد الإقليمي وتفاصيله يكتشف بأن الولايات المتحدة معنية أيضا بضمان تفوق الكيان الإسرائيلي الاقتصادي والجيوسياسي على دول المنطقة.

تتضح هذه الصورة بتتبع النشاط المحموم لوزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين الذي لم يكتفِ بفرض العقوبات أو التهديد بها على دول المنطقة العربية وغرب آسيا وتوزيعها لمصلحة الكيان الإسرائيلي؛ إذ جعل الإشراف على توقيع اتفاقات اقتصادية وتجارية تضمن تفوق الكيان الإسرائيلي الاقتصادي وهيمنته على دول المنطقة في صلب اهتمامه ونشاطاته في المنطقة.

فإذا كان قرار الكونغرس الأمريكي بتمرير قانون يشترط موافقة الكيان الإسرائيلي على صفقات السلاح المنعقدة بين واشنطن ودول المنطقة العربية وغرب آسيا الضامن للتفوق الاستراتيجي الإسرائيلي العسكري؛ فإن المشاريع الاقتصادية والنشاط التجاري المرتبط بالتطبيع يعد الضامن للتفوق الاقتصادي والجيوسياسي الإسرائيلي في المنطقة العربية وغرب آسيا.

يمكن ملاحظة العديد من الأمثلة على مفهوم ضمان التفوق الإسرائيلي بشقيه الاستراتيجي العسكري  والجيوسياسي الاقتصادي؛ آخرها اعتراض الكيان الإسرائيلي على بيع طائرات (أف 35) الشبحية الأمريكية لدولة الإمارات؛ فرغم إصرار الأخيرة على إثارة ملف الصفقة قبيل توقيع اتفاق التطبيع في 15 أيلول (سبتمبر) الماضي بواشنطن إلا أن الصفقة تم إعاقتها ووقفها.

 

الوزن الجيوسياسي والاقتصادي للكيان والتفوق الاقتصادي والسياسي لن يتحقق من خلال استثمار حقول النفط في المتوسط ولكن من خلال تعزيز مكانة الكيان بإجبار دول الخليج النفطية العربية على تعزيز مكانة الكيان الإسرائيلي ونشاطه الاقتصادي والتجاري

 



الأمر ذاته يمكن ملاحظته عند تتبع النشاط الاقتصادي للدول المطبعة مع الكيان الإسرائيلي والذي يوظف لخدمة التفوق الإسرائيلي الاقتصادي والجيوسياسي في مواجهة القوى الاقتصادية الإقليمية المنافسة؛ ملاحظة أمكن رصدها مؤخرا بتوقيع مذكرة تفاهم لتعزيز خط أنابيب (اشكلون ـ إيلات) لنقل النفط الإماراتي أشرف على توقيعها في أبو ظبي وزير الخزانة الأمريكية ستيفن منوشين يوم الثلاثاء 13 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي. 

فالاتفاق يهدف لتعزيز مكانة الكيان الإسرائيلي الجيوسياسية في ظل تصاعد المنافسة الإقليمية في أعقاب اكتشاف كميات كبيرة من الغاز شرق المتوسط والذي يحوي مخزونات تقدر بأكثر من 140 ترليون متر مكعب تتوزع على المناطق الاقتصادية الخاصة بلبنان وسوريا وتركيا وقبرص واليونان ومصر وفلسطين المحتلة عام 48 (الكيان الإسرائيلي) وقطاع غزة؛ فحقول الغاز الخاضعة للكيان الإسرائيلي تحوي كميات تعادل 80% من استهلاك أوروبا من الغاز في عام واحد فقط؛ ذلك أن استهلاك القارة العجوز يقدر بـ 450 مليار متر مكعب في العام في حين أن احتياطات الكيان تعادل 380 مليار متر مكعب فقط؛ نقطة ضعف يدركها قادة الكيان الإسرائيلي وحلفاؤه.

الوزن الجيوسياسي والاقتصادي للكيان والتفوق الاقتصادي والسياسي لن يتحقق من خلال استثمار حقول النفط في المتوسط ولكن من خلال تعزيز مكانة الكيان بإجبار دول الخليج النفطية العربية على تعزيز مكانة الكيان الإسرائيلي ونشاطه الاقتصادي والتجاري بخط أنابيب نقل النفط المار بأشكول (عسقلان) على البحر المتوسط وإيلات على خليج العقبة؛ أملا بربطه بخط أنابيب قبرص اليونان إيطاليا بما يعزز مكانة الكيان ودوره في رسم الخارطة الجيوسياسية والاستراتيجية الجديدة شرق المتوسط وغرب آسيا.

جهود تشبه ما قامت به الخارجية الأمريكية للضغط على الحكومة الأردنية لتوقيع اتفاق استيراد الغاز من الكيان الإسرائيلي في العام 2016؛ واستثمار خط أنابيب الغاز الأردني ـ المصري لتعزيز مكانة إسرائيل الجيوسياسية بتحويله إلى خط لنقل الغاز التابع لحكومة الاحتلال نحو الموانئ المصرية؛ وهو توجه تم تعزيزه بتشكيل منتدى غاز المتوسط الذي سرعان ما تحول إلى منظمة إقليمية تضم الأردن ومصر واليونان وقبرص الرومية وإيطاليا ويتزعمها الكيان الإسرائيلي بدون منازع.


ضمان التفوق الإسرائيلي؛ يتخذ طابع الترهيب بإكراه لبنان على توقيع اتفاقات لترسيم الحدود مع الكيان الإسرائيلي لمساعدة الشركات المستثمرة في حقول الغاز الخاضعة للاحتلال للعمل في المناطق المحظورة أملا بتعزيز القدرات الإنتاجية للكيان الإسرائيلي؛ فأدوات السياسة الخارجية الأمريكية ومن ضمنها الأدوات المالية والعقوبات والتطبيع الذي أضعف موقف المفاوض اللبناني توظف بكفاءة لخدمة التفوق الاقتصادي والجيوسياسي للكيان الإسرائيلي.

الضغط الأمريكي لم يقتصر على قطاع الطاقة؛ إذ تعمل الولايات المتحدة على تعزيز مكانة الكيان الإسرائيلي برعاية وزارة الخزانة الأمريكية عبر توقيع اتفاقات للنقل والشحن البري والبحري والجوي؛ وبما يعزز مكانة مطار إيلات الجديد المنافس لمطار العقبة الأردني ومطار عمّان (الملكة علياء) بل ومطار دبي ذاته فضلا عن تطوير موانئ الاحتلال الإسرائيلي على حساب الموانئ المصرية وقناة السويس ذاتها.
 
ختاما: التفوق الاقتصادي الإسرائيلي بات محور الاهتمام الحقيقي للإدرارة الأمريكية وللمؤسسات السيادية في أمريكا بعد أن ضمنت التشريعات الأمريكية ضمان تفوق الكيان الإسرائيلي في مجال التسلح؛ بات التطبيع واتفاقاته التي تشرف عليها الخزانة الأمريكية البوابة الواسعة لضمان التفوق الجيوسياسي والاقتصادي للكيان الإسرائيلي؛ فالتطبيع بات الاختراق الأخطر والأكثر إضرارا بمصالح شعوب المنطقة وقدرتها على تحقيق التنمية والاستقرار.

hazem ayyad
@hma36

التعليقات (0)