هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في الثالث
والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر 2019 تسلم الرئيس قيس سعيد رسميا مقاليد الحكم في
تونس بعد فوزه في الجولة الثانية من الاستحقاق الانتخابي الرئاسي أمام منافسه رئيس
حزب "قلب تونس" نبيل القروي، فما الذي حققه حتى الآن؟
لم يكن
تولي أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد الحكم حدثا عاديا، فقد غاب السند الحزبي عن أستاذ
الجامعات وحضر شباب متطوع من مختلف المحافظات التونسية لدعمه وقيادة حملته الانتخابية
حتى بلوغ قصر قرطاج.
تختلف
الآراء بين مؤيد ومساند لقيس سعيد من الأطياف السياسية، لكن ما زالت ثقة التونسيين
ثابتة لم تتغير حيث تشير استطلاعات الرأي المتواترة إلى تفرده بالمرتبة الأولى من حيث
منسوب الثقة "الرجل النظيف النزيه".
حصيلة
عام من الحكم في سجل قيس سعيد لم تخل من الجدل، خاصة في ما يتعلق بعلاقته مع رئيسي البرلمان
والحكومة، وكذلك حديثه عن المؤامرات في الغرف المظلمة دون تفاصيل، والحديث عن تدخل
الجيش، وإقالة سفير تونس بالأمم المتحدة، بالإضافة إلى رفضه طلب فرنسا الاعتذار واعتبار
ما حصل من استعمار بالحماية، ليبقى حديثه عن التطبيع "خيانة عظمى" أبرز موقف
جدلي خصوصا أنه يعتبر من يطبع من الدول العربية ذا قرار حر يجب احترامه.
"التوازن والاستقرار"
يؤكد
الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي أن السنة الأولى لسعيد في الحكم
كانت "سنة صعبة كلها أزمات حكومية وسياسية، فقيس سعيد ظل ينتظر خمسة أشهر كاملة
حتى بدأ يتعامل مع حكومة منتخبة (إلياس الفخفاخ)، ولكن في ظرف أربعة أشهر قدمت استقالتها،
مع ظروف صحية سابقة في تاريخ البلاد وهي جائحة كورونا، وبالتالي كل هذه الظروف لم تترك
هامشا من الحرية للرئيس للتحرك وعقد الاجتماعات، لتأتي بعد ذلك حكومة هشام المشيشي
والتي يبدو أنه صاحبها غياب لتفاهم كلي بين الطرفين نظرا لوجود إشكالات".
ويضيف في تصريح لـ"عربي21": "هي سنة صعبة والرئيس ليست له تجربة في تسيير
الدولة أو تحمل مسؤوليات في الإدارة والمناصب العليا، والعملية ليست سهلة في ممارسة
الصلاحيات، ولكن بعد سنة عندما نرى أن خمسة وستين بالمائة من الشعب التونسي وفق استطلاعات
الرأي ما زال له ثقة في الرئيس سعيد وفي مرتبة أولى بعيدا كل البعد عن منافسيه، فهذا
دليل أنه مازال يحظى بثقة التونسي، وما زال يتمتع بالشرعية الشعبية، فهم يعتبرونه الرجل المستقيم النظيف، الرجل الذي
يحترم القوانين، ويحبه شعبه، كل هذا دليل على المحصلة الإيجابية".
واعتبر
الشواشي أن قيس سعيد "عنصر استقرار وتوازن في البلاد، خاصة في تواجد ترويكا ثلاثي
(حركة النهضة، قلب تونس، ائتلاف الكرامة)، نحن نشعر أن هذا الائتلاف له رغبة في التغول
وسن قوانين على مقاسه ووضع نفوذه في مفاصل الدولة التونسية، وبالتالي فإن رئيس الدولة فقط
هو من يحاول التصدي لمحاولات التغول وهو ما جعل الثلاثي يتراجع إلى الوراء".
وأكد
الأمين العام للتيار الديمقراطي غازي الشواشي أنه على الرغم من أن قيس سعيد لم يتقدم
بمبادرات أو قوانين وإجراءات نظرا لصلاحياته المحدودة فإن احتضان تونس الشهر المقبل
لمؤتمر خاص بالملف الليبي بتونس يحسب له وقراره في الأمم المتحدة (تونس عضو في مجلس
الأمن الدولي) بوقف النزاعات وربط المساعدات في ظل الوباء الذي يعرفه العالم".
وتمنى
الشواشي أن "يحول قيس سعيد في السنة الثانية من حكمه شعاراته وتصريحاته إلى إجراءات
ومبادرات، ونتمنى أن يتفاعل الرئيس مع مبادرة التيار المتعلقة بحوار اجتماعي واقتصادي
في البلاد".
وختم
الشواشي تصريحه بالقول: "نعلم أن المحصلة ليست مثالية، ولكن كسنة أولى فإن الحد
الأدنى تحقق، نتمنى أن يكون عنصر تجميع واستقرار وحدّ من الانقسامات وتحقيق منفعة للمواطن
لأجل إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي الذي يشكو تعثرات نتيجة الوضع السياسي المعقد،
فهو رمز الوحدة ولم يحدث في تاريخ تونس أن تحظى شخصية بثقة الشعب كشخصه".
"عام
السقوط والفراغ"
بدوره
وصف النائب عن ائتلاف الكرامة عبد اللطيف العلوي في تصريح لـ"عربي21" سنة
حكم قيس سعيد بأنها "سنة عجفاء جدباء مفرغة من أي إنجاز على أرض الواقع، سنة لم
تقدم فيها الرئاسة أي مبادرة تشريعية للبرلمان رغم كل الكلام والشعارات وما أطلقه سعيد
من نظريات".
وقال
علوي إنه كان مكلفا بالعلاقة مع رئاسة الجمهورية والحكومة، لكن كانت هناك قطيعة كاملة
طيلة السنة الماضية حتى في المناسبات الوطنية"، مضيفا أن "هناك صفر إنجازات،
زيارات خارجية للعزاء أو زيارة رسمية لفرنسا الراعي وهي مهينة للدولة، مع وجود غموض
في المؤسسة الرئاسية حيث شهدنا قرابة الخمس استقالات من كبار الموظفين، وأكبر زلزال
استقالة الجنرال محمد الحامدي وما يعرف عن الرجل من احترام واسع عند الشعب وهو رجل
ذو مصداقية".
وانتقد
العلوي بشدة عمل سنة من حكم الرئيس قيس سعيد، وقال: "تدار الرئاسة بشكل غامض،
مكتب رئيس منعدم الكفاءة حتى في البلاغات التي كانت غريبة على غير العادة، وانعدمت
العلاقة مع الأحزاب وأصحاب الفكر والرأي حيث عاش الرئيس عاما كاملا منعزلا في قصر قرطاج"،
وتساءل علوي: "هل هو الذي اختار قطع الصلة برموز الفكر والسياسة والشخصيات الوطنية
أم فرض عليه ذلك من طرف الحاشية؟ نحن لا نعلم".
واعتبر
النائب عبد اللطيف علوي أن "خطاب سعيد اتسم بنهج جديد لم نعهده من خلال إقحام
المؤسسة العسكرية والأمنية في التجاذبات السياسية والاستقواء بها، مع اصطفاف الرئاسة
كعامل تفريق عوض أن تكون رمزا للوحدة والتجميع".
واستنكر
النائب عن ائتلاف الكرامة ما اعتبره "سعي الرئاسة إلى توسيع جبة الدستور والاستحواذ
بالسطو على آلية تفسير الدستور بشكل حصري والقيام ببدع دستورية في علاقته بالحكومة
والسيطرة على القصبة وفرض خيارات معينة من وزراء للرئيس".
وأشار
علوي إلى " الفشل الذريع في الملف الليبي وعدم الإلمام به، والاصطفاف مع فرنسا في هذا
الشأن، وهو ما أضر بتونس".
وخلص
علوي إلى أن سنة سعيد الأولى كانت "عام سقوط الشعارات المخادعة من نوع التطبيع
خيانة عظمى، حيث لم يصدر أي بيان إدانة للتطبيع الصهيوني-الإماراتي، ولا مجال لأي
مليم أن يسرق والحال أن أربعة وأربعين مليارا سرقت (ملف الفخفاخ)، لم تعش تونس سنة من
الحكم الرئاسي أكثر ضحالة وغابت فيه أي إنجازات مثل حكم قيس سعيد والاستثمار في الأزمات
السياسة".
اقرأ أيضا: استقالة المستشارة الإعلامية لرئاسة تونس لهذا السبب
"ظاهرة غامضة"
في قراءة
تحليلية لعام من حكم سعيد يرى الباحث الأكاديمي زهير إسماعيل في حديث لـ"عربي21"
أنه "منذ 2011 عرفت البلاد مع الانتخابات ثلاث موجات من جهة نتائج الانتخابات
ودلالاتها السياسيّة، كانت الموجة الأولى مع انتخابات 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2011
لفائدة قوى الثورة، والموجة الثانية مع انتخابات 2014 لصالح القديم بقيادة الباجي قايد
السبسي، ويأتي انتخاب قيس سعيّد ضمن الموجة الثالثة التي اعتبرت استعادة القوى المحسوبة
على الثورة لزمام المبادرة، في هذا السياق يُنزَّل قدوم قيس سعيّد إلى رئاسة الجمهوريّة
بنسبة فوز تاريخية، وبعد سنة من تولّيه الحكم وأمام ما رسمه الانتصار من انتظارات كبرى
يمكن الحديث عن ثلاث دلالات عامة عن هذه التجربة"..
"أولا خيبة الانتظار،
فقد كان متوقّعا من رئيس الجمهوريّة أن يكون فوزه دفعا للقوى المحسوبة على الثورة التي
فازت بالانتخابات التشريعيّة ومنها ستكون رئاسة الحكومة، والأهمّ أن يكون رئيسا لكلّ
التونسيين تمكنه صلاحياته التي يضبطها الدستور من أن يمثّل نقطة التقاء لمشهد سياسي
متوتر وبرلمان متشظّ وأزمة ماليّة اقتصادية وصحيّة، ولكنّ الرئيس أصبح في وقت قياسي
طرفا في التجاذب السياسي، وهو في مجمله تجاذب صلاحيات أخذ له عناوين سياسيّة مدارها
على اختلاف سياسي في القضايا الوطنيّة والإقليمية".
"ثانيا؛ غموض
المشروع بالإضافة إلى ما مثّله قيس سعيّد من قيمة أخلاقية مفقودة في المشهد السياسي،
وما عرف به الرجل من نظافة اليد، رغم أنّه لا ماضي سياسيا له، فإنّ الرئيس سعيّد يقدّم
على أنّه صاحب مشروع بديل عن مشهد سياسي متقلّب ومنظومة حزبيّة ليس لها ما تضيفه، وديمقراطيّة
تمثيلية مفوّتة. وبعد مضيّ سنة لتولّيه الرئاسة فإنّه لا شيء من أدائه يضيء جانبا من
المشروع الذي تحدّث عنه، ويبقى المشروع ما ذكره من مقترح شكلاني يستبدل فيه الانتخاب
على القائمات إلى الانتخاب على الأفراد، وإنّ تأكيد الرئيس على فشل المشاريع التقليديّة
السائدة في أكثر من مرّة لم ينجح في إبراز ملامح المشروع الذي يبشّر به حتّى نُعت بالشعبوية".
وينتهي
الباحث في نقطة ثالثة إلى "التوتّر مع الدستور ومسار بناء الديمقراطيّة، فقد كان
منتظرا أن تمثّل الصلاحيات الواسعة التي يتيحها الدستور لرئاسة الجمهوريّة في مستوى
الدبلوماسية السياسيّة والاقتصادية والسياسة الخارجية أساسا لسياسة خارجية نشيطة ودبلوماسية
مناضلة تمكن البلاد من أن تكون لها الكلمة الأولى في الملفات الإقليمية وفي مقدّمتها
الملف الليبي، وأن تبلور سياسة خارجية ترعى مصالح تونس وتوجّه مواقفها ومرجعيتها الثورة
والديمقراطيّة والسيادة الوطنيّة، وأن يقود دبلوماسية مناضلة تتجاوز فكرة "الحياد
الإيجابي" المسندة بلا دليل إلى الدبلوماسية التونسية قبل 2011".
ويتابع
الأكاديمي إسماعيل: "ولكن الذي غلب على مدى سنة هو شبه غياب الدبلوماسية التونسية،
حيث لم تتوضّح ملامح سياسة الرئيس سعيّد الخارجية، لا في الموقف من الحق الفلسطيني
واعتباره الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي شأنا خاصّا، وهو من اعتبر التطبيع "خيانة
عظمى" في مناظرته للانتخابات الرئاسيّة في دورها الثاني".
ويعتبر
الباحث أنه "بعد انتخابات 2019 مثّل الرئيس قيس سعيّد، إلى جانب الحزب الدستوري
الحر، قوّتين جديدتين في المشهد السياسي حوّلا صراعا قديما/جديدا إلى صراع ثلاثي أطرافه
القوى الديمقراطيّة والشعبوية ممثلة في الرئيس سعيّد والفاشية ممثلة في عبير موسي رئيسة
الدستوري الحر، وقد مثلا جهتين لا تخفيان مناهضتهما للدستور والنظام السياسي والديمقراطيّة".
ويرى
إسماعيل أن "ما يعاب على قيس سعيّد هو خرقه لصريح الدستور، وفشله في أن يكون رئيس
جميع التونسيين بسبب انخراطه في التجاذبات الحزبيّة والسياسية، ولكنّه عند البعض الآخر
هو الجهة الوحيدة التي تمكنت من إحداث التوازن مع حركة النهضة في إطار ميزان قوى حزبي
مختل لصالحها، ورغم هيبة الانتظار وغموض المشروع وضعف الأداء يتقدم الرئيس قيس سعيّد
في ما يجري من سبر الآراء بنسب عالية رغم ما عرفه من تراجع في الآونة الأخيرة".. ليخلص إلى القول: "نحن إزاء ظاهرة غامضة تبحث عن موقع لها في سياق مسار ديمقراطي
متعثّر مواجه بأزمة مالية واقتصادية وصحية غير مسبوقة...".
اقرأ أيضا: وزير خارجية تونس لـ"عربي21": هذا موقفنا من ليبيا وفلسطين