هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "دسثيفراندو لا غيرا" الإسباني تقريرا تحدث فيه عن المخاوف المتعلقة بالسياسة الخارجية الأمريكية التي يثيرها احتمال فوز ترامب بولاية ثانية.
وقال الموقع، في تقرير ترجمته "عربي21"، إن ترامب من المتوقع أن يواصل دعم سياسة "أمريكا أولا"، ما يقلل من التزامات الولايات المتحدة تجاه حلفائها في حلف الناتو، خاصة أن مستشاره جون بولتون سبق أن أعلن أنه سيترك حلف الناتو في منعطف انعزالي من خلال زيادة الضغط على بروكسل باعتبارها منافسا تجاريا، ليعيد بذلك طرح الأطروحات الحمائية للقومية الاقتصادية.
بناء على هذه المعطيات، يعني إعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية نهاية النظام الدولي لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وما بعد الحرب الباردة. وفي هذا التقرير، تحليل لأهم ثلاثة محاور رئيسية في السياسة الخارجية الأمريكية، وهي بالأساس الصين والشرق الأوسط وحلف شمال الأطلسي، بحسب الموقع.
موقف الصين
أشار الموقع إلى أن سياسة المحيطين الهندي والهادئ الاستراتيجية التي تهدف إلى الحفاظ على المنطقة حرة ومفتوحة، والموجهة نحو بحر الصين الجنوبي على وجه التحديد، تخدم مصالح الولايات المتحدة في إطار مرجعي يمكن من خلاله تعزيز علاقتها مع دول أخرى وتنفيذ أهدافها السياسية في المنطقة، التي تتمثل أساسا في احتواء نفوذ الصين، وضمان انفتاح أكبر على رأس المال الأمريكي.
وأوضح الموقع أن فوز ترامب بولاية ثانية من شأنه أن يساهم في دفع استراتيجيات "تحالف الديمقراطيات" ضد "الاستبداد الصيني". ولكن بعض العوامل تحول إلى حد ما دون تطور هذه الاستراتيجية بالكامل، ومن بينها الطبيعة "غير الليبرالية" و"القومية الشعبوية" لسياسة ترامب، وجناحه السياسي، ودعمه لحكومات استبدادية مثل حكومة رودريغو دوتيرتي الفلبيني.
ولعل المشكلة الأبرز مع دول المنطقة تتمثل في أن مصالح الطبقة البرجوازية التي يمثلها ترامب تفترض البحث عن اتفاقيات تجارية أكثر ملاءمة للميزان التجاري للولايات المتحدة مع دول مثل كوريا الجنوبية واليابان، وهي الدول التي ضغطت عليها إدارته في مجال الدفاع والأمن.
وفي حين أنه من المحتمل إحراز تقدم نحو إنشاء تحالف فعال من أجل "منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة"، تكون ضد الصين، فإنه من المرجح أيضا أن تحدث نزاعات تجعل هذه الدول تنأى بنفسها عن الولايات المتحدة (مثل كوريا الجنوبية والفلبين).
ويرى الموقع أن الخطاب المعادي للشيوعية الذي يروج له وزير الخارجية مايك بومبيو ضد الصين من خلال الإشارة إلى "الصين الشيوعية ومستقبل العالم الحر"، يعتبر ضمنيا محاولة لإعادة إحياء ذكرى الحرب الباردة، وإن كان لا يخلو من بعض التناقضات.
وأضاف الموقع أن إدارة ترامب حاولت استغلال أزمة فيروس كورونا للترويج لخطاب مايك بومبيو، لكنها عمليا لم تقدم أي مبادرة لحلفائها التقليديين لمكافحة الوباء بشكل مشترك، وبدلا من ذلك استخدمت الافتراءات العنصرية مثل "فيروس الصين".
ومن القضايا الرئيسية الأخرى بالنسبة للصين المرحلة الأولى من اتفاقية التجارة. فهي لا تريد سوى هدنة من الحرب التجارية لأنها في هذا الوقت لا تملك القوة لمواجهة الولايات المتحدة في نزاع مفتوح ومواصلة التصعيد الذي بدأ في سنة 2018. وتأمل بكين في الوصول إلى أهداف استراتيجية في إطار خطة "صنع في الصين 2025" لمنافسة الصناعة الأمريكية، التي لا تزال تعتمد عليها في ما يتعلق بالواردات الرئيسية.
بالنسبة لإدارة ترامب، عملت هذه الاتفاقية التجارية على تلبية الحد الأدنى من الأهداف: إبطاء النمو الصيني، وتحقيق أهداف اقتصادية مواتية، والعمل من موقع متميز بفضل الحرب التجارية. وتعتبر الشروط التي فرضتها الولايات المتحدة في بنود الاتفاقية مفيدة، لكنها تستجيب أيضا لمصلحة ترامب الانتخابية، لذلك فإننا يجب أن نتوقع فترة أولى لإعادة بناء الاقتصاد الوطني حيث يتم الحفاظ على الوضع الراهن، مع استئناف الحرب التجارية في وقت لاحق.
الشرق الأوسط
في ما يتعلق بالشرق الأوسط، ذكر الموقع أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تعمل منذ سنة 2012 على إيجاد طريقة للانسحاب من المنطقة دون أن يؤدي ذلك إلى بروز قوى أخرى لسد الفراغ الذي ستتركه. فقد تسبب غزو العراق في سنة 2003 في خلق اختلالات في المنطقة أجهضت أي محاولة للخروج من المنطقة، مثلما حدث عندما سحب أوباما القوات من العراق في سنة 2009.
وأوضح الموقع أن المنافس الرئيسي في المنطقة الذي استفاد من هذا الوضع هو إيران. وفي سنة 2015، حاولت إدارة أوباما حلق نوع من التوازن الجيوسياسي في المنطقة من خلال التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة التي من شأنها أن تسمح لها بالتحول نحو المحيط الهادئ. لكن التدخل الروسي في سوريا، وإعادة بناء الهلال الشيعي، بالإضافة إلى الضغط الذي يمارسه محور تل أبيب-الرياض، عرقل هذه العملية.
من جهتها، عملت إدارة ترامب بطريقة مختلفة تماما، وذلك من خلال إنشاء تحالف عربي-إسرائيلي يمنع إيران من الحصول على أسلحة الدمار الشامل، ويؤسس نظاما إقليميا يتمحور حول إسرائيل، ويديم سياسة "الميزة العسكرية النوعية" وتأمين الاحتكار النووي الصهيوني. لكن تاريخيا، كان هناك تناقض واضح لا يمكن إنكاره في تطور هذا التحالف، خاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وأورد الموقع أن الحل لهذه المعضلة كان "بسيطا"، وذلك من خلال عرض اتفاق سلام أحادي الجانب، الذي - إذا نال قبول جميع الأطراف - فإنه سيُخضع الفلسطينيين لإسرائيل مقابل إنشاء دولة فلسطينية محتملة في المستقبل. وفي الحقيقة، لم تكن "صفقة القرن" أكثر من ذريعة لإفساح المجال لاتفاقيات السلام التي تهم الولايات المتحدة حقا، وهو ما تجلى فيما بعد في اتفاق التطبيع مع إسرائيل الذي وقعته كل من الإمارات والبحرين والسودان، وفي النهاية عُمان والكويت والمغرب والسعودية.
ماذا نتوقع؟
أولا، من المنتظر انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، بنتيجة مماثلة لما حدث مع العراق في سنة 2009. ثانيا، سيؤدي انتخاب رئيس محافظ في إيران في سنة 2021 مثل علي لاريجاني إلى تصعيد الخطاب مع الولايات المتحدة، لكن مع الحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة إذا وافق الاتحاد الأوروبي على المضي قدما.
في إطار تنفيذ استراتيجية الانسحاب، ينبغي لسياسة ترامب الخارجية أن تقلل من أهمية هذه المنطقة بالنسبة للولايات المتحدة، تاركة المجال مفتوحا أمام منافسة القوى الإقليمية. لكن يمكن لهذا التحالف العربي الإسرائيلي أن يغرق واشنطن في أزمة أكبر مع إيران.
وأوضح الموقع أنه يمكن لأربع سنوات أخرى من إدارة ترامب أن تبدد أي آمال للزعماء الرئيسيين في الاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا (الذين يأملون في انتصار جو بايدن) في استعادة حلف شمال الأطلسي لمكانته. وفي حال فوز ترامب، فسيؤدي ذلك إلى فقدان الناتو المرجعية والقيادة، ما سيجبر العواصم الأوروبية على التفكير في علاقتها الجديدة مع الولايات المتحدة.
في المقابل، لن تتخلى إدارة ترامب عن حلف الناتو لأن الأزمة لا علاقة لها بعضوية الولايات المتحدة، وإنما بالالتزامات والأهداف التي يقوم عليها الحلف في فترة جيوسياسية تحتاج فيها الولايات المتحدة إلى التحول إلى المحيط الهادئ للحفاظ على (أو بالأحرى استعادة) هيمنتها.
وأورد الموقع أن الضربة الأقوى ستكون لبرلين، التي يجب أن تستعد لمستقبل تتغير فيه علاقتها مع الولايات المتحدة بشكل جذري، وتتحول مجددا نحو أوروبا الشرقية. ومن جانبها، تواجه فرنسا هذا الوضع بطريقة مختلفة للغاية، فهي تبحث عن الحكم الذاتي الاستراتيجي، ما يعني أنها ليست في حاجة لانتظار تراجع القيادة الأمريكية.
وحتى مع الحفاظ على حلف الناتو، فإن السياسة الخارجية الأمريكية ستواجه تناقضات واضحة بشكل متزايد على الجبهتين التركية والروسية. ولا أحد ينكر أن العلاقة بين البيت الأبيض وروسيا معقدة بشكل خاص، فقد اعتبرت علاقة ترامب بالكرملين فرصة لتحقيق نوع من الاتفاق وزرع الانقسام داخل حلف الناتو. ولكن محاولات التوصل إلى اتفاق بعد قمة 2018 في هلسنكي اختفت مع ضعف ترامب داخليا في مواجهة الاتهامات الموجهة لروسيا بالتدخل في الانتخابات الأمريكية.
وفي الختام، أشار الموقع إلى أن تركيا تبدو أكثر ارتياحا لانتصار ترامب، نظرا لأنه يمكن لأنقرة أن تحافظ على التوازن بين عضويتها في حلف الناتو (والتحالف مع الولايات المتحدة) وعلاقاتها الجيدة مع روسيا. ويرجع ذلك أساسا إلى عدم الانضباط الذي يظهره ترامب في الناتو، بسبب استراتيجيته ومصالحه.
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)