أكد باحث استراتيجي أن
الصين تتجه تدريجيا إلى صدارة النظام الدولي بشكل تدريجي بدل الولايات المتحدة الأمريكية، وتوقَّع أن الصين عندما تتصدَّر ستكون أقل تطاولاً على مصالح الشعوب الأخرى مقارنة بالسلوك الأمريكي.
جاء ذلك في ورقة علمية أصدرها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات من إعداد الأستاذ الدكتور وليد عبد الحي بعنوان: "تيار التراجع الأمريكي في المكانة الدولية ومأزق الخيارات الاستراتيجية العربية والإسرائيلية".
يعرض الباحث للمرجعيات الفكرية والمنهجية في دراسة صعود وهبوط الإمبراطوريات أو الأقطاب الدوليين، ويقسّمها بين المنهجيتين "الماضوية" والمستقبلية. فالمنهجية التاريخية كانت تَتَتَبَّع حركية الكيان السياسي من لحظة البداية وحتى السقوط أو الانهيار، وتعمل على تحديد أسباب ما جرى، بينما الدراسة المستقبلية تستبق ما هو آت لتحدد شكله استناداً إلى الاتجاهات التاريخية في الكيان وبيئته، وتحاول تحديد مصيره هبوطاً أو صعوداً.
واستعرض الأستاذ الدكتور وليد عبد الحي آراء ما يعرف بتيار "التراجع الأمريكي" على مدى الأربعين عاماً الماضية، وهو تيار يرى أن الولايات المتحدة تسير في مسار متراجع هابط. وقام عبد الحي بوضع جدول من عشرين مؤشراً استراتيجياً متعلقاً بقياس القوة، وعمل على قياسها لكل من الولايات المتحدة والصين خلال السنتين 2018 ـ 2019، وأحياناً أخذ معدلات المؤشر لسنة 2020.
وقد كشف الجدول أن الولايات المتحدة تتفوق في عشرة مؤشرات بينما تتفوق الصين في المؤشرات العشرة الأخرى. وأن مجموع نقاط التفوق الأمريكي هي 19 نقطة بينما مجموع نقاط التفوق الصيني هي 16 نقطة، وأن توزيع نسبة القوة لكل من الطرفين يشير إلى أن نصيب القوة الأمريكية هو 54.3% بينما نصيب القوة الصينية هو 45.7%.
وخلص استناداً لذلك إلى الاعتقاد أن الصين تتجه إلى صدارة النظام الدولي بشكل تدريجي بينما تتجه الولايات المتحدة للتراجع. وتوقَّع عبد الحي أن الصين عندما تتصدَّر ستكون أقل تطاولاً على مصالح الشعوب الأخرى مقارنة بالسلوك الأمريكي. من ناحية مقابلة، فإن الولايات المتحدة تعاني في محاولاتها الحفاظ على البنية الدولية القائمة. ولما كان التوافق الاستراتيجي لقوى التحرر العربي أيسر مع الصين منها مع الولايات المتحدة، فإن على القوى التحررية العربية أن تسارع إلى توظيف الصعود الصيني وبخطى تفوق خطى المسارعة الصهيونية، التي تقف الولايات المتحدة سداً دونها. لكن بعض الأنظمة السياسية العربية تعيش المأزق الصهيوني نفسه، فهي تريد تنمية علاقاتها مع الصين لكنها مربوطة تاريخياً بالمصالح الأمريكية وبشكل وثيق.
ويرى بعض أنصار تيار التراجع الأمريكي أن "إسرائيل" أسهمت في هذا التراجع، ويرى بعضهم أن تزايد النزعة "العسكرتارية" في السياسة الخارجية الأمريكية كانت مدفوعة في كثير من الأحيان بدوافع إسرائيلية أكثر منها لاعتبارات أمريكية، فمناصبة الولايات المتحدة العداء لتيارات التحرر العربي وتكرار التدخلات العسكرية في العراق، وسورية، واليمن، وليبيا، ولبنان، والصومال، ونشر القواعد حول إيران كلها في جوهرها دوافع تخدم "إسرائيل" أكثر مما تخدم الولايات المتحدة.
وأشار د. عبد الحي إلى أن تيار التراجع الأمريكي يُمثِّل قلقاً شديداً لاستراتيجية "إسرائيل" المستقبلية، فـ"إسرائيل" تسعى من ناحية للإبقاء على روابطها مع القوة التي تتجه للهبوط حسبما يرى تيار التراجع؛ نظراً لتأثيرها الكبير في مستقبل "إسرائيل"، وتريد من ناحية ثانية الصعود إلى قاطرة الدولة الصاعدة، الصين، نظراً لمشروعاتها المستقبلية في المنطقة خصوصاً مبادرة الحزام والطريق لكن التوفيق بين الأمرين ليس سهلاً في ظلّ
التنافس الشديد بينهما.