هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قالت صحيفة "فايننشال
تايمز" إن اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعته أذربيجان وأرمينيا، قدم تركيا
خطوة نحو الحديقة الخلفية لموسكو في مناطق القوقاز.
وأشارت الصحيفة في
تقرير ترجمته "عربي21" إلى صورة جمعت وزير الدفاع الأذري مع نظيره
التركي وكتب تحتها عبارة "القائد العام للجيش المنتصر ووزير دفاع الحليف
الأهم لأذربيجان".
وتعلق الصحيفة أن العبارة
أثارت الدهشة من دولة في الاتحاد السوفييتي السابق والتي طالما نظرت إلى روسيا
كشريكتها الأهم. ولكن النزاع الذي استمر لمدة ستة أسابيع مع أرمينيا حول الإقليم المحتل
من قبل أرمينيا أدى إلى مكاسب مهمة لأذربيجان وبدعم من الجيش التركي أدى إلى تغيير
منظور باكو الإقليمي.
وأدى اتفاق وقف إطلاق
النار يوم الإثنين إلى تجميد النزاع والحفاظ على المكاسب المناطقية لأذربيجان بما
في ذلك تسليم أرمينيا، الحليف الدفاعي لروسيا، مناطق أخرى نهاية الشهر الحالي. وفي
الوقت الذي قامت به موسكو بترتيب وقف إطلاق النار ونشرت قوات حفظ سلام إلا أن مدى
نجاح أذربيجان الذي لم يكن ليحدث لولا الدعم التركي أدى لتقوية موقف تركيا في
منطقة القوقاز الذي تعتبره روسيا حديقتها الجيوسياسية الخلفية.
وقال رسلان بوخوف،
مدير مركز التحليلات الإستراتيجية والتكنولوجية في موسكو إن "التداعيات
الجيوسياسية ليست كارثية على أرمينيا فقط بل وعلى روسيا"، مضيفا: "وكيل
روسيا وحليفه كان الخاسر أما حليف تركيا فقد ربح وبشكل باهر". وأضاف أنه
"خلف الحجاب الرقيق الخادع وانتصار السياسة الخارجية، أي الوساطة الناجحة ونشر
قوات حفظ سلام بالمنطقة، فالواقع المر يشير لتراجع الدور الروسي في منطقة القوقاز، فيما زادت مكانة تركيا المشاكسة بشكل لا يصدق".
وتعتبر منطقة قره باغ
تابعة لأذربيجان، ولكن أرمينيا احتلتها والمناطق القريبة منها منذ تسعينات القرن
الماضي. وفي النزاع الذي اشتعل في شهر أيلول/سبتمبر أصرت أذربيجان على استعادتها
وكانت تقترب من محاصرة عاصمة المنطقة قبل أن تعلن أرمينيا عن رغبتها بالسلام.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه الهدنة على دور الرئيس فلاديمير بوتين كحاكم لا يمكن الإستغناء عنه في المنطقة إلا أنها تعترف بدور تركيا في القوقاز. وكان الدعم الذي قدمته لأذربيجان سببا في حرف المسار الذي حافظت عليه روسيا لمدة 25 عاما.
اقرأ أيضا: نصر أذري وغليان في أرمينيا.. هذه تفاصيل اتفاق قره باغ (شاهد)
وتقوم علاقة الكرملين
مع المنطقة في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي على التجارة، التي تكون عادة على
شكل تقديم الطاقة الرخيصة والدعم المالي عبر القروض واستثمارات لشركات مملوكة من
الدولة الروسية، والتهديد باستخدام القوة العسكرية.
وهذا العنصر الأخير هو
الأقوى ولكن من الصعب التلويح به. ولهذا راهنت أذربيجان وبدعم من تركيا على أن
موسكو لن تتدخل عسكريا في النزاع بناغورنو قره باغ. وبعد ستة أسابيع ثبتت صحة
مراهنتها. ومن خلال المكاسب العسكرية أثبتت باكو أن موسكو هي القوة العسكرية
الوحيدة القادرة على إعادة رسم الحدود الفعلية في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي.
ورحب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كان من المشجعين لأذربيجان بالاتفاقية
وقال في خطاب يوم الأربعاء: "انتهى رسميا الاحتلال الذي مضى عليه 28 عاما
لكراباخ وأذربيجان".
وعلق أونور إسكي
المحاضر في الشؤون الدولية بجامعة بيلكينت في أنقرة: "يرى أردوغان تركيا كقوة
إقليمية، وهو غير مستعد للتنازل. ولن تعود تركيا إلى تركيا الخمسينات من القرن
الماضي الحليفة للناتو. وأعتقد أن تركيا تحاول رسم خط مستقل لنفسها". وقال إن
روسيا وتركيا "لديهما نزاعات سياسية هنا وهناك ولا تتفقان على القضايا
الجيوسياسية ولكنهما تحاولان إدارتها".
وأضاف: "لا أعتقد
أننا سنرى سواء في سوريا أو القوقاز تحالفا عسكريا شاملا". ويعكس التوغل
التركي في الجيوسياسيا بمنطقة القوقاز تدخلها في سوريا عام 2015 ونشاطاتها في
ليبيا وهي مناطق ترى أنها جزء من مجال تأثيرها.
وحاول الزعيمان القويان في كلا البلدين الحفاظ على علاقة غير مريحة وبراغماتية تقوم على عدم الثقة بالغرب. ويقول ستانيسلاف بريتشن، الباحث البارز في مركز دراسات ما بعد الاتحاد السوفييتي بالأكاديمية الروسية للعلوم إن "نشاطات تركيا في قره باغ هي في جزء منها إجابة على نشاطات روسيا في الشرق الأوسط.
وتريد
تركيا أن تكون لاعبا عالميا ولديها حصة في كل كعكة" و"من هذا المنظور فإن
جنوب القوقاز هو منطقة مريحة لأنقرة بدون مخاطر محتملة. لكن تركيا تعتمد على
أذربيجان وليس لديها فهم جيد لتعقيدات المنطقة التي لا تعطي إلا مجالا محدودا
للمناورة".
وكان نشر روسيا لألفي
جندي دليلا على النفوذ الذي تمارسه لكنه يعرضها للمحاسبة بشأن مستقبل هذا الجيب.
وقالت أولغا أوليكر، مديرة أوروبا ووسط آسيا بمجموعة الأزمات الدولية: "حصلت
أذربيجان على ما أرادت الحصول عليه ولكن الثمن هو تأثير كبير وليس قليلا داخل
حدودها". وفي الوقت نفسه "أصبحت روسيا مسؤولة الآن عن هذا النزاع أكثر
من الوقت الماضي وسيكون عبئا لوقت طويل".
وتتناقش تركيا وروسيا
حول تفاصيل وقف إطلاق النار وإن كان سيسمح بنشر قوات تركية، وهو أمر تريده
أذربيجان وتعارضه روسيا. وستشارك تركيا في مركز مشترك لرصد الإلتزام بوقف إطلاق
النار، لكن الكرملين نفى أن يكون في قره باغ. وقال المتحدث باسم بوتين، ديمتري
بيسكوف: "هذا لا يتناسب مع فهمنا" و"يجب توضيح بعض الأمور
الدقيقة".
وقال وزير الخارجية
التركي مولود تشاوش أوغلو إن الاتصالات مستمرة بين أنقرة وموسكو و"لقاءاتنا مستمرة حول كيفية مراقبة
الاتفاق وتنظيمه. ووقفنا مع أشقائنا في أذربيجان طوال الوقت سواء في الميدان أو على
الطاولة".