قضايا وآراء

المسار الحكومي اللبناني.. أمريكا الأمر لي

محمد موسى
1300x600
1300x600
منذ انطلاقة الانتفاضة أو الحراك أو الثورة في لبنان في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2019، لا تزال المواقف من لبنان (دولية وعربية وإقليمية) واضحة في مكان وضبابية في مكان آخر، خصوصا للدول التي تسمى حليفة لأمريكا ومشروعها في المنطقة.

ولا يخفى على أحد أن مسارات الدولة اللبنانية الأساسية السياسية والاقتصادية والمالية متوقفة بانتظار اندفاعة جديدة؛ تحتاج (بالمعنى السياسي والاقتصادي) إلى جرعة دعم دولية يصعب التكهن بمن سيتبناها في ظل الخيبات الفرنسية المتتالية المصحوبة بغض طرف خليجي. وفي زمن كورونا؛ من له القابلية على المساعدة من الأساس، حيث الموازنات الخاوية في مشرق الأرض ومغربها وخسائر العالم الاقتصادية تفوق 12 تريليون دولار؟

استقالة وعودة "أين التأليف"؟

فغداة استقالة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عام 2019، وقبل التكليف الجديد في تشرين الأول/ أكتوبر 2020؛ المغلف بلبن العصفور من الرئيس بري، تردد في أكثر من صالون سياسي أن الاستقالة وكذلك العودة الحساسة لم تكن لولا الإذن أو التنسيق مع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، أو ما يعرف بـ"قبة باط" على الطريقة اللبنانية. وهنا حسم الجميع الأمر بأن الحريري عائد إلى السراي لا محالة، حيث الميثاقية بالمعنى اللبناني تؤكد قوة الرجل في بيئته، خاصة إذا ما أضفنا التأييد من المؤسسة الدينية المتمثلة بدار الإفتاء ومرجعيتها الروحية والسياسية الوطنية، والتي أعلنتها مررا بأن الشارع السني يميل لتسمية الحريري. وحتى تلك اللحظات كانت المؤشرات تقول إن الأمريكان يريدون تحسين وضع الحريري في السلطة من خلال حكومة جديدة يكون له فيها الدور الفاعل، حكومة قادرة على الإصلاحات الجوهرية تجاه اللبنانيين والمجتمع الدولي وإعادة بناء بيروت بعد كارثة المرفأ، حكومة تعيد الحياة إلى شيء من طبيعتها بعد أن تغير كل ما في البلاد للأسوأ.

هل من اختلاف أمريكي- فرنسي؟

ولكن الناظر اليوم في دور وكلام الإدارة الأمريكية يدرك أنها باتت تتعاطى مع الملف اللبناني رزمة واحدة، مع تمايز يكاد لا يُرى لبعض الأطراف، وإلا لماذا مسارات الضغط المتواصلة والتي تجلت برأي الكثيرين بإفشال المسعى الفرنسي ظاهرا وباطنا؟ وما كلام الرئيس ماكرون الأخير المبطن إلا دلالة واضحة للاختلاف الأمريكي- الأوروبي في الكثير من الملفات، ولعل لبنان أحدها.

لقد دعا سيد الإليزيه أوروبا إلى تحقيق استقلالية سياسية أكبر عن أمريكا. وهنا نتساءل: هل هذا دليل على عمق الخلافات بين الطرفين، أم محاولة للتحرر من شروط أمريكية للتعامل مع ملفات محددة، منها لبنان؟ والسؤال الأكبر: هل تملك فرنسا الخروج من العباءة الأمريكية في لبنان؟ طبعا لا.

السفيرة الأمريكية الصارمة

من الواضح أن الأمريكان متشددون في لبنان حتى الصميم، ولا أدل من كلام سفيرة العم سام في لبنان السيدة دوروثي شيا: "لا نريد سقوط الدولة اللبنانية ولكننا لا يمكن أن نرغب في ذلك فعلا أكثر من رغبتهم هم فيه"، غامزة من إطلاق السهام تجاه فريق محدد في لبنان وأضافت بلغة الوعيد: "اكتسبنا حنكة وسيكون هناك نهج تدريجي خطوة خطوة، ولا شيء مجاني". وعليه، فإن المقاربة الأمريكية تغيرت في لبنان إلى حدود التعاطي بالمباشر؛ إن عبر العقوبات أو التهديدات ترغيبا وترهيبا، وصولا إلى إحراج الفرنسيين تمهيدا لإخراجهم أو حل بالطريقة الأمريكية.

وعليه كيف نفسر الأجواء السلبية بعد تسع زيارات من الرئيس المكلف إلى بعبدا، ولا نسمع سوى بيانات إنشائية لا تسمن ولا تغني من جوع. من الواضح أن الموفد الفرنسي باتريك دوريل خرج بما يشي بألا حكومة في الأفق؛ في بلاد اعتادت على رمي أثقالها يوما على اندفاعة ماكرون، ويوما على الانتخابات الأمريكية ويوما على وصول الرئيس الأمريكي الجديد ورؤيته للبنان، وكأني بالجميع لا يدرك أن جل هموم الإدارة الأمريكية هو أمن إسرائيل ورضى إسرائيل؛ أكان الرئيس من الجمهوريين أو الديمقراطيين فكفوا عن الشعور بأن لبنان أول الأولويات الأمريكية.

لبنان والرهان الحقيقي للخروج من أزمة الحكم القائمة

إن جل ما يمكن الرهان عليه لبنانيا هو انفتاح في آفاق التسوية الأمريكية الإيرانية في حال أبصرت النور، وما أعلنه وزير خارجية إيران ليس ببعيد، حيث صرح بأن طهران ستعود دون قيد أو شرط إلى تنفيذ جميع التزاماتها النووية المعلقة، في حال رفعت الإدارة الأمريكية الجديدة العقوبات عنها. وأضاف: إذا أرادت الإدارة الأمريكية (الجديدة) أن تصبح عضوا في الاتفاق النووي الذي أعلن ترامب خروج بلاده منه، فنحن مستعدون لإجراء محادثات حول كيفية عودتها إلى الاتفاق. وقال: إذا أوفت الولايات المتحدة بالتزاماتها بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2231، فنحن أيضا سنفي بالتزاماتنا المترتبة بموجب الاتفاق النووي. ليست هناك حاجة للمفاوضات أو أي شروط لإنهاء العقوبات.. وأكد ظريف أنه بإمكان بايدن، عقب تولي مهامه، إصدار ثلاثة قرارات رئاسية يلغي بها جميع العقوبات.

ولكن جملة تساؤلات تطفو مجددا ما هي التعديلات القادمة لقبول أمريكا للعودة إلى الاتفاق النووي؟ ما المستجد أمريكيا في هذه الشروط بعدما فعلت العقوبات الترامبية فعلها؟ ماذا عن الدور الإيراني المنفوش في كل المنطقة؟ ماذا عن إيران في لبنان؟ وماذا عن حزب الله تحديدا والرؤية الأمريكية له، وكيف السبيل لإيجاد أرضية لحل معضلة حزب الله أمريكيا؟ وكذلك ما هي الضمانات للجمهورية الإسلامية لعدم نكث أمريكا مرة جديدة بوعودها وتعهداتها؟

من الواضح أن تجاوب "حزب الله" في مسألة التفاوض غير المباشر مع إسرائيل لترسيم الحدود لا يلغي النظرة الأمريكية إلى الحزب ولا يغيّر موقفها منه، ومن ذلك كلام أكثر من مسؤول أمريكي وآخرهم الوزير بومبيو، الذي يبدو أكثر تشدّدا حيال "حزب الله" أكثر من ذي قبل، وهو لم يغيّر نظرته إليه، وبالتالي فهو يسعى جاهدا إلى إقناع العالم بصوابية النظرة الأمريكية.1

لذلك، أليس أجدى لبنانيا التريث في اندفاعة التشكيلة الحكومية ريثما يُفرز الخيط الأبيض الأمريكي من الخيط الأسود، بحيث يصبح في الإمكان المراهنة على بعض المتغيرات في السياسة الخارجية الأمريكية، وتاليا وعلى طريقة المثل اللبناني اللي شرب البير ما بيغص من الساقية، والتي هي بضعة أشهر كي تستلم إدارة بايدن ويبنى على الشيء مقتضاه؟

وهنا يرسم السؤال الملح: هل يحمل لبنان واللبنانيون المنهكون على كافة الصعد كل هذه الفترة للانتظار، وأمام أعينهم انهار كل شيء من الليرة التي تموت أمام الدولار الجامح والمرشح للصعود أكثر في أزمة بلا سقوف وتاليا أسعار صرف بلا سقوف أيضا؟ أم مع تفاقم الأزمات والتضخم الهائل الذي يأكل معاشات ورواتب اللبنانيين التي باتت لا تساوي 15 في المئة من قيمتها قبل الأزمة؛ بات اللبنانيون أحياء- أمواتا بفعل المماحكات السياسية التي لا تنتهي في بلد التناتش والمحاصصة والاستقواء، وبفعل الظروف الاقتصادية الخانقة التي لا تبشر بخير خاصة إذا ما أضفنا كورونا (كوفيد 19) التي أرهقت كل شيء؟

بكلام واضح، لا حكومة في الأفق إلا بخرق أمريكي! فلبنان واقع على أكثر من فيلق واهتزازاته داخليا وخارجيا باتت مقلقة وحرجة، حيث التداخل الأمريكي– الفرنسي- الإيراني المصحوب برفع يد خليجية سعودية تحديدا عن كل مجريات لبنان، علما أنه لا بد من التأكيد على أن الإدارة الأمريكية ورغم انشغالها بنتائج الانتخابات تقول: الأمر لي، وترفض رفضا قاطعا إعطاء أي دور سياسي لـ"حزب الله" في الوقت الراهن. وهذا أيضا مطلب سعودي واضح وإلا متابعة سياسة الانكفاء التام عن لبنان.

وهنا تمظهر الدور الملجوم والمتريث للرئيس المكلف (الحريري): فما فائدة حكومة لا تحظى بغطاء دولي قادر على انتشال لبنان من أزماته؟ أليست نسخة مكررة لحكومة دياب المستقيلة؟ وهنا ماذا عن الشارع الغائب المنتظر على حافة الهاوية؟ أي حكومة إصلاحية سترضي المتصلبين بقرارهم داخليا دون انفراجه إقليمية- دولية؟ وعليه، هل للبنان مفر من التحدث مع الأمريكي؟ أي الشروط تعيد الفاعلين- القادرين على المساعدة للبنان لا سيما الخليجيين؟

إنها لعبة عد الأصابع في صراع الأمم، حيث ما عاد للبنانيين المتروكين يواجهون الريح باللحم الحي إلا الوقوف على قارعة الأحداث الدولية والإقليمية، مصحوبين مع مزيد من الانتظار لحلول قد لا تأتي ويكون صعق الانفجار الكبير أسرع لا سمح الله.
التعليقات (0)