هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "ميدل إيست أي" البريطاني، تقريرا سلط فيه الضوء على الاتفاق النووي مع إيران، معتبرا أن الرئيس دونالد ترامب، ترك للمنتخب جو بايدن "تركة مسمومة" فيما يخص هذا الملف.
وقال كاتب التقرير الدبلوماسي الإيطالي السابق، ماركوس كارنيلوس، إن "الأسابيع القادمة قد تشهد تصعيدا في التوتر، تغذيه العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة، واحتمال قيامها بشن هجمات على مصالح إيرانية".
واعتبر في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أنه من المحتمل أن يكون اللقاء الذي تم بين رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مع وزير الخارجية الأمريكي بالإدارة الحالية لترامب، مايك بومبيو، تم فيه الاتفاق على اتخاذ خطوة تصعيدية مستميتة، قبل أن يتسلم بايدن السلطة.
وشدد على أن إدارة ترامب ستفاقم من التوترات وتعسر على إدارة الرئيس الجديد تبرير انتهاج سياسة جديدة تجاه إيران.
اقرأ أيضا: التايمز: لقاء ابن سلمان ونتنياهو عن إيران وليس التطبيع
وتخوف من أن تقوم إدارة ترامب قبل رحيلها باستهداف حزب الله، وتوفير أي مبرر لشن هجمات مضادة على نطاق واسع، مثل هجمات جديدة على مرافق النفط السعودية، أو تصعيد في اليمن، أو هجوم إرهابي ضد المصالح الأمريكية أو الإسرائيلية أو العربية في المنطقة لتفتعل أزمة كبيرة مع إيران.
وقال: "من الممكن أيضا أن يبرر ترامب قصف المرافق النووية الإيرانية من خلال الزعم بأن ما تقوم به طهران منذ انهيار صفقة النووي من نشاطات لإشباع اليورانيوم باتت تشكل تهديدا".
وتاليا النص الكامل كما ترجمته "عربي21":
قد تشهد الأسابيع القادمة تصعيداً في التوتر تغذيه العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة واحتمال قيامها بشن هجمات على مصالح إيرانية
لسوء الحظ لم تكن الغاية من صفقة النووي بصراحة تغطية مثل هذه المواضيع، بل يتطلب ذلك عملية تفاوض جديدة وشاملة تتضمن النشاطات الأخرى "المزعزعة للاستقرار" وبرامج الصواريخ للبلدان الأخرى في المنطقة، والتي تعتبرها طهران وحلفاؤها تهديداً – بمعنى آخر مفاوضات حول بنية سياسية وأمنية للمنطقة بأسرها.
تريد إسرائيل وشركاؤها الجدد في العالم العربي من واشنطن أن تبقى فاعلة في الشرق الأوسط لمواجهة إيران، فهم يؤيدون المفاوضات شريطة أن ينجم عنها استسلام إيران، إذ يرون أن أي صفقة منصفة مع إيران ستكون صفقة سيئة لأنها ستوفر لها المجال لتمضي قدماً فيما يسمى سياساتها المزعزعة للاستقرار ولأنها سوف تؤجل تنفيذ ما يعتبرونه فيما بينهم الحل الوحيد الذي يمكن قبوله، ألا وهو تغيير النظام.
بينما ليس واضحاً ما هو مستوى إمكانيات اللوبي الذي سوف تتمكن الرياض وأبوظبي من الإبقاء عليه في ظل إدارة بايدن، وخاصة بعد الغزل الحميمي الذي مارسوه مع ترامب، سوف تحتفظ إسرائيل بعلاقات ودية مع بايدن. ولتجنب أي سوء لهم، بادر المسؤولون الإسرائيليون بالتحذير من أنه فيما لو غير بايدن المسار فقد تنشب مواجهة بين إسرائيل وإيران.
على الرغم من أن المملكة العربية السعودية قد تشعر بعدم ارتياح كبير في التعامل مع إدارة بايدن إلا أن بعض كبار المسؤولين حثوا بايدن على عدم الانضمام من جديد إلى صفقة النووي.
ما الذي أفضى إلى المأزق؟
وضع الرئيس المنتخب وبعض مساعديه شروطاً معقدة للانضمام من جديد إلى صفقة النووي، متجاهلين فيما يبدو تسلسل الأحداث التي أوصلتنا إلى المأزق الحالي. وكانت إدارة ترامب في عام 2018 قد انسحبت من الصفقة وأعادت فرض العقوبات على إيران منتهكة بذلك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 الذي أقر الصفقة.
انتظرت إيران عاماً كاملاً قبل أن ترد على ذلك الإجراء، أملاً في أن تبادر البلدان الأخرى الموقعة على الاتفاق بمعالجة الأمر والاستدراك على العقوبات الأمريكية. ولم تبدأ إيران بتقليص التزامها ببنود الصفقة إلا بعد مرور ذلك العام.
ثمة مخاطرة في أن تبقى الإشكالية تراوح مكانها، حيث يقول بايدن إن الولايات المتحدة سوف تعود وتنضم مجدداً إلى الاتفاق "كنقطة بداية لمفاوضات إضافية سيتم إجراؤها" إذا ما عادت إيران إلى الالتزام بتعهداتها، فرد وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، بأسلوب أبلغ، قائلاً إنه إذا ما أوفت الولايات المتحدة بالتزاماتها بموجب القرار رقم 2231 "فسوف نفي بما علينا من التزامات" وأنه إذا ما سعت الولايات المتحدة للانضمام مجدداً إلى صفقة النووي "فنحن على استعداد للتفاوض على شروط وظروف عضوية واشنطن."
وأما فيما يتعلق بطموح بايدن المزعوم للدخول في مفاوضات إضافية، فقد تحدث ظريف علانية وبشكل صريح مؤكداً على أن "العودة إلى التفاعل لا تعني العودة إلى التفاوض" لأنه "لو أردنا القيام بذلك (أي العودة إلى التفاوض)، لكنا فعلنا ذلك مع الرئيس ترامب قبل أربعة أعوام."
في تقييم رد الفعل الإيراني، ينبغي ملاحظة أن طهران لم تنس أنه بعد وضع صفقة النووي قيد التنفيذ للمرة الأولى، عمدت إدارة أوباما إلى ممارسة الضغوط وتحذير البنوك حول العالم ضد تمكين التعاملات التجارية مع إيران بالدولار الأمريكي. فهمت إيران ذلك على أنه تفريغ لصفقة النووي من أي قيمة حقيقية.
لم يحصل بتاتاً أن تحقق الإعفاء من العقوبات في واقع الأمر على الرغم من أن الإعفاء كان السبب الأساسي الذي من أجله وقعت طهران على الصفقة. من المحتمل أن يكون بعض المستشارين الذين دفعوا باتجاه تبني تلك القرارات في إدارة أوباما جزءاً من إدارة بايدن أيضاً.
فرص للتصعيد
ومع ذلك، وحتى قبل أن تتضح النوايا الحقيقية لبايدن، قد لا يتمكن ترامب وإسرائيل وشركاؤهما العرب من مقاومة إغراء خلق أوضاع تقيد يدي الرئيس الجديد وتحول دون إمكانية إطلاق المحادثات من جديد. قد تشهد الأسابيع القادمة توترات متزايدة تغذيها العقوبات الأمريكية المعززة دون استبعاد إمكانية أن تبادر الولايات المتحدة وإسرائيل إلى توجيه ضربات ضد مصالح إيرانية في المنطقة أو حتى داخل الحدود الإيرانية.
وفي هذا السياق يأتي اللقاء السري الذي شارك فيه كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، والذي قالت مصادر إخبارية إسرائيلية إنه تم قبل أيام قليلة داخل المملكة العربية السعودية، إذ من المحتمل أن يكون ذلك اللقاء هو الذي تم فيه الاتفاق أخيراً على اتخاذ تلك الخطوة التصعيدية المستميتة.
هناك الكثير من الفرص التي يمكن أن تستغل، قد يكون منها وقوع حوادث في سوريا ولبنان تستخدم ذريعة لاستهداف حزب الله، وهجمات أخرى تشنها ميليشيات موالية لإيران في العراق، وحوادث بحرية في الخليج تنسب إلى الحرس الثوري الإيراني وتوفر المبرر لشن هجمات مضادة على نطاق واسع، وهجمات جديدة على مرافق النفط السعودية، وتصعيد في اليمن، أو هجوم إرهابي ضد المصالح الأمريكية أو الإسرائيلية أو العربية في المنطقة.
ومن الممكن أيضاً أن يبرر قصف المرافق النووية الإيرانية من خلال الزعم بأن ما تقوم به منذ انهيار صفقة النووي من نشاطات لإشباع اليورانيوم باتت تشكل تهديداً.
سوف ترحب هذه الدوائر بأي أحداث من شأنها أن تفاقم من التوترات وتعسر على إدارة الرئيس الجديد تبرير انتهاج سياسة جديدة تجاه إيران. وفي مثل هذه الحالة سوف تجد القوى الأوروبية الكبرى أنه يستحيل عليها لوم الولايات المتحدة بعد أن ثرثرت كثيراً حول رغبتها في رؤية أي شخص آخر غير ترامب داخل البيت الأبيض.
مرة أخرى، سوف يتم التعويل على القيادة الإيرانية حتى تتحلى بالصبر الاستراتيجي الذي ما لبثت تتسم به حتى الآن. إلا أن هذه المرة قد تكون مختلفة، فإيران تنتظر في شهر يونيو / حزيران المقبل إجراء انتخاباتها الرئاسية، وقد لا يقاوم صقور إيران توفر ذريعة لديهم لخوض الحرب.
ماركوس كارنيلوس: دبلوماسي إيطالي سابق، عمل في الصومال وأستراليا والأمم المتحدة. عمل أيضاً في وزارة الخارجية ضمن طاقم السياسة الخارجية تحت إدارة ثلاثة رؤساء وزراء إيطاليين ما بين 1995 و2011. شغل مؤخراً منصب المبعوث الخاص لسوريا لمنسق عملية السلام في الشرق الأوسط في الحكومة الإيطالية، وحتى نوفمبر / تشرين الثاني 2017 كان السفير الإيطالي إلى العراق.