هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ألقت أزمة التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا بظلالها على الاقتصاد المصري المثقل بالديون، حيث تسببت في تراجع كبير في أداء ميزان المدفوعات، تجاوز 950 بالمئة في العام الماضي 2019-2020 مقابل العام السابق، في أسوأ أزمة منذ 10 سنوات.
وبحسب بيان البنك المركزي المصري، الذي صدر مؤخرا، سجل ميزان المدفوعات عجزا تجاوز 8.5 مليار دولار في العام الماضي، مقابل عجز قدره 102.5 مليون دولار فقط العام في 2018/ 2019، وسط توقعات باستمرار الأزمة بسبب الموجة الثانية من جائحة كورونا.
ميزان المدفوعات يعكس خلاصة حركة خروج ودخول الأموال، خلال فترة معينة من الزمن، بين مصر والعالم الخارجي، بما فيها القروض الخارجية، كما يشمل إيرادات السياحة والتجارة الخارجية ورؤوس الأموال، ويشكل تراجعه الكبير أزمة حقيقية للاقتصاد المصري.
وأدت جائحة كورونا إلى هروب رؤوس الأموال؛ إذ سجلت استثمارات الأجانب عجزا تجاوز 7.3 مليار دولار في 2019/ 2020، مقابل فائض تجاوز 4.2 مليار دولار في العام 2018/ 2019، في أكبر زيادة منذ عام 2010/ 2011، ما دفع الحكومة المصرية إلى طلب المزيد من الاقتراض.
وتتركز استثمارات الأجانب في إقراض الحكومة المصرية عبر شراء الأذون والسندات الحكومية، وتعد أيضا أبرز القنوات التي هربت من خلالها رؤوس الأموال إلى الخارج بعد تفشي فيروس كورونا، مطلع العام الجاري، وأدى إلى حالة إغلاق شبه كامل.
القروض غير كافية
ورغم حصول الحكومة المصرية على قروض جديدة من مؤسسات دولية، أبرزها صندوق النقد الدولي، لمواجهة تراجع إيراداتها الخارجية في الأساس بقيمة إجمالية تتجاوز ثمانية مليارات دولار، لكنها لم تنعكس على ميزان المدفوعات الذي انتهي في حزيران/ يونيو 2019/2020، حيث ينتهي العام المالي.
وتوسعت الحكومة المصرية في الاقتراض منذ تفشي جائحة كورونا لمواجهة التداعيات السلبية التي خلفتها الأزمة منذ آذار/ مارس 2020، ليتخطى إجمالي الاقتراض خلال الأشهر العشرة الماضية حاجز الـ21 مليار دولار.
في المقابل، واصل العجز الكلي للموازنة العامة للدولة في العام المالي الحالي 2020 - 2021 ارتفاعه، ليبلغ نحو 432 مليار جنيه (27.5 مليار دولار)، ما يشكل ضغطا مستمرا على الاقتصاد المصري، الذي يرزح تحت وطأة الديون الخارجية البالغة نحو 123.5 مليار دولار، بداية حزيران/ يونيو الماضي، وفق البنك المركزي.
التفاف الحكومة المصرية
اعتبر الخبير المصرفي، شريف عثمان، أن "إعلان العجز بهذا الحجم يمثل تطورا في إظهار عجز الموازنة، لكن الحكومة المصرية دأبت على الإعلان عن حجم العجز بعد أن تقترض من الخارج حتى تسدد العجز، ثم تعلن عن وجود عجز أو فائض، وهذا أمر خاطئ".
وأكد لـ"عربي21": أن "ميزان المدفوعات يجب أن يقاس قبل اللجوء للقروض بأنواعها، وليس بعد الاقتراض من أجل تجميل الأرقام"، مشيرا إلى أن "حجم العجز المعلن 8.5 مليار دولار، رغم ارتفاعه، لكنه لا يعبر عن الرقم الحقيقي".
وكشف أن "مصر تعاني، في الواقع، من عجز (وهو الفرق بين ما يدخل لها ويخرج منها) لا يقل عن 15 مليار، وفي بعض الأحيان يزيد على 20 مليار دولار في كل عام؛ وبالتالي الرقم الحقيقي للعجز هو صافي الإضافة إلى الديون الخارجية، ويطرح منها أي إضافة في الاحتياطي النقدي".
وتوقع الخبير المصرفي أن "تستمر أزمة العجز في ميزان المدفوعات لعدة أسباب، على رأسها استمرار تراجع إيرادات السياحة، حجر الزاوية في العملة الصعبة، إضافة إلى التأثيرات المتوقعة لموجة كورونا الثانية في مصر والعالم".
وفي قراءته لحجم العجز في ميزان المدفوعات، أكد الخبير الاقتصادي، محمد كمال عقدة، أنه "دلالة واضحة على تراجع حجم الاستثمار الأجنبي، وضعف الاقتصاد المصري؛ نتيجة تأثره بتراجع إيرادات الدولة من العملة الصعبة بسبب تداعيات جائحة كورونا".
وأرجع في حديثه لـ"عربي21" عجز الدولة عن تقليل حجم العجز إلى "سببين، أولهما سبب هيكلي يتمثل في سوء الإدارة المالية والاقتصادية، وتوسعها في مشاريع "المرة الواحدة"، مثل العاصمة الإدارية، وغيرها من المشروعات غير الإنتاجية التي لا تعود بتدوير رأس المال عدة مرات في الاقتصاد المصري".
وأضاف: "ثاني تلك الأسباب؛ أزمة كورونا، وتراجع حجم الاقتصادي العالمي عموما، والاقتصاد المصري خصوصا"، متوقعا أن "تستمر تداعيات تلك الأزمة بسبب الموجة الثانية من جائحة كورونا، وسوف تمتد آثارها إلى عامين مقبلين عالميا، وتزيد تلك الفترة في مصر إلى أكثر من ذلك؛ بسبب غياب الشفافية، وعدم قدرة الدولة على توفير اللقاح لجميع المصريين في حال توفره".