هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تكونت الصورة الذهنية لدى المصريين عن الدعم الذي تقدمه الحكومة عبر عشرات السنين منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، على أنه يتعلق بالسلع التموينية والمنتجات البترولية والمساعدات الاجتماعية للأسر الفقيرة.
لكن عندما تتضمن مخصصات الدعم بموازنة العام المالي الحالي 2020/ 2021 نحو 53 مليون جنيه لدار الأوبرا المصرية وصندوق تطويرها، بينما كان نصيب المستشفي الجامعي بمحافظة كفر الشيخ الفقيرة نسبيا، والمشهورة بمراكب الصيد التقليدية؛ عشرين ألف جنيه فقط، تثور التساؤلات حول قواعد توزيع الدعم بالموازنة، خاصة وأن الأمثلة الشاذة متعددة.. فها هي هيئة الرقابة الإدارية كجهة حكومية معنية بمواجهة الفساد تحصل على 25 مليون جنيه من أموال الدعم، بينما كان نصيب المستشفيات الجامعية بمحافظة سوهاج، الأعلى بنسب الفقر بين المحافظات المصرية، أربعين ألف جنيه فقط.
وها هو المجلس الأعلى للإعلام يحصل على 123 مليون من أموال الدعم، بينما حصلت كل مديريات الطب البيطري المعنية بصحة الحيوان في كل المحافظات 3.1 مليون جنيه فقط من مخصصات الدعم. كذلك حصلت الهيئة الوطنية للصحافة المشرفة على المؤسسات الصحفية الحكومية على 360 مليون جنيه من الدعم، بينما حصلت كل مديريات الصحة في المحافظات السبع والعشرين على 20 مليون جنيه فقط من الدعم.
بل إن صندوق دعم وتطوير الطيران المدني حصل على 2.050 مليار جنيه، بينما حصلت جميع مديريات الزراعة بالمحافظات على 5.3 مليون فقط من الدعم. وها هي وزارة الأوقاف والتي تتبعها هيئة الأوقاف التي تؤول فوائضها للوزارة للإنفاق على أوجه البر؛ تحصل على 1.046 مليار جنيه من أموال الدعم بالعام المالي الحالي.
752 مليون جنيه دعما للشرطة
وها هي وزارة الداخلية قد خصصت الموازنة لها 752 مليون جنيه من أموال الدعم، تتجه عادة لدور ونوادي الشرطة في المحافظات، ولم تفوت وزارة المالية - التي تقوم بتوزيع مخصصات الدعم - الفرصة، حيث خصصت لنفسها 694 مليون من أموال الدعم لرعاية العاملين وأسرهم، حتى وزارة الخارجية كان نصيبها من مخصصات الدعم 671 مليون جنيه.
وحتى لا نسترسل في ذكر تلك الأمثلة الغريبة بخريطة توزيع الدعم، نعود إلى موازنة العام المالي الحالي التي خصصت 326 مليار جنيه للدعم، وهي قيمة كبيرة تستخدمها الحكومة كثيرا بخطابها الإعلامى كدليل على قيامها بدور الحماية الاجتماعية للفئات الفقيرة.
لكننا نشك في أن يتم إنفاق تلك القيمة في العام المالي الحالي، نظرا لأن تلك الأرقام تم إعدادها قبل ظهور كورونا التي أثرت سلبا على إيرادات الموازنة، كذلك انخفاض أسعار المنتجات البترولية وبالتالي انخفاض مخصصات الدعم لها، وسبب آخر أنه في العام المالي السابق (2018/ 2019) كانت الحكومة قد أعلنت عن تخصيص 328 مليار جنيه للدعم، لكن الحساب الختامي لتلك الموازنة أظهر بلوغ قيمة الدعم 287.5 مليار جنيه فقط، أي بنقص 12 في المئة عما تم إعلانه ببداية العام المالي وكذلك ذلك قبل كورونا، فما بالنا بما بعدها.
ويظل السؤال الأهم: ما هي البنود الرئيسة لإنفاق تلك القيمة للدعم بموازنة العام المالي الحالي البالغة 326 مليار جنيه؟ حسب بيانات وزارة المالية فإن المكون الأكبر يتمثل في توجيه 130 مليار جنيه للمعاشات، لكن هذا الأمر فيه مغالطة، حيث أن تلك القيمة تمثل جزءا من القسط السنوي، الذي التزمت به الحكومة لسداد ديون الخزانة العامة للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي.
بل إن قيمة القسط كان من المفترض أن تكون 170 مليار جنيه، لكن الحكومة ذكرت أنها ستقدم 130 مليار جنيه نقدا والباقي البالغ 40 مليار جنيه في صورة سندات، وهو ما نشك فيه أيضا، حيث أن إجمالي قسط العام المالي السابق كان 160 مليار جنيه، ووعدت الحكومة بسداده حسب قانون المعاشات في صورة نقدية. ثم عادت في شهر أيلول/ سبتمبر 2019 لتقرر سداد 130.5 مليار جنيه نقدا، و30 مليار جنيه في صورة سندات، وذلك قبل ظهور كورونا، لكنها عادت في نيسان/ أبريل بالعام الحالي لتقرر خفض المبلغ النقدي إلى 90 مليار جنيه ورفع جزء السندات إلى 70 مليار جنيه.
11 بالمئة من الدعم للبطاقات التموينية
المكون الثاني للدعم تقول الحكومة إنه يتمثل في الدعم التمويني البالغ 84.5 مليار جنيه، والتي تشمل سلع البطاقات التموينية والخبز ونقاط الخبز والدقيق، وهكذا يصل نصيب سلع البطاقات التموينية 36.5 مليار جنيه، أي بنسبة 11 في المئة من إجمالي مخصصات الدعم في الموازنة، وهو مبلغ ثابث لم يعد يزيد في حالة ارتفاع أسعار تلك السلع عالميا، بعد أن تحدد نصيب الفرد في الأسرة بخمسين جنيها ولعدد أربع أشخاص، وبعد ذلك 25 جنيها للفرد، بحيث يقوم رب الأسرة بشراء كمية سلع في حدود المخصص النقدي له، وبحيث إذا ارتفعت الأسعار كما هو الحال حاليا بالنسبة لزيت الطعام وغيره، يتم خفض الكمية من السلع التي يحصل عليها صاحب البطاقة التموينية، رغم أنها كميات لا تكفي أصلا لاحتياجيات الأسر الفقيرة طوال الشهر.
وتقول الحكومة إنها قد خصصت 3.250 مليار جنيه لنقاط الخبز، وهو ما يتمثل في احتساب عشرة قروش عن الرغيف الذي لا يتسلمه رب الأسرة من مقرراته الشهرية من الخبز، ليقوم بشراء سلع إضافية بذلك المبلغ المحتسب له، لكن تلك النقاط تمثل وفرا بالمليارات للحكومة؛ لأنها بدلا من أن تدفع أكثر من خمسين قرشا لصاحب المخبز عن الرغيف الواحد التمويني، تدفع عنه عشرة قروش فقط لرب الأسرة.
نصيب بالدعم لكل الوزارات
والمكون الثالث لمخصات الدعم يتمثل في معاشات شهرية زهيدة القيمة تسمى معاشات تكافل وكرامة ومعاش الضمان الاجتماعي، وتصل إلى حوالى 19 مليار جنيه، وتصل القيمة الشهرية لمعاش الضمان الإجتماعى 323 جنها للأسرة المكونة من فرد واحد، وترتفع حسب عدد أفراد الأسرة حتى تصل إلى 450 جنيها للأسرة المكونة من أربعة أشخاص فأكثر، وهي قيمة زهيدة تقل للأسرة عن حد الفقر الرسمي لفرد واحد.
كما أن قيمتها لم تتغير منذ نيسان/ أبريل 2014، رغم ارتفاع الأسعار منذ ذلك الحين، خاصة مع تعويم الجنيه المصري عام 2016 وتضاعف أسعار السلع، رغم رفع قيمة المعاشات الحكومية وغيرها عدة مرات خلال تلك الفترة مما يخل بالعدالة الاجتماعية.
وتحصل وزارة الصحة على 7.5 مليار جنيه، كما يحصل صندوق تنمية الصادرات على 3.8 مليار جنيه يتم توزيعها على كبار المصدرين لتشجيعهم، إلا أن الواقع يشير إلى عدم التزام الحكومة خلال السنوات الماضية بذلك، حتى بلغت المتأخرات لصالح المصدرين 28 مليار جنيه. وفي محاولة لتحريك الركود في الأسواق قالت وزارة المالية إنها مستعدة لصرف المبالغ المتأخرة لهم، مقابل موافقتهم على خصم نسبة 15 في المئة من القيمة نظير السداد المُعجل!
ويحصل صندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري على 5.7 مليار جنيه، لكن لا توجد ضوابط كافية لحصول المحتاجين بالفعل على ذلك الدعم، حيث يتدخل أعضاء البرلمان والنقابات وغيرهم لحصول أنصارهم على تلك الوحدات السكنية المدعمة بغض النظر عن استحقاقهم، ويحصل المجلس القومى للشباب على 607 ملايين جنيه والمجلس القومي للرياضة على 391 مليون جنيه.
وتتضمن خريطة توزيع الدعم حصول كل الوزارات الحكومية على نصيب متفاوت من الدعم، وهكذا نالت وزارة الكهرباء نصيبا من الدعم رغم إلغاء الدعم عن استهلاك الكهرباء بموازنة العام المالي الحالي، وحتى وزارات التخطيط والسياحة والإتصالات والدفاع ووزارة المجالس النيابية قد حظيت كل منها بنصيب من الدعم!
twitter.com/mamdouh_alwaly