هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا أعده مارتن شولوف، تحدث فيه عن انفجار الربيع العربي والآمال التي تحطمت بعد ذلك.
وقال شولوف في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن حرق الشاب محمد بوعزيزي نفسه في بلدة تونسية أشعل سخطا بين السكان الذين شعروا بالإهانة والحرمان.
وتردد صدى ما فعله الشاب البالغ من العمر 26 عاما في كل أنحاء تونس التي شهدت في الفترة بين حرق نفسه في 17 كانون الأول/ديسمبر ووفاته في 4 كانون الثاني/يناير أكثر الأحداث الدرامية التي لم تشهدها منذ عقود.
وقال التقرير إن الأحداث حينها أركعت حكومة زين العابدين بن علي وأجبرته على التنحي عن السلطة بعد عشرة أيام من وفاة بائع الفواكه.
ولم تتوقف الأحداث عند هذا البلد الساحلي في شمال أفريقيا حيث انتشرت الثورات لدول الجوار والشرق الأوسط.
وكان الموت الوحيد لبائع الفواكه رمزا للغضب الجمعي الذي عم تلك الفترة. وتحولت الاحتجاجات لثورات في الدول البوليسية بالمنطقة.
وانطلقت شرارة الثورات في مصر وليبيا وسوريا والبحرين واليمن التي شعر فيها الحكام أنهم عصيون على التغيير من أبنائهم الذين عانوا طويلا، حيث انكشف القناع عن حكامهم وظهرت حقيقة ضعفهم.
وترددت قصة بوعزيزي "الذي كان يحصل على جنيهين في اليوم ويعيل عائلة من ثمانية أفراد وعومل بقسوة من مسؤولي الدولة"، في كل زاوية بالعالم العربي.
اقرأ أيضا : عشر سنوات على الربيع العربي.. قمع وسحق ونجاح في تونس
وأصبحت الحركة التي صارت تعرف بالربيع العربي صدمة خارقة للعادة هزت سبات عقود طويلة وكشفت عن قوة الشارع القابل للإحتراق.
واستفادت الانتفاضات من قدرة الناس على التنظيم عبر الهواتف الذكية والتواصل عبر مواقع الإنترنت والتطبيقات على منصات التواصل الاجتماعي التي هزمت بنية الدولة الإعلامية التقليدية.
وكانت التحديات قوية بالنسبة للأنظمة التي نشأت في مرحلة ما بعد الاستعمار في مصر وليبيا ولاحقا في سوريا التي عززت من قوتها على ما تبقى من إرث استعماري وظلت عاجزة عن التعامل مع التغيرات السكانية في بلادها.
وبحلول 2010 تداخلت عوامل وظروف متعددة جعلت من استمرار الوضع القائم أمرا مستحيلا. فالفجوة الواسعة بين الأغنياء والفقراء والنخب التي باتت تتصرف على هواها والأجيال الشابة القلقة التي لا حظ لها من الوصول إلى فرص أو حتى التعبير عن مظالمها قاد الجميع إلى نتيجة ألا شيء يمكن خسارته من التظاهرات.
ويرى أتش إي هيلير من المعهد الملكي للدراسات المتحدة: "تم تصميم النظام ليحكم إطارا معينا من الديمغرافيات، وبدون التعامل مع التغير الديمغرافي المستمر" و"بحلول 2010 كانت هناك تصدعات في الشقوق، ومحاولة متابعة التغيرات السكانية من جهة والحفاظ على الثروة متركزة في يد طبقة معينة من جهة أخرى.
وترافق هذا مع المقايضة الديكتاتورية: لا تدفع باتجاه الحرية السياسية لأننا نحن حماتك من الإرهاب".
وفي منتصف كانون الثاني/يناير كان زين العابدين بن علي قد فر إلى المنفى في السعودية. وفي مصر كانت بوادر ثورة في التشكل ستطيح بالنظام الديكتاتوري لحسني مبارك.
وفي ليبيا بدأ نظام معمر القذافي الذي حكم 40 عاما بالترنح. أما سوريا التي أورث حافظ الأسد الحكم لابنه بشار الأسد فقد بات يواجه أول تهديد حقيقي لحكم العائلة الوراثي.
وفي كل الأنظمة كان هناك مظهر من المؤسسات التي غلفت القوة الحقيقية وهي العائلة، الجيش أو الحزب.
ومع ترنح هذه الأنظمة بدأت السعودية وإيران تراقبان بحذر الوضع وتخشيان من انفجار قوة الشعب. وفي إيران فستكون المرة الثانية التي سيخرج فيها الشارع بعد الثورة الخضراء 2009.
وفي هذا الصدد تقول نانسي عقيل التي كانت تنهي دراستها في جامعة أوكسفورد إن أختها زارتها مع بدء التظاهرات و"قالت لي غدا ستحدث ثورة في مصر، وكنت متشككة، لكنها كان صادقة".
وبعد أسابيع سحب باراك أوباما دعمه عن نظام حسني مبارك ووقف بصلابة مع الذين عملوا من أجل الإطاحة به.
وانتهى مبارك ثم تحول النظر إلى ليبيا التي تحولت فيها الثورة إلى حرب أهلية واسعة ودعم عربي لتدخل دولي.
وبنهاية 2011 دخلت سوريا في حرب هاجم فيها جيش الأسد المتظاهرين وبدأت جماعات المعارضة بتنظيم نفسها ضده.
وفي مقابلة مع تلفزيون روسي عام 2012 حذر الأسد من ثمن التدخل الأجنبي في سوريا "لو حدث فسيكون أكبر مما يتحمله العالم كله" وقال إن تداعيات الإطاحة بنظامه سيتردد صداها من المحيط الأطلنطي حتى الهادئ.
وبعد 8 أعوام لا يزال الأسد، اسميا في السلطة فيما تقاسمت فيه روسيا وإيران وتركيا حصصا في البلد الذي دمر تقريبا وأجبر نصف سكانه قبل 2011 على الهروب إلى الدول المجاورة.
وشهدت مصر حالة من الإضطرابات وحكما قصيرا لحكم محمد مرسي قاد للإطاحة به على يد الجيش وتنصيب عبد الفتاح السيسي رئيسا أعاد البنية الأمنية وخنق الحريات المدنية.
وفي كل من مصر وسوريا اختفت حرية التعبير التي انتعشت في الأيام الأولى من الثورة وهناك سجناء في السجون الأمنية أكثر مما كان عليه الوضع قبل 2011.
ووثقت جماعات حقوق الإنسان الظروف في البلدين ووصفتها بغير المحتملة وشجبت عدد المعتقلين الذين يعتقلون بناء على أدلة واهية ويختفون في أقبية السجون لعدة سنوات.
وتقول عقيل "بنهاية 2011 لاحظنا إشارات" و"المفتاح لي هو أن الجيش كان دائما يدير الأمور. ومنذ بداية خروج الدبابات إلى ميدان التحرير لتقديم الدعم الإسمي للمتظاهرين كان البعض يقول "لا لا إنهم في جانبنا" ولكنني أعرف هؤلاء الناس وأعرف أنهم يديرون الأمور" مضيفة: "ومع تكشف كل هذه الأمور، ظل الغرب يقول، تحديدا أمريكا، التزموا بخريطة الطريق للديمقراطية وعلى الطرفين ضبط النفس وكأن السلطة متساوية. والرسالة كانت لا تقلقوا، هناك رئيس منتخب وستنجلي الأمور".
وفي سوريا التي لا تزال محطمة وغير متصالحة مع نفسها بعد عقد تقريبا من الإضطرابات فالوعود التي أطلق العنان لها في الأيام الأولى من الثورة انتهت.
وتركت الحروب والثورات التي ضربت المنطقة منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 في حالة اضطراب مستمرة.
وتقول إيما سكاي، المستشارة السابقة للجنرالات الأمريكيين في العراق: "قادت حرب العراق والربيع العربي إلى تنظيم الدولة والحرب الأهلية في سوريا والتي خلقت بدورها أزمة لاجئين في أوروبا أسهمت في صعود الأنظمة الشعبوية فيها وتصويت بريطانيا للخروج من الإتحاد الأوروبي" وأضافت: "السيطرة على حدودنا للحد من الهجرة كان عاملا مهما دفع للبريكسيت".
ويرى هيلير أن الأنظمة لم تتعلم إلا دروسا قليلة ولو تعلمت فهي الدروس الخطأ. ووجدت نفسها أمام خيارين: الأول هو الإنفتاح، سريعا أو ببطء، والبدء في الرحلة الشاقة لبناء الدول الدائمة في القرن الحادي والعشرين والتي تضم أمنا شاملا وحقوقا لمواطنيهم كجزء من هذا، أما الخيار الثاني فهو النظر للإنفتاح ولو قليلا يعني أن السكان سيطردون النخبة الحاكمة في مرحلة ما بعد الإستعمار. ولمنع هذا من الحدوث يجب تشديد السيطرة قدر الإمكان وسحق المعارضة.