لبنان: الراعي يدعو للحل والرعية بلا حكومة.. نحو الملحق النووي در

في زمن ولادة الفادي يسوع الناصري في بيت لحم الفلسطينية الصابرة، يجد اللبنانيون أنفسهم أمام أزمات في شتى المجالات صحية وإنسانية واقتصادية ومالية، أما أخطر الأزمات فهي الأزمة السياسية العالقة لبلورة حكومة جديدة؛ بعد استقالة حكومة الرئيس حسان دياب على خلفية انفجار المرفأ وحقيقته الضائعة التي لم تخرج للعلن حتى الساعة بعد أكثر من 110 أيام، علما أن المسؤولين وعدوا بكشف الملابسات بعد خمسة أيام، ولكن يبدو أننا نمشي على معادلة؛ يوم عند أهل السلطة كألف مما تعدون.

في زمن الفادي الناصري، حصلت الزيارة الرابعة عشرة للرئيس المكلف سعد الحريري لبعبدا، ولكن على غرار سابقاتها لا شيء في المحصلة إلا بيانات مضمرة ومهلا مؤجلة وكلاما في الخفاء وحديثا عن دلع سياسي، ومحاصصة مقرفة، وأنباء عن وطاويط من هنا وأدوات تخريبية من هناك. والنتيجة الأكيدة لا ولادة للحكومة العتيدة، ويبقى الوطن وأبناؤه يحملون صليبهم من شهر إلى شهر ومن عام إلى عام، والحكومة من ترحيل إلى ترحيل.

صرخة الكاردينال في برية السياسيين

في زمن الفادي الناصري، لا زال لصوص الهيكل يعبثون بكل الوطن ولا يشبعون حتى مما تبقى من فتات الوطن. لقد قالها البطريرك الراعي بصوت حزين في رسالة الميلاد: كيف النهوض بالاقتصاد دون حكومة؟!! وأضاف: "نأسف لسقوط الوعود التي أعطيت لنا فعاد تأليف الحكومة إلى نقطة الصفر"، داعيا المعنيين إلى فك حصار الحكومة عن الصراعات الخارجية، وهنا لب المشكلة.

لا شك أن العراقيل كثيرة محلية وإقليمية ودولية، ولكن أليس منكم يا أهل الحل والعقد يا أهل السلطة رجل رشيد يدرك أبعاد الوقت المهدور، في زمن أقل ما يقال فيه أن الوقت أمضى من السيف على رقاب اللبنانيين؟ أليس منكم من يبصر التقارير الصادرة دوليا اقتصاديا تنذر بالموت وعظائم الأمور؟ وللتذكير ببعض المؤشرات، تكفي العودة إلى مطلع العام، حيث سجل ما يفوق 55 في المئة من اللبنانيين دون خط الفقر و23 في المئة منهم فقراء، والبقية معظمهم من المتسولين على أبواب المصارف المتسلحة بالسلطة، حيث فقدان الإصلاحات وعلى رأسها قانون الكابيتال كونترول، حتى يعرف الناس "كوعهم من بوعهم" كما يقال في اللغة العامية.

إلى أين وما القادم؟

هل يدرك المماطلون الحاليون وكل من موقعه على اختلاف المشارب أن ما تبقى من دعم ربما لا يكفي شهرين قادمين، فهل ينتظرون ربيعَ ثأرٍ حامٍ مزلزل؛ حياتيا واجتماعيا وصحيا، في أيام باتت لقمة اللبنانيين ورغيفهم في خطر.

إن الناظر بعد كل هذه الجولات المكوكية يدرك أن ولادة الحكومة ربما بات خارج أسوار الوطن، خاصة مع دخول المبادرة الفرنسية غرفة الإنعاش بعد إصابتها مع الرئيس الفرنسي بـ"كوفيد 19" الممتد مع السلالة الجديدة حتى بلوغنا "كوفيد 20"، التي لن تبصر بداية صحتها حتى وصول الرئيس الأمريكي المنتخب بايدن مكتبه البيضاوي، وإمكانية الحلحلة في العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، أو ما يعرف اتفاق "خمسة زائد واحد".

إن البحث عن الاتفاق الجديد بين أمريكا- جو بايدن وإدارته الديمقراطية والجمهورية الإسلامية، ربما يحتاج إلى معجزة في الظروف الآنية والمواقف المعلنة والمخفية حاليا.

فالأطراف جميعها تدرك أن ولادة الاتفاق الجديد تحتاج تراجعا من الجميع، وعندما نتحدث عن الجميع نقصد كل المعنيين (داخليا وخارجيا). ونسأل ويسأل معنا الكثير من المحللين والباحثين عن آفاق حل في المنطقة ولبنان من الملحقين في نتائج الحل:

هل الإدارة الأمريكية الجديدة بوارد خسارة ثمار العقوبات التي أتت أكلها على طهران؟ علما أن إدارة ترامب لا زالت تعزز العقوبات حتى الرمق الأخير من ولايتها، ويُتوقع المزيد منها قريبا على إيران وحلفائها.

هل بايدن ممن يبحثون عن اتفاق بأي ثمن مع طهران، وهو القادم من مسيرة عميقة من لجنة شؤون الخارجية في الكونغرس الأمريكي؟ وتاليا هل هو مستعجل لإنقاذ ما تبقى من روح في الاتفاق النووي مع إيران؟

ماذا عن إسرائيل والكثير من حلفاء أمريكا في المنطقة الذين يرون عدم الرغبة في العودة إلى الاتفاق السابق، بل ويعدّه البعض كارثة محققة؟ وعليه هل ترضى الإدارة الأمريكية بانزعاجهم وشعورهم بالخطر على سلامة أمنهم وأراضيهم؟

وإيرانيا، هل ترضى طهران بأي اتفاق بعد صبرها ووجعها المزمن سنوات من ترامب وإدارته، علما بأنها قادمة على انتخابات قد تعيد المحافظين إلى سدة الرئاسة، وتاليا إلى خلط الأوراق وإعادة ترتيبها، مع قناعتنا بأن المرشد هو الجهة الحاسمة في بلورة القبول أو الرفض لأي اتفاق؟

إن الواقع يقول؛ إن العديد من الحلول في المنطقة العربية، لا سيما في المناطق التي لطهران نفوذ فيها، مرحّلة إلى نقطة بداية المباراة التفاوضية الحقيقية بين أمريكا وإيران بحضور المشجعين الأوروبيين، والأكثر وضوحا أن الاتفاق الجديد سيشمل معه ملحقا منقحا للاتفاق السابق، يشمل الاتفاق على مسارات الحل في ملفات المنطقة العالقة من اليمن مرورا ببغداد ووصولا إلى بيروت، اللهم إلا إن حصل تليين في المواقف تكتيكيّا هنا، وأوراق اعتماد هناك، فتبصر إحدى الساحات انفراجا ما.

في عيد الميلاد المجيد، ليس لنا إلا أن نسأل الروح القدس أن يمنّ على كل أهل المنطقة التي لم تعرف الراحة منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى لمسيحييها ومسلميها، أن يمن عليهم بالطمأنينة والسلام الحقيقي، وعدم الخوف من الغد وما يحمله في زمن الخوف في أرض الخوف للأسف!