في ظل انسداد الأفق الحاصل بين الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة وسياسة الرسائل الملغومة بأشد أنواع المتفجرات السياسية، عبر البيانات والبيانات المضادة بين الرئاستين الأولى والثالثة، يتساءل المرء: إلى متى هذا التعاطي وربما الخفة في مصير بلد برمته؟
وربما بات السؤال مشروعا: إلى متى فترة التأليف ستطول وتطول وتطول؟ وإلى متى الاستعصاء بين الرئاستين؟ ومتى يأتي الفرج المرتبط بالإقليم في ظل كلام مرتفع عن مصير اتفاق الطائف الذي يسقط كل يوم في قعر قد لا يعود منه؟
وربما الوضع بات يوحي بأننا في الطريق إلى استيلاد اتفاق على غرار "طائف جديد" في عاصمة جديدة تستضيف القادة
اللبنانيين، على طريقة اتفاق الدوحة 2008 واجتماعات سان كلو الفرنسية للتجديد للعشرية النفطية- الغازية القادمة (2020- 2030). ولكن على الجميع أن يعوا أن في سقوط الطائف مطبات جمة؛ أقلها أنه لا ضمانة لأحد في لعبة العد التي أنهاها ذات يوم الشهيد رفيق الحريري.
وماذا عن بقاء الدور المترافق مع تغيرات المنطقة المتسارعة والموعودة أمريكيا على آفاق اتفاق الترسيم المتخبط والعالق مع الإسرائيلي في انتظار بلورة صورة لبنان ودوره الذي يحضر له في شرق المتوسط بين اللاعبين الكبار، أمريكيين وأوروبيين وعرب؟ وهنا هل يبقى للداخل من صوت في لعبة الأمم؟
من الواضح أن لبنان عالق بين سندان
الفساد الذي أضحى ثقافة كاملة في شتى القطاعات الداخلية، وأصبحنا في زمن الكل في مواجهة الكل الدولة في مواجهة المصارف والمصارف في مواجهة المودعين والناس في مواجهة الأفران والأطباء والصيادلة؛ طلبا للرغيف والدواء والحبل على الجرار.. ومطرقة أمريكا- دونالد ترامب الذي هو مستمر في العقوبات والضغوطات حتى اللحظة الأخيرة من ولايته؛ على حزب الله ظاهريا وكل لبنان في الواقع. ولا داعي للتذكير بقوانين الإدارة الأمريكية الأخيرة من قيصر إلى ماغنتسكي الذي شل بشكل أو آخر الكثير من مداميك الاقتصاد اللبناني المنهار أساسا. ويكفي الحديث عن قطاع مصرفي متهالك ويكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة مع حلول إعادة الرسملة المطلوبة في شهر شباط/ فبراير 2021 القادم، حيث قلة من المصارف ستكون لها القدرة على الرسملة!! وعن ناتج قومي محلي هبط إلى النصف تقريبا (أي ما يقارب 33 مليار دولار) والمصحوب مع نسب نمو سلبية بحوالي 20- في المئة، وتاليا نجحت الإدارة الأمريكية من خلال العقوبات في لجم الاقتصاد اللبناني وتكبيله، ولكنها لم تستطع إيذاء حزب الله والقوى الدائرة بالفلك الإيراني بقدر حساباتها، فهي بالكاد عقّدت المشهد السياسي بالعقوبات على حلفاء حزب الله في حركة أمل وتيار الرئاسة؛ عبر الوزير السابق جبران باسيل وتيار المردة عبر الوزير السابق يوسف فنيانوس.
والحقيقة أن الكثير من المراقبين ينتظرون مزيدا من العقوبات الأمريكية على كافة المستويات اللبنانية في قادم الأيام، وذلك طالما أن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته في سدة الحكم، ولا أحد يضمن إن كانت المسارات العقابية ستتابع طريقها مع إدارة جو بايدن، وهو أمر غير مستبعد مع الحديث عن ملحق في حال عودة الاتفاق النووي إلى سابق عهده بين واشنطن وطهران.
كل الحوادث تؤكد أن الأمريكي ضرب المبادرة الفرنسية مرات ومرات عبر العقوبات من جهة، ومنع تمثيل حزب الله في الحكومة لا جهرا ولا حتى عبر أسماء مقربة، من جهة ثانية، مضافة إليها التصريحات الصاعدة مؤخرا عبر السفيرة الأمريكية في لبنان دورثي شيا التي أعلنت تحولات أمريكية أبرزها: لا شيء بالمجان!! ناهيك عن تصريحات كل من شينكر وجيمس جيفري وبومبيو الواضحة بزرع الألغام في طريق التسوية الحكومية التي لم تبصر النور، وربما لن تبصره في لبنان.
من هنا كاد يطل علينا الرئيس
ماكرون للمرة الثالثة مع إطلالة الأسبوع المقبل لولا إصابته بكوفيد- 19 الذي أعاق قدومه، وحسنا فعل كوفيد لأن ما كان سيحمله ماكرون ما هو إلا العبارات والتصريحات وعقد الآمال على سياسيي لبنان الذين وصفهم هو نفسه بأشد وأقذر العبارات ذات يوم.
ماذا يُنتظر من ماكرون قبل كورونا وبعده إن بقيت الزيارة مع تأجيل المواعيد؛ وكل فريق لم يستطع تليين مواقف وأنانية السياسيين اللبنانيين الذين يختبئون يوما بوحدة المعايير وأياما أخرى بحجج واهية، تارة عن شكل الحكومة وتارة أخرى بالوزراء وجنسهم إن كانوا من الملائكة أم من كوكب آخر، وتارة عبر الاختباء بالمبادرة الفرنسية نفسها والتي على ما أعتقد ستلفظ أنفاسها الأخيرة قريبا، ويكون في حفل تأبينها الرئيس الفرنسي شخصيا في زيارته القادمة، اللهم إلا إذا كان هناك وحي إقليمي ما، وهو على ما يبدو ليس مرشحا للظهور قبل وصول سيد البيت الأبيض الجديد الذي طُوِّب رئيسا من قبل المجمع الانتخابي منذ يومين.
لا ضير أن نتمنى للرئيس ماكرون السلامة وتمام الصحة والعافية من كوفيد- 19، ونذكره ونذكر أهل الحل والعقد في لبنان بكلام صادر عن وزير خارجيته مرات ثلاث توحي بقرب وفاة المبادرة الفرنسية التي على الأرجح أصابها فيروس كورونا وعسى ألا تموت:
في الأولى منتصف شهر تموز/ يوليو 2020: حمل لو دريان رسالة تأنيب فرنسية بلغةٍ دبلوماسية، والتي ترافقت مع تأكيده أن لبنان ما زال يملك كل مقومات النهوض، وأن مفاعيل مؤتمر "سيدر" لا زالت قائمة مقابل شرط واحد خلاصته التزام الحكومة بالإصلاحات التي وعدت بها. فمن دون إصلاحات لا شيء سيحصل. وختم بصرخة مدوية لكنها لم تسمع من هم في القبور: ساعدوا أنفسكم لكي نساعدكم.
وفي الثانية نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2020، حينما دعا وزير الخارجية الفرنسي جان- إيف لودريان؛ لبنان إلى "الإسراع في تشكيل حكومة جديدة". وحذر أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الفرنسي من أنه كلما تأخرنا، غرق المركب أكثر، وإذا لم يقم لبنان بالإصلاحات المطلوبة، فإنّ البلد نفسه معرض للانهيار. وأضاف: "لا يمكن أن يكون الشعب اللبناني ضحية إهمال وعدم كفاءة قادته"، معتبرا أن "النزعات القديمة، والمحاصصة حسب الانتماءات وحسب الطوائف عادت، فيما الوضع الحالي لا يسمح بذلك، ثم أضاف أن استكمال الوضع الحالي سيؤدي إلى زوال لبنان عن الخارطة".
وفي الثالثة منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2020، عبر صحيفة لو فيغاروا الفرنسية، بأن لبنان هو تايتانيك من دون الأوركسترا.. اللبنانيون في حالة إنكار تام وهم يغرقون، ولا توجد حتى موسيقى، علما أن الاعتقاد السائد تاريخيا يقول إن الأوركسترا التي كانت على متن سفينة تايتانيك استمرت في العزف أطول مدة ممكنة، حتى غرقت السفينة في المحيط الأطلسي عام 1912، في محاولة لمساعدة الركاب على الهدوء وسط الهلاك الوشيك الذي أودى بحياة كل الموسيقيين في نهاية الأمر، وكأني بالوزير الفرنسي يضع إصبعه على الوجع ليقول لا حل في لبنان.. إن لم يكن سقوط العازفين واللاعبين السياسيين اللبنانيين فأقله عبر انكفائهم وتوبتهم عما يفعلون بلبنان.
"فيا أبتاه عاقبهم واجلدهم لأنهم يعلمون ما يفعلون بشعب لبنان المنهك والصابر". فالمعذرة من روحك القدس سيدي المسيح والسلام عليك يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث حيا. فهل بعث الحياة في لبنان بات يحتاج معجزة من الروح القدس؟ وهل كورونا أنقذ ماكرون من مستنقع سياسيي لبنان المماطلين حتى ما بعد النهاية؟!