هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
إزاء الضغط المتصاعد والمتوقع على تونس للتطبيع، خاصة بعد "فتح" مسار التطبيع في المجال المغاربي عبر خاصرته في المغرب الأقصى، صدر موقف رسمي تونسي في بيان للخارجية مثل الحدث السياسي الأبرز هذا الأسبوع. الموقف لم يكن مفاجئا تماما، لكن كان لافتا في وضوح ودقة الموقف حتى أنه بدا راديكاليا، خاصة مقارنة بموجات التطبيع وسقوط حبات الديمينو العربية.
لكن المسألة ليست مسالة تطبيع فقط، فنحن إزاء أضواء كاشفة على مسارات استراتيجية تتجاوز تونس إلى مواضيع علاقة مسار الثورات والديمقراطية بالصراع مع إسرائيل والوضع الداخلي في تونس.
كانت هناك موجة ارتياح واضحة في بيان الخارجية التونسية الذي رد على ما ورد في الإعلام الدولي خاصة نيويورك تايمز ويعلن رفض التطبيع مع "الكيان الصهيوني" (عبارة لم نعهد استعمالات في اللغة الديبلوماسية التونسية). البيان الذي يحمل آثار "لغة" و"منطق" قيس سعيد يقول في إحدى أهم فقراته: "إذ تحترم تونس المواقف السياديّة لمختلف الدول، فإنها تؤكد أن موقفها هذا ثابت ومبدئي لن تؤثر فيه أبدا التغيرات في الساحة الدولية، كما أنه يعكس ما عبّر عنه رئيس الجمهورية، في أكثر من مناسبة، حول مفهوم التطبيع الذي يعتبر في غير محلّه لأن الوضع الطبيعي هو أن يسترد الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة غير منقوصة".
المسألة ليست مسالة تطبيع فقط، فنحن إزاء أضواء كاشفة على مسارات استراتيجية تتجاوز تونس إلى مواضيع علاقة مسار الثورات والديمقراطية بالصراع مع إسرائيل والوضع الداخلي في تونس
الثورة والديمقراطية وفرا لتونس حصانة مهمة: تأثير الرأي العام في السياسة الخارجية بعكس دول رأيُها العام مقموع في المسائل الحساسة
ثانيا، في اعتقادي مهم أن نشعر بالارتياح لأن قيس سعيد وضع العديد من الناس الذين زايدوا عليه في التسلل؛ خاصة من بين أنصار الإسلام السياسي الذين صمتوا على الدور الرسمي البارز لسعد الدين العثماني وحزب العدالة والتنمية المغربي (خاصة بعد تصريحات بنكيران الداعمة للعثماني بقوة) والذي وقع وثيقة التطبيع المغربية. عدم تهرئة صورة قيس سعيد من مصلحة الدولة؛ من مصلحتها أن يكون رئيسها ذا مصداقية بين مواطنيه، وهو اختبار على قدرته على مواجهة ضغوط دولية ستتزايد بلا شك بعد بيان الخارجية.
ثالثا، لأن موضوع التطبيع له علاقة مباشرة بالوضع الداخلي. قيس سعيد تحدث في كثير من المرات عن الخونة، والناس يتساءلون: لِمَ لا يسميهم. لكن هل من الأسرار أن رئيس حزب برلماني الآن مودع في السجن ومؤثر في الحكومة أمضى عقد "لوبيينغ" مع قيادي سابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية للتأثير على الانتخابات؟ هل هذا سر غير معروف؟ على القضاء استكمال الحسم في كل ملفات نبيل القروي، ليس فقط ملف التهرب الضريبي الذي يعود إلى سنة 2016، والتقدم فيه لا يعود بالتالي بالتأثير قيس سعيد، لكن أيضا بقية الملفات.
قمنا بثورة وأسسنا ديمقراطية نعتز بها، وهذا يسمح بتأثير الرأي العام وتخوف المنتخَبين من نكث العهود خاصة إن كانوا صادقين، وهو حال قيس سعيد حتى الآن. رفض التطبيع سيكون له ثمن باهض بالتأكيد، خاصة في عرقلة تونس الساعية لتعبئة مواردها المالية من السوق الخارجية. لكن يجب أن نختار إما الذل والهوان والمقايضة ببضع مكاسب، وإما نقايض فقط على قاعدة التمسك بمبادئنا.
twitter.com/t_kahlaoui