هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يرفض رئيس حركة البناء الجزائرية عبد القادر بن قرينة، بشدة فكرة أن يكون الإسلاميون قد تخلوا عن القضية الفلسطينية، على خلفية مشاركة رئيس حزب العدالة والتنمية المغربي الدكتور سعد الدين العثماني، في التوقيع على استئناف العلاقة مع إسرائيل، مؤكدا أن التعميم لا يصح على الإطلاق، ذلك أن الإسلاميين الذين تنازلوا وطبعوا إنما هم في الحقيقة لم يتنازلوا عن فلسطين المحفوظة بجهاد أهلها والأمة، وإنما "تنازلوا عن مرجعيتهم الفكرية وفقدوا هويتهم السياسية".
ويضيف عبد القادر بن قرينة المرشح السابق للرئاسة في الجزائر (حل ثانيا بعد الرئيس عبد المجيد تبون)، في الحوار الذي خص به "عربي21"، أن هناك في الجزائر شعبا كاملا (بإسلامييه ووطنييه وعلمانييه) رافضا للتطبيع، ومعهم سلطة رافضة للتطبيع، وجيش رافض للتطبيع، وطبقة سياسية رافضة للتطبيع، أي أننا أمام حالة نابعة من موقف الكل الجزائري، الداعم بالمطلق لحق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه ومقدساته.. وكشف أن من بين المهام الأساسية لحزبه بمرجعيته الإسلامية "إبقاء حالة الوعي في الأمة وإبقاء حالة الرفض في الشعور العام وتمكين الشعب من التعبير عن موقفه لإبقاء السلطة بعيدة عن الانهيار أمام الضغوطات الخارجية"..
وهذا هو نص الحوار:
س ـ هل يمكن أن تدفع إكراهات السياسة بالإسلاميين إلى تغيير مبادئهم والقبول بالتطبيع؟
ـ السياسة لها إكراهات كبيرة وحقيقية سواء للإسلاميين أو لغيرهم، ولكن الإكراه لا يصل إلى حد تغيير المبادئ، لأن ذلك التغيير يفقد أصحابه مبرر وجودهم ويغير هويتهم تماما.
والإكراه تحكمه القواعد الشرعية التي تتعلق بدفع الضرر أو سد الذرائع، وهو ما يتعلق بأحكام المكلفين ولا يمكن إسقاطه على وضع الجماعات والأحزاب والحكومة إلا بقواعد مكملة تتبيّن فيها المصلحة والوسع والقدرة، حيث لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، لكن وسع الأفراد يختلف عن وسع الجماعات والأحزاب .
وأما التطبيع فهو أن تصبح العلاقة جيدة بين المستعمر وأصحاب الأرض، وهذا لا يجوز بحال من الأحوال، من حيث المبدأ، ومن حيث حرمة ترك أرض الأمة تحت سيادة عدو مغتصب وهيمنته.
وحينما نتحدث عن "إسرائيل" المحتلة لأرض فلسطين، فإننا لا نقصد اليهود كأصحاب ديانة ولا نضعهم في نفس المستوى، فهؤلاء كان وجودهم في الأمة الإسلامية في فترة نشأتها طبيعيا ومحترما، ضمن قوانين ضمنت حقوق جميع الكيانات الدينية، بل وكانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مواثيق وعهود.
والإسلاميون أو غيرهم من أبناء الأمة العربية والإسلامية اليوم يجب أن يفرقوا بين موقف ورثوه من حكومات لم تمنحها الشعوب الشرعية، وبين إنشاء حالة جديدة لا تفرضها عليهم السياسة ولا تسمح لهم بها الشرائع السماوية ولا الوضعية في التفريط بأرضهم.
س ـ كيف يمكن للإسلاميين في الجزائر وغيرها قيادة جبهة الرفض للتطبيع؟
ـ هناك توجه من بعض الدول العربية نحو الاستقواء بأمريكا لمواجهة ثورات الشعوب على فسادهم، ولكنهم يفتقدون إلى عوامل المفاوضات المسؤولة لأنهم دفعوا دولهم إلى الانهيار والتبعية فهم يتنازلون عن ورقة التوت.
والجزائر فيها شعب رافض للتطبيع وسلطة رافضة للتطبيع وجيش رافض للتطبيع وطبقة سياسية رافضة للتطبيع، إذن فالأمر مختلف، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذا الرفض نابع من موقف الكل الجزائري المتمثل في الدعم الكلي للشعب الفلسطيني لتحرير أرضه ومقدساته، وهناك تلاحم بين المكونات الوطنية كلها في ملف القضية الفلسطينية.
وهذا لأننا نستمد موقفنا إزاء القضية الفلسطينية من وفائنا لثورة التحرير المباركة وقوافل شهدائها الأبرار ومجاهديها الشجعان، كما نستمده أيضا من التيار الوطني الأصيل والكبير والواسع الذي احتضن القضية الفلسطينية والدولة الفلسطينية، ودعَّم الروح الوطنية الرافضة للاستعمار في كل وطن في العالم يتوق شعبه للحرية والاستقلال ويسعى للسيادة على أرضه وإقامة دولته، وهي حالة عامة في كل جسم الأمة العربية والإسلامية كشعوب.
س ـ ما هو برأيك تأثير "قبول" حزب العدالة والتنمية المغربي (وإن على مضض) بالتطبيع، على حظوظ الإسلاميين في الوطن العربي في الاستحقاقات الانتخابية القادمة؟
ـ للأسف وبكل وضوح قام هذا الحزب الذي رفع شعارات إسلامية بالتضحية بالقضية الفلسطينية وقام بالتضحية بالوطن وقام بالتضحية بالجمهور الذي انتخبه بدلا من أن يضحي من أجل فلسطين والأمة والشعب.
والمنظر الذي شاهدناه لا يعبر بتاتا عن المرض؛ فوجود رئيس حكومة بدون توازي الأشكال والبروتوكول الرسمي يمضي على التطبيع مع مستشارين لهؤلاء الحكومات ليس له ما يبرر، وكان بإمكان هذا الحزب أن يستقيل من الحكومة دون أن يمضي على هذه الإهانة والسقوط السياسي.. والاستقالة من الحكومة لا تعني له أية خسارة سياسية لأنه سيكسب شعبية تعيده إلى الحكومة منتصرا لأن أوضاع المنطقة لا تسمح لأنظمتها وسلمها بتحمل أية توترات أو اضطرابات وهي عاجزة أمام وباء كوفيد-19.
س ـ ماذا قدمت برأيك القوى الرافضة للتطبيع عمليا -مثل جبهة البناء الوطني- لمواجهة هذا المد المتنامي؟
ـ الرفض للتطبيع ليس مسألة حزبية وإنما هو مسألة أمة ووطن وشعب لأن التطبيع هو إنهاء لأحد مقومات الأمة ممثلا في وحدتها وسيادتها، وكذلك فالتطبيع إنما ينظر إليه من آثاره الكبرى على الأمن القومي والأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي.
ومن هنا فالذي نقوم به دائما هو إبقاء حالة الوعي في الأمة وإبقاء حالة الرفض في الشعور العام وتمكين الشعب من التعبير عن موقفه لإبقاء السلطة بعيدة عن الانهيار أمام الضغوطات الخارجية.
ومن جهة أخرى فإن السلطة التي تنبثق من الشعب عبر آليات الديمقراطية والنزاهة تكون مسنودة بالشرعية الشعبية ومسؤولة أمام الشعب، ومن هنا فإن الدول التي طبعت تعيش حالة سياسية لا تتيح لشعوبها مساءلة الحكام أو تصحيح أخطائه.
س ـ هل أصبح الإسلاميون في نفس منطقة القوى العلمانية في موضوع التطبيع؟
ـ التعميم لا يصح والذين يتنازلون عن معركة الشعب والحق الفلسطيني بدون تحرف أو تحيز له مستند شرعي هم يتنازلون عن مرجعيتهم الفكرية أصلا ويفقدون هويتهم السياسية أيضا.
ولا يمكن القول إن الإسلاميين تخلوا عن فلسطين لمجرد تخلي حزب ينتمي إلى المرجعية الإسلامية القطرية المحدودة، فهذه حالة نرجو أن يصلحها المناضلون أو على الأقل ينكروها لأن الشعب المغربي شعب مجاهد وأصيل ورافض لهذا الانهيار.. والقوى الحية في المغرب كثيرة ومتعددة التوجهات الفكرية لكنها تتحد في نصرة القضية الفلسطينية.
وفلسطين قضية متعددة الأبعاد وتحتاج إلى الجميع لأنها قضية تتعلق بكل أحرار العالم، ومقدساتها تهم المسلمين وتهم المسيحيين، وبمناسبة أعياد الميلاد المسيحية ندعو جميع الأحرار إلى الوقوف في وجه الصهيونية التي تريد الضغط على الدول لتغطية استعمالها لفلسطين وتهويدها للمقدسات وانتهاكها لحقوق الإنسان في أرض الإسراء وأرض مولد المسيح عليه السلام.