هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
منيت الليرة السورية خلال العام 2020 بخسائر غير مسبوقة في تاريخها، وبلغت خسائرها خلاله نحو 300 في المئة من قيمتها.
هذا الهبوط في قيمة الليرة، أسهم في زيادة معاناة السوريين، وأضعف القدرة الشرائية لشريحة واسعة منهم، في حين بلغ الغلاء أوجه في الأسواق، وشمل المواد المستوردة والمُنتجة محليا، على ندرتها.
وتستعرض "عربي21" في هذا التقرير الأسباب التي أدت إلى فقدان العملة السورية لجزء كبير من قيمتها، وكذلك تقرأ اعتمادا على آراء اقتصاديين مسار الليرة في العام الجديد 2021.
استهلت الليرة السورية العام 2020 عند مستوى 900 ليرة مقابل الدولار، ليلامس الدولار الواحد حاليا مع قرب دخول العام الجديد حاجز الـ3000 ليرة، وهو ما يعزوه اقتصاديون إلى أسباب عديدة، في مقدمتها تراكم العجز في بنية النظام الاقتصادية، بعد نحو عقد من الصراع.
أسباب التراجع الحاد
ويقسم الباحث في الاقتصاد السياسي، الدكتور يحيى السيد عمر، الأسباب المؤدية لتراجع الليرة السورية إلى أسباب ذاتية داخلية، وأخرى موضوعية خارجية، موضحا أن "من الأسباب الداخلية زيادة نفقات حكومة النظام مقابل ثبات إيراداتها، فمع ازدياد رقعة المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ازدادت نفقاته من ناحية توفير المحروقات والخبز والغاز وغيرها، مقابل ثبات إيراداته، ما زاد من الضغط على الليرة السورية".
وأضاف أن "من الأسباب الداخلية أيضا، ارتفاع حدة الفساد في حكومة النظام، وما نتج عنه من تدني المتحصلات الضريبية، وتهريب الدولار الموجود إلى الخارج، الأمر الذي أدى لزيادة الضغط على الليرة، كما أن غالبية السوريين بدأوا بتحويل مدخراتهم إلى الدولار؛ خوفا من انهيار الليرة، ما زاد من عرض الليرة، وزاد من الطلب على الدولار، وبالتالي شكّل عامل ضغط مزدوج على الليرة.
اقرأ أيضا: ما تداعيات فرض عقوبات "قيصر" على البنك المركزي السوري؟
أما عن الأسباب الخارجية، قال السيد عمر لـ"عربي21"، إن الأسباب الخارجية تعد المتسبب الأهم في تدهور الليرة السورية، من أهمها الأزمة الاقتصادية اللبنانية، إذ كان لبنان خلال الأزمة السورية الرئة الاقتصادية للنظام السوري، والأزمة هناك عطلت هذه الرئة، وشكلت عامل ضغط على الاقتصاد السوري.
وحسب الباحث، فإن تجميد مليارات الدولارات للسوريين في المصارف اللبنانية، التي قدرها النظام بين 20 – 40 مليار دولار، شكلت صدمة لاقتصاد النظام، وبالتالي انخفض عرض الدولار في اقتصاد النظام، وارتفعت قيمته أمام الليرة.
وإلى جانب أزمة لبنان وتداعياتها، شكل قانون قيصر عاملا ضاغطا على الليرة السورية، فالعقوبات الأمريكية أدت لحصار خانق لاقتصاد النظام، ما صعب من عملية إمداده بالموارد من قبل حلفائه، فالعقوبات المصرفية صعّبت من إمكانية تنفيذ خطوط الائتمان بين النظام وحلفائه، كما صعبت العقوبات الجديدة من إمكانية مده بالموارد، وفق السيد عمر.
وتابع: "كذلك، أدت أزمة كورونا والإغلاق الاقتصادي لتراجع اقتصاد حلفاء النظام، ما أدى لتراجع الدعم المقدم له، لا سيما أن عملات إيران وروسيا ليست بأفضل أحوالها، ما انعكس سلبا على الليرة السورية، كما أن العقوبات الأمريكية على إيران أضعفت من الدور الإيراني في دعم اقتصاد النظام، وبالتالي الليرة السورية".
من جانبه، يرى المفتش المالي المنشق عن النظام، منذر محمد، أن لسياسات النظام الاقتصادية دورا كبيرا في تراجع قيمة الليرة السورية، موضحا لـ"عربي21"، أن النظام قام بزيادة ضخ الأوراق النقدية، بعد طباعتها في روسيا، ما أسهم في إغراق السوق بالعملة المحلية.
وأضاف أنه "بعد عقد من الصراع في سوريا، بدأت الارتدادات الاقتصادية تظهر سريعا، وذلك نتيجة تراكم العجز المالي، وتبديد الاحتياطي النقدي في مصرف سوريا المركزي".
اقرأ أيضا: ارتفاع قيمة الليرة السورية.. صعود حقيقي أم وهمي؟
الليرة إلى أين في العام الجديد؟
وفي قراءته لمسار الليرة السورية في العام الجديد، رجح محمد أن تشهد الليرة خسائر أكبر في العام الجديد، مرجعا ذلك إلى استهداف مصرف سوريا المركزي بعقوبات "قيصر"، حيث إن من المُنتظر أن تعلن بنوك خاصة عن انسحابها من السوق السورية، خشية العقوبات.
وأضاف المفتش المالي، أن المصرف المركزي مسؤول عن تثبيت سعر صرف الليرة، واستهدافه بالعقوبات سيؤدي إلى خلل كبير، وهذا ما سيدفع بالليرة إلى مزيد من الانهيار.
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد أعلنت، الأسبوع الماضي، عن إدراج مصرف سوريا المركزي في لائحة عقوبات "قيصر"، وهي الخطوة التي وصفت بـ"الضربة الأقسى" لاقتصاد النظام السوري.
ومتفقا مع محمد، توقع الدكتور يحيى السيد عمر أن تسجل الليرة في العام الجديد مزيدا من التدهور، لا سيما أن العقوبات الأخيرة لم يظهر تأثيرها حتى الآن بشكل واضح، مضيفا: "من المتوقع استمرار التدهور وبلوغ الليرة مستويات قياسية جديدة".
واستدرك "من الجدير بالذكر أن أزمة الليرة جزء منها سياسي، لذلك فأي انفراج سياسي من شأنه الانعكاس إيجابا على الليرة"، منهيا بقوله: "إلا أن هذا الأمر مستبعد في المدى المنظور".
والحال أن زيادة خسائر الليرة ستؤدي إلى زيادة نسبة الفقر، وامتداد الطوابير على المواد الأساسية والمشتقات النفطية.
يذكر أن الدولار الأمريكي الواحد كان بحدود الـ50 ليرة سورية قبل اندلاع الثورة السورية في العام 2011.