مع وداع العالم للعام
2020، واستقباله العام الجديد 2021، ينظر الجميع إلى ما قد يحمله العام الجديد
للمنطقة العربية، وما يستدعيه معه من
أزمات العام المنتهي.
وشهدت المنطقة العربية
في 2020، أوضاعا سياسية واقتصادية وأمنية صعبة في مصر، ومواجهات عسكرية باليمن،
وتوترا في ليبيا، وغموضا بالأوضاع في سوريا، فيما تفاقمت الأزمة الفلسطينية؛ فلا حلول
على مستوى المصالحة الداخلية أو على مستوى القضية، في مقابل هرولة عربية نحو
التطبيع مع إسرائيل.
وفي الوقت الذي ساد
فيه الانقسام في الرؤى والمواقف والأزمات بين حكام العالم العربي، ظهرت بوادر
مصالحة خليجية نهاية 2020؛ لكن استمر أيضا خفوت صوت الشعوب العربية، وسطوة الحكام،
والتعامل الأمني مع المعارضين، وغياب أدوار المعارضة، وضعف الرقابة، وخضوع
البرلمانات، وانبطاح الصحافة.
"التغيير سنة الكون"
وفي توقعه لمدى
استمرار تلك الأوضاع في 2021، يعتقد الخبير بالتحليل المعلوماتي وقياس الرأي
العام، الباحث مصطفى خضري، أن "يأتي ٢٠٢١، والسيسي بأضعف حالاته، حيث فقد
مقومات بقائه عند داعميه، واحترقت أوراقه الداخلية، التي استخدمها لاستقطاب بعض
قطاعات المجتمع كالأقباط والتيارات المعادية للإسلام السياسي، وباتت الأزمة
الاقتصادية المحرك الرئيسي لشعور المصريين تجاهه".
وفي أزمة اليمن، قال
رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام " تكامل مصر"
لـ"عربي21": "لم تكن حرب اليمن نزهة للأطراف المنخرطة فيها، بل
كانت خطأ استراتيجيا بدأ الجميع بدفع ثمنه، وأتوقع أن تحاول السعودية -المشارك
الأكبر بالحرب- الخروج من هذا المستنقع قريبا".
وحول التطبيع العربي،
-أكد خضري، أنه "بالنظر لتطبيع بعض الأنظمة مع الكيان الصهيوني؛ نجده يأتي
برد فعل عكسي على الشعوب، فتزداد حالة العداء لأنظمتهم وللكيان الصهيوني، وأعتقد أن
نظام الإمارات -عراب التطبيع- سيحاول شراء عقود تطبيع بعض الدول مثل موريتانيا
وجيبوتي، وربما يستطيع استقطاب السعودية".
وفي الأزمة الخليجية،
توقع خضري، نهايتها قريبا، مؤكدا أن "المقاطعة الخليجية ولدت ميتة، خاصة مع
تحالف قطر وتركيا وإنشاء قاعدة عسكرية لأنقرة بالدوحة"، موضحا أن "قطر
لا تحتاج الدول الخليجية، ولكن تلك الدول بحاجة لإصلاح علاقاتها بقطر نظير احتياجهم
للغاز القطري، ولتجنب التأثير السلبي لإعلام الدوحة على مصالحهم".
وبشأن قضية فلسطين،
توقع، أن "يحدث انقلاب بمنظمة التحرير الفلسطينية مع زيادة فرص عودة محمد
دحلان للصورة". وحول علاقة حماس وفتح؛ توقع "نقل حماس للصراع من غزة
للضفة، فغزة الآن بقبضة حماس بلا منازع، والضفة هدفها القادم".
وبشأن انقسام حكام
العرب في الرؤى والمواقف، قال الباحث مصطفى خضري: "الاختلاف سنة الكون ولن
تنتهي حالة الانقسام؛ إلا بتوحيد الأمة تحت قيادة واحدة وهو خيار بعيد نسبيا، وإن
كان غير مستحيل".
وبشأن خفوت صوت الشعوب
وسطوة الحكام، يعتقد خضري، أنه "لا يوجد حال دائم، فالتغيير سنة الكون ومرت
على الأمة الإسلامية فترات أحلك من اليوم ثم انتهت وتبدلت الأحوال، وأرى أنها الآن
بحالة مخاض، ربما ينتهي برجوعها لحجمها الحقيقي بالنظام العالمي خلال عقدين".
"حسب حجم التبعية"
وفي رؤيته، قال الباحث
المصري المتخصص بالتربية السياسية يحيى سعد، لـ"عربي21": "
السياسة
في منطقتنا ترتبط بتغيرات الساحة الدولية، وخاصة أمريكا؛ هذا الارتباط ليس بسيطا
وهامشيا، لكنه عضوي، نظرا لحالة تبعية الأنظمة العربية".
وتوقع أن يحمل 2021،
رياح تغيير بالتوجهات السياسية العالمية المرتبطة بالشرق الأوسط؛ خاصة بأفول نجم
ترامب، وعودة الديمقراطيين للبيت الأبيض، مشيرا إلى "الصحوة المتأخرة لضمير
الاتحاد الأوروبي تجاه بعض الأنظمة المستبدة كنظام السيسي، وخاصة بتصعيد إيطاليا
لملف قتل جوليو ريجيني".
على صعيد الأوضاع
بمصر، يعتقد سعد، أن "كبحا نسبيا متوقعا قد يكف يد السيسي عن التمادي بقهر
المعارضين والعبث بالحقوق والحريات؛ ربما ينعكس اقتصاديا بتزعزع ثقة المؤسسات
النقدية مانحة القروض بما يزيد تأزم أوضاع المصريين المعيشية".
وأكد أن "تلك
الاحتمالات تشجع الحراك الشعبي للتنامي ضد استبداد السيسي، وإهداره الحريات
والحقوق"، مضيفا: "ويدعم ذلك السيناريو فقدان مصر دورها المحوري المعزز
لمكانتها لدى الإدارة الأمريكية، ببروز وكلاء جدد ورثوا دورها بدخولهم خط التطبيع سرا وجهرا، كالإمارات
والسعودية والسودان والمغرب".
وفي الملف الفلسطيني،
قال الباحث السياسي: "2021، يأتي بالتزامن مع تواري صفقة القرن التي سعى لها
ترامب عبر عرابها صهره جاريد كوشنر، مما قد يرجح عودة الحديث عن حل
الدولتين"، متوقعا أن "تتحلحل الأزمة الخليجية تلقائيا باختفاء صانعها
الأساسي ترامب، وبعد ثبوت عدم جدواها".
وحول الملفين الليبي والسوري، توقع سعد "عدم تدهور الأوضاع للأسوأ مع تصاعد الدور التركي وتحقيقه
نجاحات متكررة، مما يعيد بدوره توازن القوى بين الأطراف المتصارعة، ويكبل يد بعض
الأنظمة العربية الساعية لتوظيف تلك الأزمات لصالح أجنداتها".
"توقعات محزنة"
وفي رؤيته، أعرب
الأكاديمي المصري الدكتور ممدوح المنير، عن أسفه لأن "معطيات الواقع لا تشير
لتغيير الأوضاع للأحسن بالملف المصري"، وقال إن "السيسي يظل الخيار
الاستراتيجي لتحالف واشنطن- تل أبيب، رغم تغير الإدارة الأمريكية، فما تريده
واشنطن من القاهرة هو أمن إسرائيل، وتأمين قناة السويس، وأمن البحر الأحمر لعبور
النفط".
مدير المعهد الدولي
للعلوم السياسية والاستراتيجية بإسطنبول، أضاف لـ"عربي21": "فضلا
عن استخدام الأجواء المصرية للطيران الحربي الأمريكي الذي تقدره دراسة للناتو بـ٢٠١٧ بنحو ٢٠٠٠ عبور سنويا، وأخيرا
الحرب على ما يسمى الإرهاب، وهو في الحقيقة بهدف إخضاع الشعب المصري ودول الربيع
العربي".
ومن ثَمّ، يعتقد أن
"تظل أوضاع مصر كما هي، وتتجه للأسوأ اقتصاديا وأمنيا لغياب مقومات التنمية
والإصلاح السياسي والاقتصادي"، مشيرا إلى أن "عنصر التغيير الوحيد
المتوقع هو حقوق الإنسان؛ فالديمقراطيون يصدرون هذا الملف لإعطاء طابع إنساني
وأخلاقي لواشنطن، دون تأثر مصالحهم الاستراتيجية وحلفائهم؛ فقط إزعاج محسوب
لهم".
ويتوقع المنير أن
تستمر ملفات ليبيا واليمن وسوريا كما هي؛ لتأثير القوى الخارجية المتحكمة على
الأرض، وفي القوى السياسية والعسكرية المحلية، ولا يملك طرف منها حسم المعركة؛
وربما يكون الملف الليبي الأكثر تقدما؛ لأن واشنطن وحلف الأطلسي يريدان حسمه لمنع
تثبيت أقدام موسكو".
ويعتقد أن
"اليمن؛ دجاجة تبيض ذهبا لمصانع السلاح الأمريكي؛ فلا مانع من أن تظل
الأزمة"، موضحا أنه "في سوريا؛ القوات الفاعلة على الأرض لا يمكنها حسم
الصراع دون تبعات جسيمة مستقبلا".
وعن فلسطين، يرى المنير،
أنها "معركة الضمير والدين؛ الحكام العرب ثبت فشلهم"، متوقعا
"استمرار موجة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وخصوصا الحكومات التي استطاعت تدجين
شعوبها".
وحول واقع الشعوب
العربية، قال الأكاديمي المصري؛ إنها "تختزن مرارات حكامها وفسادهم واستبدادهم
وخياناتهم؛ وسيزيد في 2021، امتلاء خزّان الغضب الداخلي حتى انفجاره"، خاتما
بقوله: "قد تبدو توقعاتي محزنة؛ إلا أنها نذير باقتراب انفجار بركان الغضب الشعبي
بموجة ثانية للربيع العربي، وانحسار الثورة المضادة".