هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بعد طول انتظار، تسرّبت مسودة مشروع القانون العضوي للانتخابات إلى وسائل الإعلام، وحملت في طياتها العديد من التعديلات التي تغير من جوهر النظام الانتخابي، وتتكيف مع مواد الدستور الجديد.
وجاء مشروع القانون الجديد الذي تضمن 300 مادة منها 50 جديدة، متخما بالتفاصيل التقنية التي تنظم العملية من بدايتها إلى نهايتها في كل من الانتخابات التشريعية والانتخابات البلدية والولائية وانتخابات تجديد مجلس الأمة والاستفتاءات.
وأعطى مشروع القانون، للسلطة الوطنية للانتخابات التي نصّ عليها الدستور، صلاحية الإشراف على العملية الانتخابية ومراقبتها وإعلان النتائج دون تدخل من الإدارة.
لكن الذي أعابته أحزاب سياسية على هذه السلطة، أن مسؤوليها لا يأتون بالانتخاب، بل يتم تعيينهم من قبل رئيس الجمهورية، وفق ما ورد في الدستور الجديد، ما يفقدها حسبهم، استقلاليتها المطلوبة.
شروط الترشح وإعداد القوائم
وفي أبرز ما حمله مشروع القانون الجديد، تم التخلي عن نمط الاقتراع الذي يعتمد على القائمة النسبية المغلقة، كما أُلغيت حصة المرأة الثابتة في المقاعد المقدرة بـ30 بالمائة في القانون الساري المفعول حاليا لصالح نظام آخر.
واعتمد مشروع القانون الجديد، نظام الاقتراع النسبي بالقائمة المفتوحة، الذي يمزج بين التصويت على القائمة والأشخاص في نفس الوقت، عكس القانون الحالي الذي يتيح فقط التصويت على القوائم.
وأبقى مشروع القانون على نسبة 5 بالمائة من الأصوات الواجب بلوغها من كل قائمة انتخابية حتى يتاح لها الدخول في عملية توزيع المقاعد، كما اشترط على كل حزب نسبة 4 بالمائة من الأصوات في الانتخابات السابقة حتى يسمح له بالمشاركة.
اقرأ أيضا: ترقب لقانون انتخابات الجزائر.. هل سينهي عهد التزوير والفساد؟
ويمكن للناخب وفق مشروع القانون الجديد، أن يختار القائمة التي يرغب في التصويت عليها سواء في الانتخابات المحلية أو التشريعية، ثم اختيار مرشحين بعينهم داخل نفس القائمة.
وفي السابق، كانت القائمة تعدّ من قبل الحزب السياسي الذي يرتب أعضاءها من الأعلى إلى الأسفل، ثم يختار منها عدد المقاعد وفق ما نالته من أصوات.
ويرمي هذا التعديل إلى تفادي ظاهرة شراء رجال الأعمال لرؤوس القوائم ما يُتيح لهم مضاعفة حظوظهم في الفوز بمقعد في البرلمان وبالتالي التمتع بالحصانة البرلمانية.
ويوجب مشروع القانون، على كل قائمة متقدمة للانتخابات أن تراعي مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، وأن تخصص على الأقل ثلث الترشيحات للشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة تحت طائلة عدم قبول القائمة.
ولم يضع القانون قيودا كثيرة أمام الترشح لمختلف المجالس الوطنية أو المحلية، لكنه تشدد في شروط عضوية مجلس الأمة الذي يعادل مجلس الشيوخ في باقي الأنظمة، حيث طلب ضرورة حصول المترشح على شهادة جامعية.
ولم تخرج الضوابط الموضوعة لتنشيط الحملة الانتخابية عن المألوف، فقد تم منع استعمال اللغات الأجنبية وحظر تلقي هبة من أي دولة أجنبية أو أي شخص طبيعي أو معنوي من جنسية أجنبية.
كما لا يمكن أن تتجاوز نفقات المترشح للانتخابات الرئاسية، وفق مشروع القانون مائة مليون دينار جزائري في الدور الأول، ما يعادل 700 ألف دولار.
وبالنسبة للناخب، وضع مشروع القانون مجموعة شروط للتسجيل في القوائم الانتخابية، أبرزها ألا يكون الشخص قد سلك سلوكا مضادا لمصالح الوطن أثناء ثورة التحرير الوطني، أو حكم عليه في جناية ولم يردّ اعتباره.
انتقادات لنظام الحصص
ولا يزال النص المقترح، مجرّد مسودة قابلة للتعديل، حيث ستسلم منها نسخ إلى الأحزاب السياسية من أجل إثرائها، والوصول إلى الصيغة النهائية التي سيتم تمريرها على البرلمان ومن ثم المصادقة عليها من قبل رئيس الجمهورية حتى تصبح سارية المفعول.
وفي تعليقه على مضمون النص، قال رابح لونيسي أستاذ العلوم السياسية الذي سبق له خوض غمار الانتخابات التشريعية، إن هناك العديد من النقاط التي تستحق التعديل.
وأوضح لونيسي في تصريح لـ"عربي21"، أن تخصيص نصف أعضاء القائمة للنساء، سيتسبب في إعاقة الكثيرين عن تشكيل قوائم سواء الأحزاب أو الأحرار بحكم صعوبة إيجاد نساء يقبلن الترشح بسبب سيطرة الذهنية المحافظة في المجتمع، خاصة في الجزائر العميقة بل حتى في المدن.
اقرأ أيضا: الدستور الجزائري الجديد يدخل حيز التنفيذ بعد تصديق تبون عليه
واستغرب لونيسي، اشتراط تعيين ثلث القائمة من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة، فإذا كان -حسبه- نصف القائمة من النساء وثلثها من هذه الفئة من الشباب، فهذا يعني إقصاء الكثير من الرجال الذين تفوق أعمارهم 35 سنة، ما يطرح إشكال الإخلال بمبدأ المساواة في الترشح.
ويرى أستاذ العلوم السياسية، أنه يجب توضيح هذه الحصص في القوائم المؤثرة سلبا على الترشيحات وعلى مختلف المجالس مستقبلا، على أن تكون الكفاءة واختيار الناخب هو الفيصل في ذلك دون إدخال اعتبارات أخرى كالسن والجنس وغيرها، حتى وإن كان تشجيع الشباب، حسبه، لدخول السياسة مهما.
نمط انتخابي جديد
من جانب آخر، يعتقد لونيسي أن النمط المعتمد في الاقتراع، الذي يمزج بين التصويت على القائمة والأشخاص، سيعقد عملية الانتخاب في مجتمع لا زال فيه بعض الناخبين لا يعرفون القراءة، كما أنه سيصعب من العملية الحسابية عند الفرز.
وتوقع لونيسي أن يؤدي هذا النمط الانتخابي، إلى غياب عمل الفريق والتآزر في الحملة الانتخابية مع إمكانية وقوع صراع ودعايات مضادة بين أعضاء نفس القائمة، خاصة إذا كانت للقائمة حظوظ كبيرة في الفوز.
ولتفادي هذه الإشكالات التي تقع داخل الأحزاب، هناك من يقترح تعديل النمط الانتخابي، بحيث يكون التصويت وفق نظام الاقتراع الفردي الذي كان سائدا في بداية التعددية السياسية في الجزائر.
ويعتقد أحمد بطاطاش، النائب البرلماني السابق، أن نظام الاقتراع النسبي، سيؤدي إلى استمرار هيمنة نفس الأحزاب التي ثبت فشلها وتورطها في الفساد، على المؤسسات المنتخبة.
وأوضح بطاطاش في حديث مع "عربي21"، أنه يقر أن نظام الانتخاب النسبي هو الأكثر عدلا، لكنه في اعتقاده غير صالح للحالة الجزائرية، على الأقل في الظرف الحالي الذي تشهد فيه الأحزاب ضعفا وتراجعا.
وأبرز النائب السابق أن نظام التصويت الفردي، قد يكون الأنسب في الفترة الحالية ويحقق الانتقال لاحقا إلى نظام الاقتراع النسبي بعد بروز أحزاب سياسية قادرة على إقناع المواطن.
ويقترح بطاطاش، ترك المواطن في البداية يختار بكل حرية من يمثله من المترشحين في المجالس المحلية والوطنية بغض النظر عن انتمائهم الحزبي، على أن يجتمع النواب والمنتخبون في كتل سياسية تسمح ببروز أحزاب جديدة لاحقا.