هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع شبكة "بي بي سي" البريطانية تقريرا لمحررها للشؤون الأمنية، فرانك غاردنر، حول إمكانية أن يقلب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، سياسة سلفه، دونالد ترامب، مع السعودية، والمتمثلة بـ"الشيك على بياض" لتصرفاتها، التي انضوت على انتهاكات حقوقية خطيرة في السنوات الأخيرة.
وبحسب التقرير، فقد وعد الفريق الجديد في البيت الأبيض بإعادة ضبط كامل للعلاقات الأمريكية السعودية، ليحتل فيها ملف حقوق الإنسان مكانة بارزة.
وكان بايدن قد أشار إلى أنه سيوقف الدعم العسكري الأمريكي للحملة التي تقودها السعودية في اليمن، وبالفعل علقت واشنطن، بعد أسبوع واحد فقط من توليه منصبه، مبيعات أسلحة بمليارات الدولارات للسعودية والإمارات، في ظل عملية مراجعة.
وتساءل التقرير؛ هل سيتغير أي شيء بالفعل على المدى الطويل؟ وهل سيكون لنوايا إدارة بايدن، التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، أدنى تأثير عملي على الانتهاكات الكثيرة لحقوق الإنسان في السعودية أو على حربها في اليمن المجاور؟
وبحسب "غاردنر"، فإن السعودية الشريك الأمني الأوثق للولايات المتحدة في المنطقة العربية، والحليف الاستراتيجي الحيوي في مواجهة توسع المليشيات التي تدعمها إيران في شتى أرجاء منطقة الشرق الأوسط، والعميل الرئيسي لمبيعات الأسلحة الأمريكية.
وكانت السعودية، وفقا لـ"معهد ستوكهولم لأبحاث السلام"، أكبر مستورد للأسلحة في العالم خلال الفترة بين 2015 و2019، وأسهمت الولايات المتحدة بالنصيب الأكبر من تلك المبيعات، واستعانت السعودية بأسلحة من دول غربية، من بينها بريطانيا، في عمليات قصف أهداف في اليمن.
ويقول أندرو سميث، من "حملة مكافحة تجارة الأسلحة" ومقرها بريطانيا، إن تغيير أي شيء "سيتطلب موقفا أقوى بكثير مما اتخذه بايدن عندما كان نائبا للرئيس خلال فترة إدارة (باراك) أوباما".
اقرأ أيضا: بلينكن: نراجع علاقاتنا بالرياض.. ماذا قال عن ابن سلمان؟
ويضيف: "بدأت كثير من مبيعات الأسلحة في عهد أوباما".
وفي ما يتعلق بملف حقوق الإنسان داخل المملكة، يتحدث مسؤولون سعوديون عن تراجع كبير مؤخرا في عمليات الإعدام، ويدرك فريق العمل المحيط بولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بوضوح مدى التأثير السلبي لقضايا حقوق الإنسان على صورة البلاد عالميا.
ويقول النائب البريطاني كريسبين بلانت: "محمد بن سلمان يتلقى نصائح متناقضة من المحيطين به، بيد أن هذا (التأكيد على حقوق الإنسان من جانب جو بايدن) يتيح فرصة أخرى تساعد البراغماتيين الذين ينصحونه بأن صورة السعودية العامة مهمة".
وبحسب التقرير، فقد شهدت السعودية، منذ صعود محمد بن سلمان إلى السلطة عام 2017، تناقضا غريبا، إذ قاد ولي العهد ما يوصف بثورة اجتماعية، ورفع الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارات، وسمح بالترفيه العام والاختلاط بين الجنسين، مع تراجع سلطة رجال الدين، وتشعر السعودية اليوم بأنها دولة طبيعية ومعتدلة أكثر بكثير مقارنة بما كانت عليه قبل خمس سنوات.
وعلى الرغم من ذلك أمر ولي العهد بشن حملة صارمة على حرية التعبير، وبعد أن كان باستطاعة السعوديين تقديم شكواهم عبر الإنترنت طالما أنهم لم يتظاهروا في الشارع، أصبحوا الآن غير قادرين على فعل ذلك أيضا، وألقت السلطات القبض على الآلاف وسُجنوا، مع اعتذار في حالات قليلة من ولي العهد، الذي يعتبر النقد السلمي والبنّاء عقبة تعترض سبيل خططه نحو التقدم.
وكانت أبرز حالات انتهاكات حقوق الإنسان التي جعلت محمد بن سلمان شخصا غير مرغوب فيه في الغرب، قضية اغتيال الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، وتقطيع أوصاله داخل القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول التركية عام 2018 (توجد تفاصيل جديدة قد تكشف عنها قريبا وكالة المخابرات المركزية الأمريكية)، واعتقال الناشطة في مجال حقوق المرأة، لجين الهذلول، وتعذيبها بحسب الادعاءات، فضلا عن الطبيعة التعسفية والغامضة لنظام القضاء السعودي، بحسب التقرير.
وقال دينيس روس، الدبلوماسي الأمريكي البارز الذي عمل لسنوات في منصب منسق وزارة الخارجية لسياسة الشرق الأوسط، لـ"بي بي سي": "ارتكبت إدارة ترامب خطأ كبيرا بعدم فرض ثمن (على علاقتها الوثيقة مع السعوديين). لكن كيف يمكن التوفيق بين ذلك ومصلحتنا الاستراتيجية؟".
اقرأ أيضا: معهد واشنطن: علاقات أمريكا بالسعودية تتعزز بخلاف ما يعتقد
وعلى الرغم من النوايا المعلنة من جانب إدارة بايدن، فستحث أصوات داخل وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية ووزارة الدفاع "البنتاغون" وفي لوبي الأسلحة الأمريكي القوي على اتباع نهج حذر تجاه السعوديين.
وإذا فقدت عائلة آل سعود الحاكمة، لأي سبب من الأسباب، السلطة، وهي داعمة للغرب على نطاق واسع، فثمة احتمال كبير أن يحل محلها نظام إسلامي متشدد غير متعاطف مع الغرب، وهو ما يعرفه دبلوماسيون أمثال دينيس روس.
ويقول روس: "لن يكون في استطاعتنا أن نملي على السعوديين ما يجب عليهم فعله.. سيحتاج الأمر إلى محادثة رفيعة المستوى على انفراد".
وتخلص "بي بي سي" إلى التأكيد على قدرة بايدن على خلق فارق بالمشهد الحقوقي في السعودية، لكن إلى أي مدى؟
سيعتمد ذلك، بحسب تقرير الشبكة البريطانية، على الطريقة التي يدفع بها البيت الأبيض هذه الأجندة، وما يراه كلا البلدين في النهاية أنه يصب في مصلحتهما.
وفي نفس الوقت، ترغب روسيا والصين في إبرام صفقات تجارية مع الرياض، ولا تطرحان أسئلة "محرجة" بشأن ملف حقوق الإنسان.
وبيد أن الولايات المتحدة تظل، في الوقت الراهن، الشريك الاستراتيجي الرئيسي للسعودية، ووفقا لما قاله أحد المطلعين في الديوان الملكي السعودي، فـ"ستسلط إدارة بايدن ضوءا أقوى بكثير على حقوق الإنسان مقارنة بالسابق، إنها على جدول الأعمال حاليا وسيتطلب الأمر أفعالا وليس أقوالا".