خلال الأسبوعين الماضيين، أبدى رئيس الوزراء
العراقي الأسبق، نوري
المالكي، رغبته بتولي رئاسة الحكومة المقبلة، بعد رفضه السابق الترشح للحصول على ولاية ثالثة، واعترافه عام 2015 بالفشل مع الطبقة السياسية في إدارة البلد.
وتأتي الرغبة الجديدة للمالكي زعيم "ائتلاف دولة القانون"، بالتزامن مع وصول
بايدن إلى السلطة، الذي تربطه علاقة شخصية وثيقة به، حينما كان نائبا للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.
"رهان خاسر"
من جهته، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي، أحمد المنصوري، في حديث لـ"
عربي21" أن "إعادة المالكي تسويق نفسه عبر وسائل الإعلام سببه الأول وصول بايدن إلى السلطة، والأمر الآخر هو رغبة غريمه التقليدي، التيار الصدري، بالحصول على رئاسة الحكومة المقبلة".
وأضاف أن "المالكي يعول على علاقته مع بايدن والحصول على دعم أمريكي قوي للوصول مرة أخرى إلى سدة الحكم، لأنه في الوقت ذاته لا فيتو عليه من إيران ومعسكرها في العراق، وكذلك القوى السنية والكردية التي تستطيع طهران التأثير عليها".
ولفت المنصوري إلى أن "المالكي لديه قبول لدى القوى الكردية، أما السنية فالأمر مرتبط فقط بالسياسيين المتصدرين للمشهد حاليا، ولا سيما تحالف القوى بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، فربما لا يعارضون عودته للسلطة، لكن بالنسبة للجمهور السني فالأمر مختلف تماما".
وأوضح الباحث أن "اسم المالكي بالنسبة للجمهور السني مرتبط بزجهم في السجون، واستهدف أبرز قادتهم وسياسة التهميش والإقصاء، وكذلك إسقاط مدنهم بيد تنظيم الدولة، وما جرّ عليهم بعدها من ويلات النزوح والتشريد واختطاف وتغييب الآلاف من أبنائهم، وسيطرة المليشيات على مدنهم".
لكن المنصوري رأى أن "المالكي رهان خاسر من إيران ومعسكرها في العراق، أمام رغبة التيار الصدري بالحصول على المنصب، كونه يحاول اقتناص هذه الفرصة، ويطرح نفسه شخصية أكثر اعتدالا من الصدريين الذين ارتبط اسمهم أيضا بسنوات الحرب الطائفية".
مع كل المعطيات، فإن الباحث يعتقد بصعوبة وصول المالكي للحكم مرة أخرى وربما مستحيل، لأنه من الوجوه التي أدارت المشهد في البلاد منذ 2003 وحتى اليوم، وكان جزءا رئيسا في كل النكبات والأزمات التي يعاني منها الشعب على مستوى الاقتصاد والخدمات والأمن والسياسة وغيرها.
"فرصه قوية"
وفي المقابل، قال المحلل السياسي وائل الركابي لـ"
عربي21"، إن "موقف المالكي لم يتغير في عدم رغبته بتسلم رئاسة الحكومة، لكنه يرى أنه عندما تستوجب المسؤولية ورغبة البعض في تصديه للمنصب، ففي هذه الظروف عليه عدم التردد في التصدي لهذه المسؤولية، وهذا يعد شعورا وطنيا".
وأضاف الركابي أنه "بعد عام 2018 حصل تلكؤ في عملية اختيار رئيس الوزراء والابتعاد عن العرف الدستوري المتعلق بالكتلة الأكبر التي يحق لها ترشيح الشخصية للمنصب، ما أدى إلى ضعف واضح في الحكومة، وبالتالي أوجد ذلك لدى العراقيين والكتل السياسية شيئا من المقارنة مع سنوات حكم المالكي".
وتابع: "لذلك يتوافد عليه (المالكي) بشكل مستمر سياسيون وشيوخ عشائر يسألونه التصدي لمنصب رئيس الحكومة المقبلة. وبالتأكيد أن صناديق الاقتراع هي من تحدد من يصل إلى هذا المنصب".
واستبعد الركابي رغبة المالكي بالحصول على ولاية ثالثة بموضوع وصول بايدن للسلطة، رغم أن الأخير أكثر هدوءا من ترامب، لكن المالكي لا يعول على رموز الإدارات الأمريكية، "لأنه عندما يرشح من منطلقات وثوابت وطنية، حتى مع مرور المنصب بتوافق بين إيران وأمريكا".
ورأى الركابي أن "المالكي يحظى بقبول واسع جدا بين الكتل السياسية والشارع العراقي التواق إلى شخصية تدير الدولة بحزم بعدما شاهد الضعف والخنوع في الحكومات المتعاقبة منذ عام 2014 وحتى الآن، وخاصة بعد عام 2018، بعد التزوير الذي حصل بالانتخابات".
وأشار إلى أن "المالكي يمكن تمريره بالتوافقات السياسية بين الكتل كشخصية معروفة، وهذا ما نشاهده من خلال تصريحات زعامات الكتل السنية والكردية وبعض الشيعية، أما على مستوى صناديق الاقتراع، فإن استطلاعات للرأي أظهرت تفوقه على كل الكتل الشيعية وحتى التيار الصدري".
وزاد الركابي، قائلا: "أما بخصوص التوافق بين أمريكا وإيران، فإنهم يرون فيه الشخص القوي الذي يستطيع إعادة العلاقات وينهي الأمور العالقة في المحيط الإقليمي، وكذلك ما يتعلق بالصراع بين طهران وواشنطن".
هيبة الدولة
وكان المالكي قد أكد خلال حوار مع قناة "السومرية" العراقية، الخميس الماضي، أنه على استعداد لتسلم رئاسة الحكومة المقبلة إذا طلبت القوى السياسية منه ذلك، وأن عدم التصدي للمنصب يعد "خيانة"، متعهدا بتخليص البلد من المجاميع المنفلتة وإعادة هيبة الدولة.
وأكد المالكي أنه تربطه علاقات قوية بالرئيس الأمريكي، جو بايدن، منذ كان نائبا لأوباما، ممتدحا الديمقراطيين كونهم يمكن التحاور معهم على العكس من الجمهوريين الذين يلجأون إلى الحروب.
وفي بيان سابق أصدره مكتبه في 20 كانون الثاني/ يناير الماضي، قال المالكي: "نشعر بألم كبير لفقدان هيبة الدولة وحالة الوهن والضعف الذي أصاب الدولة، ولا نريد الفوضى في العراق ونريد دولة قوية ذات قدرة على بسط الأمن وفرض القانون".
وأضاف أن "الانتخابات مسؤولية كبيرة ومحطة مهمة لأنها تمكننا من تصحيح مسار العمل الحكومي والبرلماني"، داعيا إلى "الاستعداد للمشاركة الواسعة في الانتخابات والتدقيق في المرشحين الذين تقدموا للترشح في الانتخابات واختيار من هو الأصلح".