هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
التغيير عبر الحوار مع النظام الحاكم هو الوحيد القادر على تلافي حدوث فوضى
التغيير عبر الحوار مع النظام ليس محتملا في ظل الأوضاع الراهنة
الجماعة الوطنية ليست في وضع يمكنها من تقديم بديل للنظام يكون آمنا وموثوقا به
المصالحة الخليجية لن تكتمل إلا بمشاركة تركيا فيها.. وقطر صمدت في فترة الحصار
الهجوم المصري على الجزيرة يعكس عدم رضا أوساط رسمية عن المصالحة الخليجية
علاقة مصر بالإدارة الأمريكية الجديدة ستتغير حتما لكنها لن تصل حد الصدام
دعا الأكاديمي المصري البارز وأستاذ العلوم السياسية بجامعة
القاهرة، الدكتور حسن نافعة، النظام الحالي في مصر إلى "فتح صفحة جديدة مع الجميع،
وطي صفحة الماضي، لأن خيار التغيير عبر الحوار مع النظام الحاكم هو الأفضل من حيث المحتوى،
والأسلم من حيث النتائج المتوقعة، ومن ثم فهذا المسار هو الوحيد القادر على تلافي حدوث
فوضى أو اضطرابات أو هبّات قد تخرج عن السيطرة".
إلا أن نافعة استبعد، في الحلقة الثانية والأخيرة من مقابلته
الخاصة مع "عربي21"، حدوث هذا النوع من التغيير الذي يتمناه، قائلا:
"هذا ليس محتملا في ظل الأوضاع الراهنة. فهو يتطلب أن يبدي النظام الحاكم استعداده
للحوار مع الرأي الآخر المختلف، حتى لو كان حوارا مشروطا ومقترنا بضوابط معينة، لكن
لا توجد مؤشرات تدل على إمكانية حدوث ذلك في المستقبل القريب أو المنظور".
وأشار نافعة إلى أن "علاقة مصر بالإدارة الأمريكية الجديدة
ستتغير حتما. فمن المتوقع أن تحتل قضية حقوق الإنسان مكانها كأحد محاور الخلاف الرئيسية
بين البلدين، لكن لا أتصور أن يصل الأمر إلى صدام مفتوح بينهما، وهذا سيتوقف على أي
حال على الطريقة التي ستتم بها معالجة بقية ملفات المنطقة".
وفي ما يلي نص الحلقة الثانية من المقابلة الخاصة:
هناك انتقادات متصاعدة في أوروبا لأوضاع حقوق الإنسان بمصر..
كيف تنظر لهذه الانتقادات في ضوء تطورات قضية ريجيني؟
احترام حقوق الإنسان لم يعد شأنا داخليا بحتا، خاصة منذ الحرب
العالمية الثانية. ففي ميثاق الأمم المتحدة نصوص كثيرة تلزم الدول بضرورة مراعاة وكفالة
احترام حقوق الإنسان. وهناك آليات دولية تعمل على تحقيق هذا الهدف، لكنها ما تزال آليات
ضعيفة وغير مؤثرة. وتحاول الدول الديمقراطية التي وصلت نظمها السياسية إلى درجة من
الرقي والنضج يكفلان احترام حقوق الإنسان فيها، الإيحاء بأن سياساتها الخارجية ترتكز
على فرض وكفالة احترام حقوق الإنسان في العالم.
غير أن الواقع يقول إن هذه الدول تسعى للدفاع عن مصالحها
في المقام الأول، حتى لو تعارضت مع حقوق الإنسان. ويجب أن نميز هنا بين موقف منظمات
المجتمع المدني في الدول الديمقراطية، وموقف الحكومات فيها. ففي أوروبا الغربية والولايات
المتحدة منظمات قوية تدافع فعلا عن حقوق الإنسان في العالم، ودورها مهم ومفيد، لكنه
دور أقل تأثيرا بكثير من دور الحكومات التي تسعى للدفاع عن مصالحها بأكثر مما تسعى
للدفاع عن حقوق الإنسان.
ويجب أن ننتبه هنا إلى أن قضية ريجيني مختلفة، فهي قضية لا
تتعلق بالدفاع عن حقوق الإنسان بقدر ما تتعلق بالدفاع عن حقوق مواطن أوروبي بالذات.
ولأن الدولة المصرية متهمة بالضلوع في قتل هذا المواطن. أظن أن قضية ريجيني ستظل تمارس
تأثيراتها لفترة ولن يكون من السهل احتواء تداعياتها بسهولة.
فأسرة ريجيني ومعها كل المنظمات الحقوقية الإيطالية تضغط
على حكومتها الإيطالية، والحكومة الإيطالية تضغط بدورها على حكومات الدول الأعضاء في
الاتحاد الأوروبي، وهو ما أدى وسيؤدي أكثر في المستقبل إلى حشر الحكومة المصرية في
زاوية. لكن أظن أن المصالح ستتغلب في النهاية، ولكن ربما بعد أن تسقط كباش كثيرة على
الطريق.
البعض يدعو لضرورة إحداث شراكة بين العسكريين والمدنيين في
الحكم، وذلك لكي يحدث انتقال
سلس وتدريجي للسلطة.. فكيف تنظر لإمكانية الشراكة بين العسكريين والمدنيين؟
القضية لا تتعلق بالشراكة بين العسكريين والمدنيين، وإنما
تتعلق بضرورة ضبط العلاقة بين مختلف مؤسسات ومكونات الدولة. فالمؤسسة العسكرية لها
دور مهم جدا، شأنها شأن بقية المؤسسات الدولية: الدينية والأمنية والقضائية والتعليمية
وغيرها. ويجب على كل من هذه المؤسسات أن تقوم بالدور الذي خُلقت له في إطار الهدف الأسمى
الذي نسعى إليه جميعا، وهو إقامة دولة مدنية ديمقراطية ترتكز على مبدأي المواطنة وحكم
القانون.
وفي تقديري أن الدولة المصرية تعاني حاليا من خلل مزدوج:
فهناك خلل بين المؤسسات الدينية والمدنية يستوجب ضبط العلاقة بينهما وفقا لقاعدة أن
الدين لله والوطن للجميع، وبالتالي فليس من حق أحد احتكار الحديث باسم الدين لنفسه
أو توزيع صكوك الغفران والثواب أو العقاب على المواطنين؛ فالله وحده هو الذي يحق له
محاسبة الناس أجمعين على أعمالهم.
لكن هناك خلل آخر بين المؤسسات العسكرية والمدنية يستوجب
ضبط العلاقة بينهما أيضا. فمهمة المؤسسات العسكرية والأمنية تنحصر في حماية أمن الوطن
والمواطن من أي تهديدات داخلية أو خارجية، وليس ممارسة الحكم أو توزيع صكوك الوطنية
والانتماء. فالوطن للجميع، ومن ثم فكل المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، ويجب
أن يُثاب كل مواطن أو يُعاقب وفقا للقانون وليس وفقا للأمزجة الشخصية لفئة أو شريحة
اجتماعية بعينها.
بعبارة أخرى، فإن ضبط العلاقة بين المؤسسات الدينية والعسكرية،
من ناحية، وبين المؤسسات المدنية، من ناحية أخرى، يجب أن يتم بالتوازي وفي نفس الوقت،
ومن خلال صيغة واحدة تضمن التأسيس لدولة المواطنة وحكم القانون.
هل الجماعة الوطنية المصرية جاهزة الآن لتقديم بديل للنظام
آمن وموثوق به ومُقنع للشعب وللمجتمع الدولي؟
الجماعة الوطنية في تقديري ليست في وضع يمكنها الآن من تقديم
بديل للنظام يكون آمنا وموثوقا به. فهذا البديل لا يتأتى إلا بتوافر شرطين: وجود معارضة
قوية تكون فصائلها قادرة على نقد الذات واستخلاص الدروس من أخطائها السابقة، وتوافر
مناخ من الحرية يسمح لهذه الفصائل بإجراء حوار وطني فيما بينها أولا ثم فيما بينها
وبين النظام الحاكم، بهدف التوصل إلى صيغة لإدارة شؤون الدولة والمجتمع لا تكون مقبولة
فقط لجميع أطراف وفصائل المعارضة الوطنية والنظام الحاكم، وإنما تكون أيضا جاذبة ومقنعة
لما يسمى "الأغلبية الصامتة" بحيث يرى فيها القطاع غير المسيس أو المؤدلج
بديلا حقيقيا للنظام الحاكم. هذان الشرطان لا يتوافران حاليا في الواقع المصري المعاش.
ما فرص حدوث تغيير عبر الحوار مع النظام القائم لمنع حدوث
فوضى أو اضطرابات كبيرة كما يرى البعض؟
هذا ما أتمناه فعلا. فالتغيير الذي قد يتم عبر الحوار مع
النظام الحاكم هو الأفضل من حيث المحتوى والأسلم من حيث النتائج المتوقعة، ومن ثم فهو
الوحيد القادر على تلافي حدوث فوضى أو هبّات قد تخرج عن السيطرة. غير أن هذا التغيير
المأمول ليس محتملا في ظل الأوضاع الراهنة. فهو يتطلب أولا أن يبدي النظام الحاكم استعداده
للتفاوض مع الرأي الآخر المختلف، حتى لو كان تفاوضا مشروطا ومقترنا بضوابط معينة.
وهذا الخيار يتطلب من المعارضة أيضا أن تكون على درجة من
النضج والمرونة في الوقت نفسه بما يمكنها من انتهاز الفرصة التي قد يتيحها استعداد
النظام للحوار، وبالتالي تفادى تأثير المزايدات المتوقع حدوثها من جانب هذا الطرف أو
ذاك، خاصة من جانب الفصائل المتشنجة أو شديدة التطرف. غير أنه لا توجد في تقديري مؤشرات
تدل على إمكانية توافر هذين الشرطين في المستقبل القريب أو المنظور، خاصة من جانب النظام
الحاكم.
هل المصالحة الخليجية سيكون لها أي انعكاس على الأوضاع بمصر؟
المصالحة التي تمت حتى الآن ليست خليجية بالكامل وليست شاملة
لكل الأطراف التي قاطعت قطر أو فرضت عليها الحصار. لذا فهي أقرب ما تكون إلى مصالحة
سعودية قطرية منها إلى مصالحة خليجية أو شاملة لكل أطراف المقاطعة. صحيح أنها أدت إلى
تحسن في العلاقات بين قطر وكل من مصر والإمارات والبحرين، لكنه تحسن طفيف، وتم بدافع
الرغبة في التأقلم مع إدارة أمريكية جديدة لم تتضح سياستها الخارجية بالكامل بعد.
لذا، من السابق لأوانه القول بأن المصالحة بين الأطراف المتصارعة
تمت فعلا، وهي لن تكتمل في تقديري إلا بمشاركة ومباركة تركيا أيضا، وبالتالي لن تظهر
آثارها كاملة إلا بعد أن تتضح مدى فعالية الإدارة الأمريكية الجديدة في التعامل مع
قضايا الشرق الأوسط. فإذا نجحت في وقف الحرب في اليمن وفي العودة إلى الاتفاق النووي
مع إيران فستخلق أجواء إيجابية يمكن أن تنعكس على المنطقة كلها. فجميع قضايا منطقة
الشرق الأوسط مترابطة.
هناك جدل داخل البرلمان المصري بشأن الموقف من المصالحة مع
قطر، حيث شنّ برلمانيون هجوما على قناة الجزيرة متسائلين: ماذا قدمت قطر لمصر؟
.. ما تعقيبكم؟
كل الدلائل تشير إلى أن قطر صمدت في فترة الحصار، ونجحت في
النهاية في احتواء آثاره السلبية، ومن ثم في حمل الأطراف المحاصرة لها على تغيير موقفها.
قطر لم تغير موقفها وأجبرت الأطراف الأخرى، خاصة السعودية، على فك الحصار دون أن تقدم
أي تنازلات سوى الالتزام بسحب الدعاوى التي كانت قد رفعتها أمام المحاكم الدولية للمطالبة
بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بها بسبب الحصار.
أما في ما يتعلق بالهجوم على قناة الجزيرة من جانب الإعلام
المصري فهو يعكس في تقديري عدم رضا بعض الأوساط الرسمية عن الصفقة التي أبرمت مع السعودية،
ولأن هذه الأوساط لا تستطيع مهاجمة السعودية أو حتى مهاجمة دولة قطر بعد إجراء المصالحة
السعودية القطرية، فقد كان من الطبيعي أن تصب أجهزة الإعلام المصرية، وهي أجهزة غير
مستقلة وتابعة لتوجيهات الأجهزة الأمنية، جام غضبها على قناة الجزيرة التي يُنظر إليها
في مصر على أنها العدو الرئيسي والمتحدث الرسمي باسم دولة قطر، كما يعتقد في مصر على
نطاق واسع أن التأثير الحقيقي لدولة قطر على الصعيد الخارجي يُمارس من خلال قناة الجزيرة،
وأن قطر بدون الجزيرة لا تساوي شيئا كثيرا.
هل يمكن للإدارة الأمريكية الجديدة أن تساهم في تسوية الصراعات
المشتعلة بالمنطقة أم لا؟
الإدارة الأمريكية الجديدة لا تستطيع وحدها أن تحل كافة الصراعات
المشتعلة في المنطقة، لأنها ببساطة لا تستطيع أن تحل محل الأطراف المحلية أو تتحدث
باسم القوى الدولية الأخرى؛ فهي إدارة تمثل دولة لها مصالح في المنطقة ومهمتها الأساسية
هي الدفاع عن هذه المصالح.
صحيح أن رؤية هذه الإدارة للمصالح الأمريكية في المنطقة تختلف
عن رؤية إدارة ترامب، ومن ثم فسوف يكون هناك تغيير في السياسة الخارجية الأمريكية مقارنة
بما كانت عليه هذه السياسة في عهد ترامب، لكن هذا التغيير سيكون محصلة لتوازن القوى
المتنافسة داخل المنطقة وخارجها.
وهناك فرق كبير بين الإسهام في تسوية الصراعات والقدرة المنفردة
على تسوية تلك الصراعات. فمن المؤكد أن الإدارة الأمريكية الجديدة تستطيع أن تسهم في
تسوية هذه الصراعات، لكن قدرتها على التسوية الفعلية لهذه الصراعات تتوقف على مدى تعاون
الأطراف الإقليمية والدولية.
هل ستشهد السياسة الخارجية في عهد بايدن تغييرا كبيرا خاصة
بالنسبة لمصر والشرق الأوسط؟
ستشهد السياسة الخارجية الأمريكية في عهد بايدن تغييرا كبيرا
بالمقارنة مع ما كانت عليه هذه السياسة في عهد ترامب، وقد رأينا بالفعل بعض مظاهر هذا
التغير في عودة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ وإلى منظمة الصحة العالمية
والتغير الذي طرأ على نهج الإدارة الحالية في التعامل مع الملف النووي الإيراني، واعتماد
الوسائل الدبلوماسية بدلا من سياسة العقوبات القصوى.
وفي تقديري أن إعادة ترتيب الأوراق مع الحلفاء الغربيين سيحتل
المرتبة الأولى على جدول أعمال سياسة بايدن الخارجية كي تصبح الولايات المتحدة في وضع
يمكنها من ممارسة تأثير أكبر على كل من الصين وروسيا.
أما بالنسبة للسياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الوسط فالعلاقة
مع مصر أو حتى مع إسرائيل أو السعودية لن تكون لها أولوية على جدول الأعمال، وإنما
ستكون الأولوية للعلاقة مع إيران بهدف احتواء طموحاتها النووية. ولذلك، فبقدر ما تتمكن
الولايات المتحدة من تحقيق اختراق على صعيد العلاقة مع إيران، بقدر ما ستتمكن من تحقيق
إنجازات على صعيد الملفات الأخرى وليس العكس.
أما بالنسبة للعلاقة مع مصر، فمن المؤكد أنها ستتغير حتما.
فمن المعروف أنه لا توجد علاقة شخصية قوية قائمة على الإعجاب المتبادل بين بايدن والسيسي
مثلما كان عليه الحال بين ترامب والسيسي، ولذلك يُتوقع أن تحتل قضية حقوق الإنسان مكانها
كأحد محاور الخلاف الرئيسية بين البلدين. لكن لا أتصور أن يصل الأمر إلى صدام مفتوح
بينهما، وهذا سيتوقف على أي حال على الطريقة التي ستتم بها معالجة بقية ملفات المنطقة.
بعض قوى المعارضة المصرية دعت إدارة بايدن لفتح حوار معها..
فكيف تنظر لتلك الخطوة؟
أرفضها بشدة. فأنا شخصيا لا أحبذ أي حوار بين أي فصيل معارض،
باعتباره كذلك، وبين أية دولة أو قوة خارجية، سواء كانت الولايات المتحدة أو غيرها،
وأرفض مثل هذا التوجه بالمطلق. فقوة أي فصيل معارض تستمد من حجم شعبيته ومن قدرته على
التأثير في الداخل وليس في الخارج. وعلى كل فصيل معارض أن يتوجه بخطابه للداخل وليس
للخارج.
لكن هذا لا يمنع من أن تكون هناك اتصالات مع الأطراف الخارجية
لتوضيح مواقف أو لتقديم مطالب بعينها، كالدفاع عن قضايا حقوق الإنسان مثلا، لكن هذه
الاتصالات يجب أن تكون علنية، وأن تتم في وضح النهار وليس في الغرف المغلقة، وأن تتسم
بشفافية كاملة حتى لا يساء تفسيرها.
هل تستشرف قرب حدوث التغيير في مصر تحديدا، أم أن الأوضاع
لا زالت بحاجة لسنوات أخرى طويلة كي تتحسن أحوال البلاد؟
قد تسوء الأمور كثيرا قبل أن تبدأ في التحسن، وأتمنى أن يفكر
النظام الحالي في مصر جديا في فتح صفحة جديدة مع الجميع، وطي صفحة الماضي، فهذا سيكون
لمصلحة مصر الدولة والمجتمع وحتى لمصلحة النظام الحاكم وسيجنبها مخاطر كثيرة ما تزال
تحدق بالوطن من كل اتجاه.
اقرأ أيضا: "عربي21" تحاور حسن نافعة في الذكرى العاشرة لثورة يناير