ملفات وتقارير

روايات توثق انتهاكات الاحتلال بحق العمال الفلسطينيين

تلاحق شرطة الاحتلال العمال الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة وتعتقلهم- الأناضول
تلاحق شرطة الاحتلال العمال الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة وتعتقلهم- الأناضول

تغيرت حياة الشاب الفلسطيني محمد نواصرة (21 عاما) بعد إصابته برصاص جنود الاحتلال قبل نحو سنة ونصف، أثناء توجهه لعمله في الأراضي المحتلة عام 1948.


وهذه حالة من مئات العمال الفلسطينيين، الذين يضطرون للتوجه إلى ما تسمى "الفتحات" بالجدار العازل أو الأسلاك الشائكة، التي تحيط بالمدن القريبة على الحدود الفاصلة بين الضفة والداخل المحتلة، وذلك بسبب امتناع الاحتلال عن منحهم تصاريح عمل.


وفي شهر تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2019، كان نواصرة متوجها للعمل في ساعات الفجر كعادته، وفجأة سمع صوت طلقة نارية، وشعر بشيء يحرق ساقه، لكنه أكمل المسير مسرعا مع عدد من العمال، وبعد لحظات قليلة سمع صوت طلقة أخرى، ووجد نفسه ملقى على الأرض، فإذا رصاصتان إحداهما في ساقه والثانية في ركبته في الرجل الأخرى.


ويروي نواصرة لـ"عربي21" ما حصل له، وهو ما زال على سرير العلاج، موضحا أن "إصابته سببت له عجزا دائما، ومنذ ذلك التاريخ لم يتمكن من العمل، بسبب عدم قدرته على الحركة".


وتابع: "جنود الاحتلال حين أطلقوا النار قرب مدينة طولكرم، لم يحذروا العمال ولم ينادوا عليهم، بل قاموا بإطلاق الرصاص بهدف الإصابة"، مشيرا إلى أنه "نظر إلى مكان الجنود بعد إصابته، فوجدهم مختبئين خلف جدار قريب".

 

اقرأ أيضا: وفاة عامل فلسطيني بنوبة قلبية على معبر للاحتلال بالضفة


بعد إصابته، تم نقله إلى المستشفى وتسليمه للجانب الفلسطيني، ومنذ ذلك الحين وهو يعاني من الإصابة التي ألزمته الفراش، مسببة له ضررا دائما في مفصل الركبة، فلم يعد للعمل أبدا، وأصبح يعتمد على عائلته.


وأوضح نواصرة أن الأطباء أبلغوه بأن ساقه قد لا تعود طبيعية، وأنه يجب أن يجري عملية جراحية غير مضمونة النتائج، لافتا إلى أنه عانى كثيرا في بداية الإصابة، واضطر لوضع جهاز خارجي.


ولكن في ظل كل ما مر به، لم يتلق نواصرة، ورغم حرمانه من العمل، أي مساعدة من الجهات الفلسطينية المسؤولة عن حقوق العمال.


وأضاف: "حاولت التسجيل لاستلام راتب شهري كجريح فلسطيني، لكنهم لم يعتبروا أنني جريح! بل قالوا إن توجهي للعمل دون تصريح وإصابتي هو أشبه بالإصابة في شجار".


واقع قاس


ما مر به نواصرة ينطبق على آلاف العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية، الذين يرفض الاحتلال استصدار تصاريح أمنية لهم للعمل داخل الأراضي المحتلة، فيضطرون لدخولها بعيدا عن الحواجز العسكرية وأعين الجنود.


ولا تنتهي المعاناة عند هذا الحد، بل يتعرض العمال للملاحقة من قبل شرطة الاحتلال داخل الأراضي المحتلة، ويتم اعتقالهم وسجنهم؛ بتهمة الدخول دون تصريح، حتى أن أماكن العمل تتعرض للمداهمة والتفتيش بحثا عنهم.


ولكن حتى العمال الذين يمتلكون التصاريح اللازمة ليسوا بعيدين عن هذه المعاناة؛ حيث يجبرهم الاحتلال على الانتظار على الحواجز العسكرية والمعابر لساعات طويلة منذ ساعات الفجر؛ ما يتسبب لهم بضغوطات كبيرة أسفرت في مرات عديدة إلى وفاة بعضهم إثر نوبات قلبية.


وعلاوة على ذلك، يتعمد أصحاب العمل من المستوطنين عدم اتخاذ إجراءات السلامة العامة للعمال الفلسطينيين؛ ما يرفع عدد الوفيات والإصابات في صفوفهم باستمرار.

 

اقرأ أيضا: "شباب ضد الاستيطان".. تجمع يتصدى للاحتلال بالخليل (شاهد)


ووفقا لجهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، فإن أكثر من 133 ألف فلسطيني يعملون داخل الأراضي المحتلة وفي المستوطنات المقامة في الضفة الغربية؛ بمعدل أجر يومي حوالي 254 شيكلا للعامل، أي أن هؤلاء العمال يتقاضون ما مجموعه نحو 10 مليون دولار يوميا.


عضو الأمانة العامة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، المحامي إبراهيم ذويب، قال لـ"عربي21" إن الفئة العمالية هي أكبر الفئات معاناة، بما يتصل بالعاملين في المشاريع الإسرائيلية منذ بداية انخراطهم بسوق العمل الإسرائيلي.


وأوضح أنه رغم أن العاملين في الضفة يعتقدون أن أولئك يأخذون امتيازات أفضل منهم، لكنهم في الحقيقة يتعرضون لمعاناة كبيرة على أيدي قوات الاحتلال وأيدي مشغليهم، سواء كان ذلك بالانتظار على المعابر من الصباح الباكر والانطلاق للعمل، وتحديدا العاملات على وجه الخصوص، اللواتي تعمل أعداد ليست قليلة منهن في المشاريع الزراعية والخدمات، ويتعرضن لمعاملة قاسية.


وأكد أن المشكلة في هذا الجانب أن هناك دورا مناطا بالسلطة التي لا تلتفت للأعداد الواسعة من العمال، الذين يضخون مبالغ طائلة للاقتصاد الوطني، ولكن لا يؤمن لهم أي وسائل راحة.


وأشار إلى أن القصور يتضح في أن العامل دوما هو الضحية، ويسعى لرزق أطفاله وقوته اليومي وتحسين ظروفه، لكن ما يمثل العمال من اتحادات ونقابات العاملين ومن يمثلون العمال هم مقصرون في التعاطي مع هذه الفئة من العمال، رغم أنهم على مدار السنوات الطويلة الماضية يجبون رسوما طائلة، التي هي جزء من رسم التنظيم النقابي.


وتابع: "يجب أن تستخدم هذه الأموال في مشاريع وخدمات تخدم قضايا العاملين في هذا القطاع؛ لأنها رسوم يجب أن تعود بالخدمة والمنفعة على العاملين، ونقاباتهم في هذا الجانب التقصير سيد الموقف؛ لأنها انحازت للسلطة، وأصبحت واجهات شكلية لا تمثل العمال".


وأكد أن دور تلك النقابات أصبح توعويا فقط، ولكن الأساس أنه حقوقي، عن طريق متابعة مشاكلهم، وضرورة تفعيل الشكل القانوني برفع دعاوى قانونية بأشكال متعددة ضمن محامين ومستشارين مختصين على دولة الاحتلال، وأمام منظمة العمل الدولية وسواها على الانتهاكات التي يتعرضون لها خلال ذهابهم للعمل، أو وجودهم في مناطق عملهم.


وقال ذويب إن العامل يتجه لسوق العمل الإسرائيلي؛ نتيجة "الجحيم"، وسوء الأوضاع، وعدم توفر فرص عمل بديلة في المشاريع المحلية، وغياب القوانين والحماية الاجتماعية للعمال؛ حيث لا تقوم السلطة بحماية العمال، ولا يوجد قانون عمل، ولا ضمان اجتماعي، ولا حماية للمرأة العاملة.


وتابع: "اتجاه العمال للعمل عبر البوابات والتهريب نتيجة الظروف العصيبة التي يمرون بها؛ فهم مضطرون لذلك"، مشددا على أن تنظيم سوق العمل الإسرائيلي لا يمكن أن يتحقق إلا عبر تنظيم واتصال مباشر مع المشغلين والاحتلال كونهم يعملون لديهم، وأن من دور السلطة العمل على تأمين مداخل محترمة منظمة عبر حواجز وتصاريح لائقة.


الدور الرسمي


وسط معاناة العمال هذه، خرجت أصوات مطالبة السلطة الفلسطينية بالاهتمام بملفهم؛ حيث يضطرون للعمل لدى الاحتلال؛ بسبب ارتفاع نسبة البطالة في الضفة وانخفاض الأجور.


ووفقا لاتحاد نقابات عمال فلسطين، فإن حصيلة الوفيات بين العمال الفلسطينيين داخل أراضي عام 1948 خلال عام 2020 بلغ 47 حالة وفاة، فيما تجاوزت الإصابات حاجز سبعة آلاف، نتيجة الإهمال من قبل المشغلين الإسرائيليين، ولعدم توفر وسائل الحماية للعمال، إضافة لعدم وجود رقابة على ورش العمل، مشيرا إلى ارتفاع نسبة الحوادث خلال فترة جائحة "كورونا".


المتحدث باسم وزارة العمل، رامي مهداوي، قال لـ"عربي21" إن الوزارة قامت بعدة خطوات لدعم العمال؛ منها إرسال رسالة لمنظمة العمل الدولية ضد الانتهاكات التي تقوم بها إسرائيل في الداخل، مبينا أنه تم رصد الانتهاكات في تقرير خاص.


وأوضح أن التقرير سيتم تقديمه من وزير العمل للجنة السنوية، التي يتم إرسالها من قبل منظمة العمل الدولية، لوضع الحقائق من الانتهاكات المختلفة، والمتمثلة بجائحة كورونا، وحقوقهم المختلفة المالية، والانتهاكات في الصحة والسلامة المهنية.


وأكد أن الحكومة ممثلة بوزارة العمل قامت بإنشاء مختبر قانوني من ذوي الخبرة في الداخل؛ لملاحقة الاحتلال على كافة الانتهاكات، وأهمها أنه يجب معاملة العامل الفلسطيني كما العامل الإسرائيلي، خاصة في ظل انتشار فيروس كورونا.


وأشار إلى أن الوزارة قامت بتشكيل لجنة من خلال كافة ممثلي النقابات والقطاع الخاص والمؤسسات الأهلية بالمجتمع الفلسطيني بالملاحقة القانونية للاحتلال؛ بحيث يجب عليه معاملة عمال فلسطين أسوة بمعاملة العمال الإسرائيليين، خاصة أن هناك انتهاكات مالية وانتهاكات لحقوق الإنسان.


وطالب مهداوي المجتمع الدولي، خاصة منظمة العمل الدولية، بأن تقف إلى جانب العمال الفلسطينيين، لافتا إلى أن وزارة العمل قامت من خلال الحكومة الفلسطينية بإنشاء محفظة مالية بمقدار عشرة مليون شيكل؛ لتشغيل النساء اللواتي يعملن في المستوطنات، بأن يعملن في سوق العمل الفلسطيني من خلال مشاريع صغيرة.

التعليقات (0)