"اعتقلوه
بطريقة استفزازية، ووضعوه في زنزانة انفرادية لمدة ستة أشهر وكأنه مجرم خطير، وكل ذنبه
أنه تضامن سلميا مع المعلمين الذين حلّت الحكومة مجلس نقابتهم وأغلقت مقراتها".
بهذه
الكلمات يصف المواطن الأردني زيد طبنجة الكناني ما جرى لولده "أحمد" (35
عاما) الذي اعتقلته السلطات الأردنية في آب/ أغسطس 2020، بعد يوم من مشاركته باعتصام
تضامني مع المعلمين بمحافظة إربد (شمال).
وقال
والد أحمد إن قوة أمنية اقتحمت منزل العائلة الكائن بمنطقة عرجان في العاصمة عمّان
الساعة الثالثة فجرا، بعد أن خلعت باب الشقة، وأحدثت فوضى عارمة في البيت، "وكان
كلّما ظهر أحد أبنائي أمامها أقدمت على ضربه دون مقدمات".
وأضاف:
"ما جرى تلك الليلة لا يمكن تصوره، ويثير العديد من التساؤلات المحيرة.. لقد كانت
ليلة محزنة، ووالله لو طلبت الأجهزة الأمنية مني عبر الهاتف تسليم ابني؛ لأوصلته إليها
وسلّمته معززا مكرما".
"انتهاكات"
واستهجن
الكناني محاكمة ابنه أمام محكمة أمن الدولة العسكرية، واحتجازه في زنزانة انفرادية،
وتعامل إدارة السجن معه على أنه مجرم وإرهابي خطير، معربا عن خشيته من أن يصاب
"أحمد" بحالة نفسية سيئة، أو أن تحدث لديه ردات فعل غير محمودة.
ولفت
إلى أن نجله يعاني من البرد القارس، حيث إن زنزانته تفتقر إلى أية وسيلة للتدفئة، مضيفا
أن أحمد أخبره بأنه يضطر إلى طلب زجاجة ماء ساخنة ليلا؛ كي تكسبه قليلا من الدفء فيتمكن
من النوم الذي يحرمه البرد منه.
وقال
الكناني إن "سلطات السجن ترفض إيصال أية أغراض نحضرها لأحمد، حتى لو كانت علبة
بسكويت، أو خبيزة تحضّرها له والدته"، مبينا أن الزيارة مسموحة أسبوعيا كل أحد
وثلاثاء وجمعة، بمعدل ربع ساعة للزيارة الواحدة، "نُمنع فيها من التواصل المباشر
مع أحمد".
وأشار
إلى أنه تقدم بشكوى لدى المركز الوطني لحقوق الإنسان (حكومي) بعد ثلاثة أشهر من وضع
نجله في زنزانة انفرادية، مسجلا في شكواه أنه مضرب عن الطعام لمدة 19 يوما، إلا أن
المركز لم يتجاوب مع شكواه ولم يقم بزيارة أحمد.
وطالب
بالإفراج الفوري عن أحمد، وتعويضه بما يمكن أن يخرجه من الصدمة التي تعرض لها في بلاده
لأنه تضامن مع معلميها.
ولم
يجب المفوض العام للمركز الوطني لحقوق الإنسان، علاء العرموطي، على أسئلة "عربي21"
حول قضية الكناني، مكتفيا بالقول إن وفدا من المركز زاره عدة مرات.
وكان
مدعي عام عمان قد قرر في 25 تموز/ يوليو، كفّ يد أعضاء مجلس نقابة المعلمين عن العمل،
وإحالتهم إلى
القضاء، وإغلاق مقرات النقابة لمدة سنتين، على ذمة قضايا جزائية حول تجاوزات
مالية، وقرارات اشتملت على إجراءات تحريضية ينفيها مجلس النقابة.
وبحسب
محضر التحقيق الذي حصلت عليه "عربي21" فإن الكناني التحق بالسلك العسكري
بصيغته المدنية بعد إنهاء دراسته الثانوية، حيث عمل بمهنة عامل نظافة في مركز حدود
العمري لمدة عام، ثم انتقل إلى مديرية الأمن العام بمنطقة العبدلي بالعاصمة، وبقي يعمل
فيها لمدة عام ونصف تقريبا، ليلتحق بعدها بمديرية الدفاع المدني بمهنة مسعف لمدة ثلاث
سنوات أنهى عقبها خدماته ليتفرغ للدراسة الجامعية، وتخرج من جامعة جدارا عام 2014 حاملا
درجة البكالوريوس بتخصص المحاسبة، ليعمل بعدها في عدة وظائف كان آخرها عضوا في منظمة
حقوقية.
مدني
أمام القضاء العسكري
من جهته؛
قال محامي الكناني، مالك أبو عرابي، إن المحكمة عقدت لموكله منذ توقيفه جلستين فقط،
ووجهت له تهمتي "التحريض على أعمال من شأنها إحداث الفتنة والإخلال بالنظام العام
خلافا لأحكام المادة 7 من قانون منع الإرهاب، وتعكير صفو العلاقات مع دولة أجنبية
(السعودية والإمارات) على خلفية منشور على صفحته في موقع فيسبوك، خلافاً لأحكام المادة
3 من قانون منع الإرهاب أيضا".
وكان
الكناني قد قال في منشور على حسابه في "فيسبوك"، إن اعتقال المعلمين جاء
"خدمة لأمير الإمارات محمد بن زايد، وأمير السعودية محمد بن سلمان، وعراب الصهاينة
محمد بن دحلان".
وأوضح
أبو عرابي أنه منذ اعتقاله؛ تنقل الكناني بين سجني السلط وماركا، ووضع في كليهما بزنزانة
انفرادية، لافتا إلى أن موكله "هادئ ومهذب، وهذه الزنزانة مخصصة كعقوبة للموقوفين
المشاغبين أو محدثي المشاكل".
وأكد
أن الزنزانة التي يمكث فيها "أحمد" غير صحية، حيث لا تتوفر على تدفئة ولا
تهوية جيدة، مشيرا إلى أن وضع السجين في الحبس الانفرادي يخلف آثارا نفسية سيئة.
وبين
أن الكناني يتعرض لمضايقات متعمدة تحول بينه وبين حصوله على الحقوق الطبيعية التي يحظى
بها بقية الموقوفين، معللا ذلك بنشره صورة عبر موقع "فيسبوك" لأحد ضباط الأمن
الوقائي وهو يحاول خطف جهاز خلوي من إحدى المعلمات أثناء مشاركتها في اعتصام احتجاجي،
ما أدى إلى معاملته في معتقله بنوع من "التحامل".
واستهجن
أبو عرابي تحويل الكناني إلى القضاء العسكري، "مع أن قضيته لا تتسم بأي طابع له
علاقة بأمن الدولة"، متسائلا: "هل أصبحت مناصرة المعلمين المظلومين إرهابا
حتى يحاكم عليها أحمد ضمن قانون منع الإرهاب؟".
ويطالب
حقوقيون بتعديل العديد من التشريعات التي يقولون إنها تقيد حرية الرأي، وعلى رأسها
قوانين "الجرائم الإلكترونية" و"منع الإرهاب" و"أمن الدولة".
وفي
تصريحات سابقة لـ"عربي21" وصف رئيس لجنة الحريات في حزب جبهة العمل الإسلامي،
المحامي عبد القادر الخطيب، قانون منع الإرهاب بأنه "عرفي وغير دستوري، ويمكن أن
يجعلك إرهابيا لمجرد أنك قطعت شجرة، بحجة أنك قطعتها لتقوم بعمل إرهابي"، مشيرا
إلى أن "كثيرا من النشطاء اعتقلوا وسجنوا لمشاركتهم في مظاهرات سلمية، وذلك بتهم
متعلقة بالإرهاب، كتقويض نظام الحكم، والترويج لحركات إرهابية".
وكان
تقرير "مؤشر الديموقراطية" السنوي الصادر عن وحدة الاستخبارات الاقتصادية
مطلع شباط/فبراير الجاري، قد صنف الأردن كدولة استبدادية لعام 2020 "رغم إجرائه
انتخابات برلمانية".
ورأى
التقرير أن "هذا يؤكد فكرة قديمة؛ أن الديمقراطية ليست صندوق اقتراع، طبعا إذا
سلمنا جدلا أن الانتخابات نزيهة"، مضيفا أن "المشكلة تكمن في أن النظام الأردني
ما زال يستخدم أدوات الديمقراطية كدعاية سياسية له أمام الغرب، وليس لأنه مؤمن بها
أو بحاجة إليها".