نحو مليون
وثيقة تدين بشار الأسد وعصابته جمعتها لجنة العدل والمساءلة الدولية، وأغلب هذه الوثائق صادرة عن
الأسد شخصياً للقيادات الأدنى، وتنطوي على أوامر بارتكاب
جرائم تتراوح طبيعتها بين إطلاق النار على المظاهرات واعتقال وتصفية النشطاء، واغتصاب النساء والذكور، وتهجير قسري لسكان المناطق الثائرة.
ورغم أن جزءا من هذه الوثائق هي عبارة عن وثائق صادرة من
القيادات السفلى للجهات الأعلى، وتتضمن شكاوى من تكدس الجثث في السجون والمعتقلات، إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة أن جميع هذه الوثائق، الواردة والصادرة، التي تم الإعلان عن الوصول لها، لا تشكّل سوى جزء بسيط من كم كبير من الوثائق الصادرة عن عصابة الأسد، ذلك أن هذه الوثائق جمعتها جهة واحدة فقط، كما أن هذه الوثائق، في الغالب، تغطي مرحلة زمنية من عمر المقتلة السورية، وهي السنوات الأولى من 2011 إلى 2014 كأقصى حد.
تشكّل سوى جزء بسيط من كم كبير من الوثائق الصادرة عن عصابة الأسد، ذلك أن هذه الوثائق جمعتها جهة واحدة فقط، كما أن هذه الوثائق، في الغالب، تغطي مرحلة زمنية من عمر المقتلة السورية
السؤال الذي يطرح نفسه: ترى كم جريمة أنتجت هذه الوثائق؟ فالبديهي أن كل وثيقة انطوت على أوامر تعميمية، وغالبا لا تتعامل مع حالات فردية بل هي أوامر تتعلق بمصائر بشر كثيرين، وهي في مجموعها تشكّل آلية إدارة الأزمة التي واجهها النظام. وفي هذه المرحلة، وحتى اللحظة، أسقط النظام القوانين التي تحمي المواطنين، على هشاشتها وضعفها، ومنح صلاحيات واسعة، ليس لقيادات القطاعات في المدن والقرى فحسب، بل لكل عناصر أجهزته الأمنية وجيشه وشبيحته ومليشياته، لينفذوا أحكام القتل والإعدام والاغتصاب، حسب تقديراتهم هم ودون الرجوع لأي جهة أو مرجعية.
هذا الكم الهائل من الوثائق، الذي فاق الأدلة التي جمعها الحلفاء ضد النازيين الذين اشتهروا بتوثيق جرائمهم، حسب الدبلوماسي الأمريكي السابق والمتخصص في شؤون العدالة الاجتماعي "ستيفن راب" لبرنامج "60 دقيقة" على قناة "سي بي أس" الأمريكية، يكشف عن نشاط كثيف في القتل والتخريب؛ عن مذبحة، بل ماكينة ذبح طحنت السوريين وقتلت واغتصبت أبناءهم وبناتهم، وأنتجت في وقت قصير ملايين المهجرين، ومئات آلاف القتلى، وعشرات آلاف المغتصبين والمغتصبات، و300 ألف مفقود، وعشرات آلاف القتلى في السجون.
ولكي تنتج تلك الماكينة الرهيبة هذا الكم من الدماء والخراب، كان لا بد من صناعة سياق يظهر مخرجاتها كنتاج طبيعي لتفاعلات غير طبيعية، فكان اختراع الفوضى وتعميمها الوصفة البديعة التي لجأت لها عصابة الأسد لخلط الأوراق في المشهد السوري. وبدأت الحكاية عبر إخراج مئات المتطرفين الإسلاميين من السجون، ثم ملاحقتهم وتهديدهم وسوقهم عنوة إلى تشكيل خلايا وجماعات، وفي هذه الأثناء، استخدام العنف إلى أقصى حدوده على المجتمعات المحلية لدفعها للجوء إلى السلاح والتطرف.
لكي تنتج تلك الماكينة الرهيبة هذا الكم من الدماء والخراب، كان لا بد من صناعة سياق يظهر مخرجاتها كنتاج طبيعي لتفاعلات غير طبيعية، فكان اختراع الفوضى وتعميمها الوصفة البديعة التي لجأت لها عصابة الأسد لخلط الأوراق في المشهد السوري
سيتم إطلاق اسم الثورة المضادة على هذا النمط من الاستراتيجيات المواجهة لحراكات الشارع، والهدف منها كسر ظهر الثورة التي قامت ضد النظام، عبر اجتثاث حواملها من خلال تكتيكات تقوم على الإبادة الشنيعة واستخدام كل الأسلحة التي تخزّنها العصابة في مستودعاتها، من الرصاصة إلى الطائرة، وكل الخبرات التي اكتسبتها أجهزتها الأمنية، والذريعة مواجهة المؤامرة الكونية. فالآخر المعارض والحاضن له هو خائن ومشترك في مؤامرة كبرى، لا تستوي مواجهته إلا بانتزاع صفة الآدمية عنه وسحقه بوحشية.
هل يمكن بعد ذلك أن نسأل عن حجم الألم الذي تسببت به هذه المذبحة الرهيبة للسوريين؟ تؤكد الكثير من الدراسات النفسية والاجتماعية أن الشعب سيبقى يعاني لعقود طويلة من مفرزات هذه المذبحة، وأن أكثر من ثلثي السوريين بحاجة لعيادة نفسية، وأن جيلاً كاملاً دهسته ماكينة قتل العصابة الأسدية، التي هي
ماكينة إيرانية متعطشة للثأر،
وأخرى روسية تريد الانتقام من تفكّك الاتحاد السوفييتي من دم السوريين.
والمفارقة، أن مدير هذه المذبحة، بشار الأسد، يرشح نفسه لانتخابات رئاسية جديدة، ويرغب بحكم الشعب السوري سنوات إضافية أخرى، وتدعمه في ذلك إيران وروسيا، اللتان تدعيان أنهما تمثلان أمل الشعوب المستضعفة في مواجهة نظام دولي متوحش!
twitter.com/ghazidahman1