(١)
تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المتحدة عن الحالة في
السودان وعن أعمال بعثة
الأمم المتحدة بتاريخ الأول آذار/ مارس ٢٠٢١م؛ يعتبر حالة نادرة من التعتيم وتغييب الحقائق وتمييع الوقائع. إن تقارير المنظمة الدولية وإن اختلفت مع تقديراتها وتفسيراتها فإنها تلتزم قدرا من المهنية والاحترافية ودقة المعلومات ومصادر البيانات. ولكن هذا التقرير يجافي أغلب هذه المعايير، وسبب ذلك أن هناك اختلالا في إبراز الحقائق وتفسيرات الوقائع، وتجاهل وغض الطرف عن أخرى..
لقد اهتمت وسائل الإعلام في السودان بنقطتين فقط؛ الأولى الحديث عن حاجة أكثر من ١٣.٨ مليون سوداني للمساعدة بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، والنقطة الثانية دعوة مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية الخرطوم للالتزام بانتقال سلمي سلس والتزام معايير حقوق الإنسان..
جاء التقرير في نسخته باللغة العربية في ٢٠ صفحة واشتمل على قضيتين وتفريعات شتى، وأولهما: الحالة في السودان (تطورات مهمة)، وثانيهما: أنشطة بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لتقديم المساعدة للسودان خلال الفترة الانتقالية، حيث تم تعيين خمسة موظفين محللين للبعثة، ووصل ٣٢ من العاملين الدوليين.. وسنأتي على هذه الوقائع لاحقا..
(٢)
تناولت حالة السودان محاور الحالة السياسية، والعلاقات الدولية والوضع الأمني والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية، وحال حقوق الإنسان وحماية المدنيين، واستغرقت في تفاصيل الأحداث والشواهد والمصادر، وركزت على نقاط محددة (مشاركة النساء في مجلس الشركاء ومجلس الوزراء). ويمكن إبداء ملاحظات عامة على النحو التالي:
- تجاهل التقرير كليا الاعتقالات التي طالت شبابا وشابات وشيوخا، وتمددت على كل أطراف البلاد، وذلك بناءً على الانتماء السياسي وحق التعبير السلمي.
- تجاهل التقرير، تماما، بقاء قيادات من النظام السابق رهن الاعتقال، ولمدة عامين، دون محاكمة أو إطلاق سراحهم.
- طرد أكثر من ١٠ آلاف موظف ومنهم قضاة ومستشارون بوزارة العدل، وسفراء وخبراء في النفط والكهرباء والمياه والطرق والاقتصاد، وآخر الكشوفات شملت أكثر من ١٥٠ من بنك السودان المركزي. ومن الغريب أن التقرير أشار لتأخر العمل في إصلاح القوانين، بعد إعفاء المستشارين، دون أن يعبر عن أي إدانة ومطالبة بالشفافية وحق الإستئناف..
- وتناسي التقرير غياب المحكمة الدستورية، وهي ركن في تحقيق العدالة وإرساء حكم القانون..
- لم يشر التقرير للتظاهرات المستمرة للإجراءات الحكومية في مجال الاقتصاد وتدهور الصحة وانعدام الأدوية، بل حاول تجيير التظاهرات (٨-١١ شباط/ فبراير ٢٠٢١م) وفق هوى السلطة الحاكمة..
- لم يتناول التقرير التضييق العام في مجال
الحريات، مع استمرار إغلاق قنوات فضائية وصحف، وفصل أكثر من ١٦٦ صحفيا وإعلاميا من هيئة الإذاعة والتلفزيون، واعتقال عدد من الصحفيين والإعلاميين، وما زال الأستاذ حسين خوجلي رهن الحبس.
- لم يشتمل التقرير على انفراط الأمن، وزيادة حدة الغبن الاجتماعي وتصاعد قوة تكتل القبائل، وأصبحت العاصمة تعاني من الاضطراب والسرقات..
- لم يوثق التقرير لوفاة أكثر من معتقل دون أن تتاح له فرصة العلاج المناسب لحالته كما حدث للراحل د. عبد الله البشير، وسبقت ذلك وفاة الشيخ الشريف بدر، وهناك ظروف صحية معقدة لآخرين..
وهناك الكثير من الحقائق تجاهلها التقرير، مع قوة تأثيرها في الراهن السياسي وتطوراته.
(٤)
كل ذلك يدعونا للتساؤل: من أين استمد الأمين العام للأمم المتحدة المتحدة بياناته وتقاريره، وخاصة أن لديه بعثة في الخرطوم وهناك مقرر خاص لحقوق الإنسان وبطرفه كل الوقائع؟..
لقد سكتت منظمات أممية عن انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان، ونشطت مجموعات ضغط في اتجاهات معينة، ويستبطن ذلك من التركيز على بعض الجوانب الأمنية والظواهر الاجتماعية وتضخيمها والبناء عليها..
ويمكن القول إن هذا التقرير يعبر عن تحيز سياسي كبير وانحراف عن مهام الأمم المتحدة، وهذا ما يثير القلق المجتمعي والمخاوف لدى جمهور واسع من المواطنين بأن تتحول الأمم المتحدة إلى أداة سلطوية أو وسيلة ضغط لتيارات سياسية.. وهذا مأزق دولي كبير، يستدعي من الأمين العام للأمم المتحدة إعادة النظر في مجمل تقاريره ومصادره، فهذا شأن وطن ومستقبل أمة.