يعد رصد تغطية
الإعلام المصري للقضايا المختلفة من أهم المؤشرات لتحليل سياسات النظام ونواياه، لسبب بسيط ومعروف، وهو أن وسائل الإعلام المصرية باتت جميعها تقريبا مملوكة للنظام بشكل مباشر.
وفي ما يتعلق بقضية مؤشرات التقارب المصري التركي التي ظهرت مؤخرا، طرحت عدة أسئلة حول درجة استجابة النظام المصري للتصريحات التركية الإيجابية التي أطلقت من جانب مسؤولين أتراك عن العلاقات مع القاهرة، وكذلك استجابته للتطورات الخاصة بقنوات المعارضة المصرية في
تركيا، والتي قيل إنها تلقت تعليمات تركية بتخفيض حدة نقدها للنظام المصري. كما طرحت أسئلة أيضا حول تأثير ذلك التقارب - إن حدث - على ملفات أخرى، مثل ملف المعارضة المصرية في الخارج وقنواتها الفضائية، وجماعة
الإخوان المسلمين وغيرها.
في ما يتعلق بقضية التغطية الإعلامية، نقل موقع "المنصة" الإخباري المصري عن مصادر إعلامية تأكيدها أن وسائل الإعلام المصرية تلقت تعليمات في منتصف آذار/ مارس بوقف تناول الشأن التركي، ومنع تناول أخبار المعارضة التركية لأجل غير مسمى. وبالفعل كان من الملاحظ أن جميع وسائل الإعلام المصرية قد التزمت بهذا الأمر، إذ لم يجد كاتب هذه السطور أي تغطية سلبية عن تركيا في عدد كبير من وسائل الإعلام التي رصدها منذ منتصف آذار/ مارس، وفي بعض الأحيان لم تكن هناك أي تغطية من أي نوع عن تركيا، سواء إيجابية أو سلبية.
فعلى سبيل المثال، لم تكن هناك أي أخبار عن الرئيس أردوغان في صحيفة "اليوم السابع" منذ 12 آذار/ مارس، رغم أن الصحيفة كانت تنشر أخبارا وتقارير مكثفة تهاجمه بشدة قبل ذلك وبصورة يومية. وكانت آخر تغطيات إعلامية مصرية عن الشأن التركي تعليق بعض المذيعين على تصريحات الرئيس أردوغان التي قال فيها إن هناك مباحثات مع مصر على المستوى الاقتصادي والاستخباراتي والدبلوماسي. وأكد هؤلاء المذيعون أن مصر "تنتظر أفعالا لا أقوالا"، وهي جملة ترددت على لسان عدد منهم بالنص. كما زعموا أن أنقرة تعيش مشكلات وأزمات وأنها لجأت إلى تحسين العلاقات مع مصر لهذا السبب، وأن مصر "أجبرت" تركيا على التراجع في الملف الليبي عندما حددت خطأ أحمر لا يجوز تجاوزه، وأن مصر ليست متعجلة ولا مندفعة في تحسين العلاقات مع تركيا.
والملاحظ أن الإعلام المصري لم يتحدث سوى باقتضاب عن التطورات الخاصة بقنوات المعارضة المصرية، عدا بعض المذيعين مثل عمرو أديب، أما الباقون فقد ظهروا على صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي لإبداء شماتتهم، مثل أحمد موسى ومحمد الباز ونشأت الديهي، في ما يبدو وكأنهم تلقوا تعليمات بألا يتحدثوا عن الأمر على الشاشات. وقد حدث ارتباك لدى الإعلام المصري في البداية، بعد نشر بعض المواقع أنباء غير صحيحة نقلا عن قناة العربية تزعم أن قنوات المعارضة ستغلق، وأن قيادات الإخوان في تركيا وُضعت قيد الإقامة الجبرية، وغيرها من الأنباء التي اتضح أنها كاذبة.
لكن تزامنا مع تجاهل الإعلام المصري للشأن التركي، كانت هناك حملة شرسة ضد جماعة الإخوان في نفس الوقت وطوال عدة أيام، مع تأكيد عدد كبير من المذيعين أنه لا توجد هناك أي نية للتصالح مع الإخوان أو الإفراج عن معتقليهم. وذلك بعد تصريحات القائم بأعمال مرشد الجماعة إبراهيم منير؛ التي قال فيها إنه لا يمانع في أي اتفاق مع النظام المصري إذا أدى إلى إطلاق سراح المعتقلين.
على سبيل المثال، تحدث مصطفى بكري عن الموضوع بطريقة غير مباشرة، قائلا إن مصر تمد يدها لمن يحترمون إرادتها، وأنها لن تتصالح مع من تورطت يدهم بدماء المصريين (يقصد الإخوان). نفس الأمر تكرر مع برنامج "بالورقة والقلم" للمذيع نشأت الديهي (المذيع السابق في قناة TRT العربية)، إذ أكد يوم 22 آذار/ مارس عدم وجود أي مصالحة مع الإخوان، وقال إن مشكلة مصر الوحيدة هي مع الإخوان وليس مع تركيا، وأنه لا يجب الربط بين التقارب المصري والتركي وبين أي حديث عن المصالحة مع جماعة الإخوان. وبعدها بيوم أكد هذا المعنى أيضا، وقال إن الإعلام المصري سيترك الفرصة للتقارب المصري التركي حتى لا يفسد.
وقالت المذيعة لميس الحديدي على قناة "أون تي في" إن السيسي نفسه لن يتصالح مع الإخوان ولن يسمح بالتصالح معها، وإن الجماعة ليست منتصرة حتى تفرض شروطا وإنها مهزومة ومطرودة من المصريين، وإن الجماعة تعيش في كوكب آخر، وإنه لا يوجد هناك معتقلين في مصر بل إرهابيون متورطون في أعمال عنف، زاعمة أن هؤلاء المعتقلين قتلوا المصريين في سيناء. واختتمت حديثها بالقول: "لا حوار، لا تصالح، لا تقارب، انتهى الدرس". وهو ما قاله أيضا إبراهيم عيسى الذي طالب بعدم التسامح مع الإخوان والاستمرار في ضربها وقمعها.
والخلاصة أن الرسائل التي أراد النظام المصري إيصالها عبر وسائل إعلامه هي:
•النظام المصري ألزم تركيا بالتراجع والبحث عن علاقات جيدة مع مصر.
•النظام ليس متعجلا في التقارب مع تركيا، ويريد إجراءات فعلية من جانب أنقرة وليس مجرد تصريحات.
•التقارب مع تركيا - إن حدث - لن ينعكس بأي حال من الأحوال على وضع جماعة الإخوان المسلمين، ولن يترجم إلى أي تهاون بشأنها.
•التقارب مع تركيا لن يكون على حساب حلفاء النظام المصري الآخرين، خاصة اليونان.