يبدو
أن الكيان الصهيوني يعتمد كليا على عقلية تستند إلى مبدأ "وعد بلفور"
الذي قدّمه وزير الخارجية البريطاني "آرثر جيمس بلفور"، والمتعلق بإقامة
وطن قومي لليهود في
فلسطين، فقد اشتهر عن هذا الوعد بأنه "وعد من لا يملك لمن
لا يستحق"، إذ إنه قفز على المعطيات الموجودة في الواقع، وتعامل مع أرض
فلسطين باعتبارها فارغة من السكان، وبالتالي يمكنه منحها لمن يريد.
شيء
من هذا القبيل يحدث حاليا في العدوان
الإسرائيلي المتواصل على قطاع
غزة،
فالمسؤولون الإسرائيليون ومن ورائهم الولايات المتحدة، يتجاهلون المعارك الضارية
التي تجري حاليا في غزة بين جيش الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية، ويتحدثون عن
مستقبل غزة "ما بعد
حماس"، وكأنهم تمكنوا من تحقيق أهدافهم ولم يتبق سوى
مناقشة الخطوات التالية، رغم أن إسرائيل لم تستطع تحقيق أي من أهدافها المعلنة حتى
الآن؛ فلم تهزم حماس ولم تقض عليها، ولم تقتل أيا من قادتها، ولم تستعد أسراها.
يتجاهلون المعارك الضارية التي تجري حاليا في غزة بين جيش الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية، ويتحدثون عن مستقبل غزة "ما بعد حماس"، وكأنهم تمكنوا من تحقيق أهدافهم ولم يتبق سوى مناقشة الخطوات التالية، رغم أن إسرائيل لم تستطع تحقيق أي من أهدافها المعلنة حتى الآن؛ فلم تهزم حماس ولم تقض عليها، ولم تقتل أيا من قادتها، ولم تستعد أسراها
لكن
يبدو أن طريقة التفكير هذه مسيطرة بشدة على مسؤولي الكيان، لدرجة أن الأمر وصل إلى
حدوث خلافات علنية في وجهات النظر بين واشنطن وتل أبيب حول هذا الأمر الذي لم يحسم
بعد. فبينما تحدث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عن تولي السلطة الفلسطينية
إدارة قطاع غزة والضفة الغربية "في اليوم التالي للقضاء على "حماس"،
يرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه الفكرة، مبديا إصراره على استمرار
تل أبيب في السيطرة على الأمن في غزة، قائلا إن السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي
لا ينبغي أن تتولى مسؤولية القطاع، ويضيف: "لن تكون هناك سلطة مدنية تعلم
أبناءها القضاء على دولة إسرائيل، ولا يمكن أن تكون هناك سلطة تدفع رواتب عائلات
القتلة". وتابع: "لا يمكن أن تكون هناك سلطة يرأسها شخص لم يدن المذبحة
(في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر)"، في إشارة لهجوم حماس. وقد أدت هذه
التصريحات إلى تواصل إدارة البيت الأبيض مع مسؤولين إسرائيليين لطلب توضيح منهم
بشأن ما يعنيه نتنياهو بكلامه.
لم
يقتصر هذا الحديث على مستوى السياسة الخارجية الإسرائيلية، بل تخطاه إلى حد أنه
أصبح محورا لنقاشات داخلية في إسرائيل، فقد كتب كل من رام بن باراك وداني دانون،
النائبان بالكنيست، مقالا في صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، يقترحان فيه تشريد
شعب غزة في جميع دول العالم، عن طريق استقبال كل بلد 10 آلاف فلسطيني وتوطينهم، مقابل
حوافز ومبالغ مالية لتلك الدول، وهو ما يحل المشكلة من وجهة نظرهما!
تبدو هذه النقاشات وكأنها تتم في كوكب آخر غير الذي نعيش فيه، من قبل مسؤولين يعانون من حالة إنكار، فموازين القوى على الأرض لم تتغير كثيرا حتى الآن، لكن الإصرار الغريب على الاستمرار في مثل هذه الأحاديث، يجعلنا نتساءل عما إذا كان هؤلاء يخفون عنا أخبار انتصارات ساحقة تمكنوا من تحقيقها على المقاومة في غزة، وأنهم ربما سيفاجئوننا بها في يوم من الأيام
وبغض
النظر عن وقاحة هذا الاقتراح الذي يصدر عن مغتصبي الأرض الذين يتصرفون فيما لا
يملكون، فإن المثير للسخرية أكثر كان رد فعل وزير المالية الإسرائيلي، اليميني
المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي أعرب عن تأييده لهذا الاقتراح وترحيبه به، قائلا
إن "الهجرة الطوعية لسكان قطاع غزة إلى دول العالم هي الحل الإنساني الصحيح"،
بعدما وصفها بأنها "75 عاما من اللجوء والفقر والمخاطر"، دون أن يسترسل
ويتحفنا بالكشف عن الجهة التي تسببت في "اللجوء والفقر والمخاطر" للشعب
الفلسطيني طوال هذه العقود.
تبدو
هذه النقاشات وكأنها تتم في كوكب آخر غير الذي نعيش فيه، من قبل مسؤولين يعانون من
حالة إنكار، فموازين القوى على الأرض لم تتغير كثيرا حتى الآن، لكن الإصرار الغريب
على الاستمرار في مثل هذه الأحاديث، يجعلنا نتساءل عما إذا كان هؤلاء يخفون عنا
أخبار انتصارات ساحقة تمكنوا من تحقيقها على المقاومة في غزة، وأنهم ربما
سيفاجئوننا بها في يوم من الأيام! وهو ما لا يوجد أي مظهر له حتى تاريخ كتابة هذه
السطور.