نعم..
كان طوفانا حقا..
كان
طوفانا "ثلاثيا" أتى الصهاينة بغتة، برا وبحر وجوا، وهم بين نائمٍ،
ومسترخٍ، ولاهٍ، ومحتفلٍ بيوم كيبور..
جرف
الطوفان الكثير وبقي الكثير..
جرف
"طوفان الأقصى" فرقة عسكرية صهيونية كاملة، كانت مسؤولة عن حماية جبهة
العدو الجنوبية، وتضم أفضل عناصره..
وجرف
الطوفان (فيما جرف) كنزا معلوماتيا لا يُقدر بثمن، ورُتبا كبيرة في جيش العدو، إلى
أنفاق القسام..
وجرف
الطوفان (فيما جرف) كبرياء العدو الصهيوني وكرامته، وكل الأساطير التي نسجها حول
قوته، وتفوقه، وقدراته التي قَلّ نظيرها..
وجرف
الطوفان (فيما جرف) الشعور بالأمن من نفوس الصهاينة، وهو أعظم إنجاز تباهت به كل
الحكومات الصهيونية المتعاقبة، إذ لم يعد أيُّ شبر من أرض
فلسطين التاريخية بعيدا
عن صواريخ المقاومة..
وجرف
الطوفان (فيما جرف) السردية الصهيونية التي تقول بأن "
إسرائيل" دولة
ديمقراطية مدنيَّة متحضرة تحاول حماية نفسها من ملايين البدو الأجلاف، أعداء
الحضارة والإنسانية الذين يحيطون بها من كل جانب! ذلك، بعد أن شاهد العالم على
الهواء مباشرة مجازر الآلة الحربية الصهيونية بحق أطفال
غزة ونسائها، فضلا عن
التمييز العنصري الذي يمارسه الاحتلال بحق فلسطينيي الداخل..
ومما
ينسف الرواية الصهيونية حول الوسط الهمجي الذي يعيشون فيه، هذا الموقف المخزي
للأنظمة العربية من الحرب على غزة.. إذ لم تحرك أي من هذه الأنظمة ساكنا، ولم تتدخل
بصورة فعالة لوقف الحرب، أو حتى إدخال المؤن الحيوية (الطبية والاستهلاكية) لأهل
غزة الذين يعيشون ظروفا مأساوية تشبه إلى حد بعيد تلك الظروف التي عاشها الرعيل
الأول من المسلمين في شعب أبي طالب الذي حاصره مشركو مكة ثلاث سنين..
وجرف
الطوفان (فيما جرف) ثقة أشخاص مؤثرين في الغرب بالرواية الصهيونية، إذ بات هؤلاء
يتساءلون: كيف لنا أن نصدق الرواية "الإسرائيلية" لأحداث تاريخية لم
نعشها، بينما هم يكذبون علينا في أحداث نعيشها لحظة بلحظة؟
كيف
نصدّق آذاننا، ونكذب عيوننا؟ كيف لنا أن نصدق قوما يكذبون بكل وقاحة، وهم يعلمون
أنهم يكذبون، ويعلمون أننا نعلم أنهم يكذبون!
وجرف
الطوفان (فيما جرف) اثنين من أهم الأسس التي قامت عليها "الحضارة"
الغربية: حرية الرأي، وحرية الصحافة.. فقد رأينا وزيري الداخلية في بريطانيا (أم
الديمقراطية) وفرنسا (بلد الإخاء والحرية والمساواة) يتوعدان كل من يتظاهر دعما
لفلسطين بالاعتقال والغرامة! ومع ذلك، رأينا الحشود نصف المليونية في لندن وباريس،
رغم أنف الوزيرين..
ورأينا
الهجوم الكاسح على الأمين العام للأمم المتحدة إثر كلمته التي أشار فيها إلى بعض
الحق الفلسطيني، لدرجة أن دولة الاحتلال طالبته بالاستقالة!
ورأينا
مراسلي بعض المنصات الإعلامية العريقة يؤدون مشاهد تمثيلية؛ لخداع المشاهد الغربي،
وتمرير الرواية الصهيونية، الأمر الذي يعني انتفاء حرية الصحافة وحيادها
وموضوعيتها!
وجرف
الطوفان (فيما جرف) كل شعارات الغرب عن حقوق الإنسان التي أثبتت حرب الإبادة التي
يشنها العدو الصهيوني على أطفال غزة ونسائها أنها لا تساوي الحبر الذي كُتبت به..
وجرف
الطوفان (فيما جرف) ما يسمونه الشرعية الدولية، والقانون الدولي، والسلم الدولي،
إذ اكتشفت الشعوب أنها مسميات خالية من أي مضمون، لا تحق حقا، ولا تبطل باطلا، ولا
تنصر مظلوما، ولا تأخذ على يد ظالم!
ورأينا
بايدن وآخرين من قادة الغرب "المتحضر" يتبنون الرواية الصهيونية،
ويسارعون إلى تسويقها على الفور، مع يقينهم بأنها غير صحيحة، ثم حاولوا (لاحقا)
تبرير ذلك بلغة بائسة!
وجرف
الطوفان (فيما جرف) أوراق التوت التي كانت تغطي بها معظم الأنظمة العربية عوراتها
أمام شعوبها.. فلم يعد أحد من هؤلاء قادرا على إخفاء موقفه الحقيقي من المقاومة
الإسلامية في فلسطين، وهو موقف متماهٍ (كليا) مع هدف العدو الصهيوني الاستراتيجي
ألا وهو القضاء المبرم على حماس وفصائل المقاومة، وتسليم غزة العزة لعباس اليقظ
الحساس؛ لتعيش الهوان نفسه الذي تعيشه الضفة الغربية، تحت حراب السلطة الفلسطينية
الوكيل الحصري للكيان فيما تبقّى من أرض فلسطين!
وجرف
الطوفان (فيما جرف) الشعور بالانكسار الذي تمكن من نفوس العرب والمسلمين لأكثر من
قرن، وباتت منشورات النشطاء على منصات التواصل الاجتماعي تفيض ثقة بالنفس،
وبإمكانية التغيير، وبأن المستحيل مجرد كلمة في القاموس يمكن إلغاؤها، كما فعلت
المقاومة الإسلامية الفلسطينية في فلسطين التي بدأت من تحت الصفر، وبإمكانيات
بدائية!
وجرف
الطوفان (فيما جرف) كل عبارات التثبيط والخذلان والإرجاف التي رددها ساسة ومفكرون
وكتاب متصهينون كثر، عن عدم جدوى المقاومة، ووجوب التسليم بالأمر الواقع، والرضى
بما يلقيه الاحتلال الصهيوني للفلسطينيين من فتات، وبضرورة التطبيع، وأهميته،
وجدواه..
وإن
ننسى فلا ننسى وصف محمود عباس التهكمي لصواريخ القسام في بداياتها بـ"الصواريخ
الكرتونية"!
وإن
ننسى فلا ننسى حمى التطبيع التي أصابت المتصهينين من الحكام العرب (لا سيما
الإماراتيين منهم) فأسرفوا في الاحتفاء بالصهاينة بكل الوسائل، وبالغوا في ذلك إلى
درجة منحهم الجنسية!
لقد
جرف طوفان الأقصى الكثير الكثير، وبقي الكثير الكثير..
إن
إعلان وقف إطلاق النار المرتقب في غزة، لا يعني انتهاء الطوفان، وإنما يعني
الإعلان عن طوفان جديد، سيأتي يوما، وسيكون له ما بعده.. طوفان سيغير وجه العالم.
twitter.com/AAAzizMisr
aaaziz.com