على
غير موعد، فرَّ بشار
الأسد فرار الفأر المذعور، مُخلِّفا وراءه قصوره، وسراديبه،
وصوره الخاصة التي فضحت تفاهته وعبثيَّته، وصور أبيه، ورسائل أبيه لأمه التي استعان
بأحدهم ليكتبها له على الآلة الكاتبة، وسجونا لا يُعرف أين أبوابها، وعشرات الآلاف
من المعتقلين، ومئات الآلاف من الجثث، وكميات تجارية هائلة من أقراص الكبتاجون المنشطة،
وأحلامَه في توريث حافظ الحفيد عرش "جُمْلوكِيَّة" الجد الخائن الذي عاش
الكيان الصهيوني (بفضل خيانته) أكثر من ثلثي عمره!
فر
بشار فجأة، دون إعلان، بل ودون أن يخبر أقرب الناس إليه، وهو الذي صرَّح مِرارا
وتكرارا بأن الفرار سلوك الجبناء، وأنه باق على كرسيه حتى الموت!
فر
بشار دون سابق إنذار، فأشرقت (فجأة) شمس الحرية على السوريين، بعد ظلام دامس، وظلم
فادح، امتدا لأكثر من نصف قرن!
طُويت
صفحة آل الأسد، كما طُويت صفحاتُ مجرمين عُتاةٍ قبله، وكما ستُطوى صفحاتُ مجرمين
عتاةٍ بعده، في انتظار يوم الحساب أمام ملك الملوك، أعدل القضاة، أسرع الحاسبين، منصِف
المظلومين، حتى أنه (سبحانه) سيقتص للشاة الجماء (التي لا قرون لها) من الشاة القرناء
التي نطحتها، وعجزت عن القصاص لنفسها! فما بال هذه الأعداد الغفيرة من البشر التي
أذهب بشار وأبوه عقولَ الآلاف منها، وأفقدا آلافا أخرى ذواكرها (الجمع القسامي للذَّاكرة)،
وكَبَسا عشرات آلاف الجثامين بمكابس خاصة؛ لتصير في سمك الورقة!
طُويت صفحة آل الأسد، كما طُويت صفحاتُ مجرمين عُتاةٍ قبله، وكما ستُطوى صفحاتُ مجرمين عتاةٍ بعده، في انتظار يوم الحساب أمام ملك الملوك، أعدل القضاة، أسرع الحاسبين، منصِف المظلومين
مظاهر
مُلفِتَة!
دخلت
قوات "هيئة تحرير الشام" إلى كبريات المدن السورية، وصولا إلى دمشق،
دخول الفاتحين المتسامحين الرحماء، لا دخول الغزاة المخربين الجبناء، فأعلنوا
العفو العام عن كل مَن لم تتلطخ يداه بالدماء، وطمأنوا الأقليات، وأعلنوا احترامهم
للمعاهدات، وأمهلوا الغزاة الروس والأمريكان بعض الوقت؛ لتصحيح طبيعة وجودهم على
الأراضي السورية..
تنادى
الشباب والفتيات لتنظيف الشوارع، من تلقاء أنفسهم، وتثبيت الملصقات التوعوية، التي
تدعو إلى الالتزام بكل ما من شأنه أن يبني
سوريا التي تمنوها وحلموا بها، طوال
رحلة التهجير والاغتراب، في المخيمات والمنافي..
أقبل
عشرات الآلاف على أداء الصلوات في الميادين العامة، وساحات الجامعات، إقبال جائع
محروم على طعام شهي ساخن، وصل توا من فنادق خمس نجوم.. ولم يعد المتابع قادرا على
التفريق بين صلاة الظهر وصلاة الجمعة؛ لكثرة المصلين!
استنكر
عدد غير قليل من الفتيات غير المحجبات محاولات الإرجاف والتخويف من أصحاب اللحى، ودَحَضْنَها
بسرد تجارب لهن مع شخصيات من الإدارة السورية الجديدة، على رأسها القائد العام أحمد
الشرع، الذي طلبت إليه إحداهن (غير محجبة) التقاط صورة معه، أثناء مرورها في
المكان الذي كان موجودا فيه، فأجاب طلبها، مقابل تغطية شعرها (طلب ذلك بلطف)
فاستجابت لطلبه.. وقد أبدت الفتاة احترامها لطلب الشرع الذي يحق له أن يظهر
بالصورة التي تناسبه، حسب قول الفتاة..
وقف الألوف
من موظفي الحكومة المنهارة في طوابير طويلة امتدت لبضع كيلو مترات؛ لإعادة تسجيل
أنفسهم في الإدارة الجديدة، وقد أبدوا رضاهم وارتياحهم لحسن المعاملة..
كل
المؤشرات والمظاهر (منذ دخول الثوار دمشق وحتى الساعة) تُنبئ عن مستقبل مشرق
لسوريا والسوريين، على أيدي "الإسلاميين"، إذا غُلَّتْ أيدي العابثين،
وأُحْبِطَتْ خُطط المتآمرين الذين لم يستطيعوا إخفاء مخاوفهم من نجاح حكم
"الإسلاميين" في سوريا، وكانت دولة الإمارات أول من عبَّر عن مخاوفه،
على لسان أنور قرقاش، وزير الشؤون الخارجية السابق والمستشار الرئاسي حاليا!
أُطلقت
حملات "مُعايَرة وتوبيخ" للإدارة الجديدة، بالغارات الجوية التي نفذها
العدو الصهيوني (ولا يزال) على أهداف عسكرية واستراتيجية، في جميع أنحاء سوريا،
فضلا عن التوغل البري، متجاوزا خط الهدنة، واستيلائه على جبل الشيخ بالكامل، دون
رد (عملي) من هذه الإدارة، وكأن نظام الأسد كان في خضم حرب مصيرية ضروس ضد العدو
الصهيوني، وكان قاب قوسين أو أدنى من إحراز نصر تاريخي، إلا أن الإدارة الجديدة
طعنته من الخلف، وأحالت النصر إلى هزيمة؛ مجاملة وإسنادا للعدو الصهيوني!
ماذا
ينتظر هؤلاء من إدارة لا تحوز أي قدرات عسكرية رادعة، في ظل غياب جيش
"تبخر" وترك مواقعه خالية تماما، وكأنه لم يكن لسوريا جيش؟
تبنى
بعض الإعلاميين (العرب) خطاب "تشويش وكراهية" ضد الإدارة الجديدة، وقد
ظلوا (لسنوات) محل إعجاب قطاع عريض من الجمهور العربي، بسبب هجومهم المستمر على
بعض الأنظمة الاستبدادية، ومؤازرتهم للمقاومة الفلسطينية التي تقودها حماس! ولا
أدري ما الفرق الأيديولوجي بين حماس، وهيئة تحرير الشام! أليس كلتا الحركتين
"إسلاميتين"؟!
مزيج من الهلع والذعر والهستيريا صبغ أداء أبواق الجنرال المنقلب ياسر جلال الإعلامية، ولجانه الإلكترونية، من لحظة فرار بشار، بل وصبغ أداءه هو شخصيا!
ياسر
جلال يتحسس رأسه!
مزيج
من الهلع والذعر والهستيريا صبغ أداء أبواق الجنرال المنقلب ياسر جلال الإعلامية،
ولجانه الإلكترونية، من لحظة فرار بشار، بل وصبغ أداءه هو شخصيا!
فرغم
الفلاتر التي يمر عبْرها كلامُه (كما قال يوما) إلا أنه لم يستطع اختيار لفظ "راقٍ"
للتعبير عن ادعائه "البراءة" من سفك دماء
المصريين (وهو الآمر بالقتل،
وليس أحدا آخر، وهو من المعلوم بالضرورة)، فخرجت من فمه كلمة "مِتْعاص"!
وهي كلمة عامية، لا تسمعها إلا من أفواه الأجلاف والجهلة والسوقة الذين لم يتحصلوا
على أي قسط من التهذيب أو التربية!
"متعاص"
يعني مُلوث، أو مُلطخ.. وهو لفظ يُطلق (عادة للتعبير عن شدة القرف) على مؤخرة
الأطفال قبل تنظيفها، غير أن الفلاتر لا تجدي نفعا، في حالات الذعر والهلع
والاضطراب، فتندفع الكلمات معبرة (بقوة) عن البيئة التي ينحدر منها المتكلم،
ومستوى الثقافة الذي وصل إليه..
"إيدي
مش متعاصة دم".. قالها ياسر جلال، مخاطبا "كتيبة" من أبواقه
الإعلامية، محاولا طمأنتهم بعد الزلزال السوري! غير أنه (في الحقيقة) كان يُطمئن
نفسَه قبل غيره..
"حاجتين
معملتهومش [لم أفعلهما] إيدي مش "متعاصة" بدم حد، ولا سرقت مال حد"..
أما التتمة التي لم يقلها جلال فهي: لذا، فأنا مطمئن إلى أني لن ألقى مصير بشار
الأسد!
صادق
يا جلجل! أومال مين اللي قتل المتظاهرين السلميين، في الحرس الجمهوري، والمنصة،
ورمسيس، والقائد إبراهيم، ورابعة، والنهضة، وغيرها من المذابح؟!
والله
مش أنا.. دا أختي مُنى! أقصد الظابط أحمد.. أقصد الضباط أحمد؟!
معاك
يا جلجل للآخر.. طيب من اللي قال: "الظابط أحمد مش هيتحاسب، لو قتل حد"؟!
والله
مش أنا.. اللي قال كدا، ظابط "نتن" كان بيحط الدبوس في أستيكة (ممحاة)
القلم الرصاص! صحيح، بتكلم جد..
أومال
إنت مين؟!
أنا
ياسر جلال.. مش حضرتك بتناديني دايما "ياسر جلال"؟!
طيب
يا جلجل.. قبل ما أناديك "ياسر جلال" كان اسمك إيه؟
صوت
صرصور الحقل!
الإنكار
لن يفيد يا جلجل.. قبل أن يكون اسمك ياسر جلال، كان اسمك عبد الفتاح سعيد حسين
خليل
السيسي، وزير دفاع خائن، حنثت بيمينك، وانقلبت بالقوة المسلحة على رئيسك
الشرعي المنتخب وقائدك الأعلى، وأنت الذي أصدرت الأوامر (بصفتك قائد الانقلاب)
للجيش والشرطة، بإطلاق الرصاص الحي، على المتظاهرين في المسيرات، والمعتصمين
السلميين، في رابعة والنهضة، صباح يوم 13 آب/ أغسطس 2013، وقد وجهتُ لك شخصيا
الاتهام، في محضر رسمي، بقتل ابنتي الصحفية الشهيدة حبيبة.. إذن، "إيدك
متعاصة دم" يا سيسي.. دم ابنتي على الأقل!
جيش بشار تخلى عنه، ومَن بيده رَسنه أمره بالمغادرة، فكان هذا المشهد الذي حلم به السوريون على مدى خمسين سنة عجاف! فما المانع أن يتكرر مشهد سقوط بشار بحذافيره، في مصر؟!
أما قولك:
"ما أخدش مال حد".. فالسؤال هو: أين ذهبت عشرات المليارات التي جاءتك في
صورة مساعدات أو قروض، ولم ير المصريون لها أثرا يُذكر، في الصحة والتعليم، ودعم
السلع الأساسية التي ألغيتَ دعمها، وحررتَ أسعارها؟
ماذا
عن الصناديق السيادية، وعلى رأسها "سندوء تحيا مصر"، التي لا يعلم أحد
شيئا عن حركة الأموال فيها إلا أنت ومن يعاونك، ولا يخرج منها جنيه ولا دولار واحد
إلا بأمرك منفردا؟ هذه المليارات هي أموال 110 ملايين مصري.. يعني 110 ملايين
"حد" مش "حد واحد"، ولا حتى "مليون حد".. يا سيسي!
أشد
ما يخشاه ياسر جلال
مكالمة
هاتفية تأمره بالمغادرة، هذا أشد ما يخشاه ياسر جلال، هذه الأيام.. فوضع بشار
الأسد كان أفضل كثيرا من وضع ياسر جلال، وكان جيشه (الطائفي) قادرا على خوض معارك
دامية مع قوات "هيئة تحرير الشام" لشهور، وربما لسنوات أخرى، لولا هذه
المكالمة "اللعينة" التي أمرته بالمغادرة فورا، ولولا تلك التفاهمات
التي تمت مع قادة الجيش؛ لحقن الدماء، مقابل بعض الوعود، من بينها العفو، بطبيعة
الحال..
جيش
بشار تخلى عنه، ومَن بيده رَسنه أمره بالمغادرة، فكان هذا المشهد الذي حلم به
السوريون على مدى خمسين سنة عجاف! فما المانع أن يتكرر مشهد سقوط بشار بحذافيره،
في مصر؟!
بالقطع،
لا مانع من تكرار هذا المشهد في مصر.. غير أن مصر، ليس بها فصائل مسلحة منضوية تحت
لافتة تحمل اسم "هيئة تحرير مصر"، والمعارضة المصرية في الخارج ليست على
كلمة سواء، وأكبر فصائلها (الإخوان المسلمون) منقسم على نفسه.. والجيش يرى أنه
دولة مستقلة ذات سيادة، تهيمن على دولة منزوعة السيادة اسمها مصر.. فبماذا وكيف
يمكن إغراء الجيش ليتخلى عن "احتلال مصر"؟ ومن يا تُرى تلك الجهة التي يمكن
"التفاهم" معها لاستلام السلطة، إذا تكرر السيناريو السوري في مصر؟
x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com