قضايا وآراء

في الشأن السوري.. "صفر كبير" لأساتذتي

محمد فهيم
"من المهنية والحرفية ومن المبكر جدا إصدار الأحكام على من تسيّدوا المشهد السوري الآن، والحكم عليهم للشعب السوري فقط"- الأناضول
"من المهنية والحرفية ومن المبكر جدا إصدار الأحكام على من تسيّدوا المشهد السوري الآن، والحكم عليهم للشعب السوري فقط"- الأناضول
الصحافة من أخطر المهن تأثيرا على الرأي العام، ولكنها عندما تتجاهله أو تتصادم معه تسقط تحت الأقدام، وتنتصر عليها مواقع التواصل الاجتماعي، ويصير أصغر طفل بيده هاتف ينقل الحقيقة أكثر مهنية من أساتذة وشيوخ المهنة.

خلال الأيام الماضية هناك من وصف ما يجري في سوريا بأنه حراك مشروع من المعارضة لاستعادة حق الشعب السوري بمواجهة نظام ديكتاتوري ظالم قاتل.

وهناك من وصفها بالمعارضة المسلحة المدعومة من تركيا وأمريكا وإسرائيل..

وهناك من وصفها بأنها جماعات إرهابية مسلحة مدعومة من تركيا وأمريكا وإسرائيل.. أيضا.

التصنيف الأخير جاء على ألسنة أساتذة كبار من أعلام مهنة الصحافة في مصر. ومع كامل احترامي وتقديري لهم كقامات صحفية تعلمنا منهم ونقرأ لهم تحليلات عميقة في الشأن المصري والشأن العالمي؛ لكنهم حصلوا على "صفر كبير" في الشأن السوري، يشبه تماما "صفر المونديال" الشهير الذي يعرفه جل المصريين عام 2004، وكان من علامات فشل نظام حسني مبارك وسبق انهيار نظامه.

وتماما كان انحياز كبار أساتذة الصحافة المصرية لنظام الديكتاتور في سوريا "صفر كبير" وعلامة على انهيارهم ربما بفعل فقدان أدوارهم، وتجاهل السلطات الحالية لهم وركنهم على جنب، مثل "لقمة خبز" ملقاة بجانب حائط مهجور أكلها النمل وغطاها التراب، ظنت أنها بسقوط المطر زال التراب وأنه بعودة الشمس خرجت مجددا من الفرن لتثير شهية الآكلين، لكن هيهات.
في الشأن السوري، غلبت عليهم توجهاتهم الفكرية، وأحقادهم السياسية، وكراهيتهم لتيار الإسلام السياسي في مصر وتونس وليبيا والسودان والأردن وحتى غزة قبل "طوفان" 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وتناسوا كل ما يتصل بكلمة "مهنية" أو أخلاق المهنة أو حتى قوانين الصحافة والإعلام، ولم يدركوا حقيقة المشهد السوري الحالي على الأرض ولم تتجاوز عقولهم المشهد السابق لتيارات متناحرة قبل سنوات

في الشأن السوري، غلبت عليهم توجهاتهم الفكرية، وأحقادهم السياسية، وكراهيتهم لتيار الإسلام السياسي في مصر وتونس وليبيا والسودان والأردن وحتى غزة قبل "طوفان" 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وتناسوا كل ما يتصل بكلمة "مهنية" أو أخلاق المهنة أو حتى قوانين الصحافة والإعلام، ولم يدركوا حقيقة المشهد السوري الحالي على الأرض ولم تتجاوز عقولهم المشهد السابق لتيارات متناحرة قبل سنوات، وتخيلوا أن الزمن الذي توقف بهم توقف بغيرهم، وهذا لا يعنيني كثيرا.

وما يعنيني هو أنهم للأسف الشديد ورغم أنهم من تراب مصر وطينها ومن شعبها المقهور، ويئنون أحيانا لآلام المصريين؛ تجاهلوا مشاعر السوريين وفرحتهم بهزيمة شبيحة الديكتاتور وأعوانه من هنا وهناك، وكما يتجاهلون آلاف المعتقلين في سجون ديكتاتور مصر، تجاهلوا فرحة نجاة آلاف السوريين من سجون كانوا فيها بعداد الموتى، وتناسوا فرحة أكثر من 6 ملايين سوري في الخارج يحلمون بالعودة لبيوتهم وحياتهم التي توقفت لسنوات، وستعود لهم مع أول نسمة هواء من سماء سوريا وتتجدد مع أول سجدة شكر على ترابها.

لقد عشت فرحة 4 شباب سوريين مهجرين في عمر أبنائي تركوا بيوتهم ومدارسهم وكتبهم، وفارقوا آباءهم وأمهاتهم وأخواتهم وحتى حبيباتهم، واضطرتهم الأيام للعمل المهين في كثير من الأحيان، عشت فرحتهم عندما صنعوا في دولة أوروبية "تبولة"، و"فتوش"، وعزموني عليه، ظنا منهم أنها المرة الأولى التي أتذوقها، لكني حكيت لهم عن رجال الأعمال السوريين الذي قابلتهم عام 2003، في "فيرا دي ميلانو" و"فيرا دي الرو"، وهما من أشهر المعارض الدولية في إيطاليا، وتذوقت معهم الأطعمة السورية لأول مرة في حياتي.

بالطبع أساتذتي الذين ينكرون على السوريين حقهم في التطهر من الظالم الديكتاتور، لم يروا شابا سوريا هاربا من الجحيم يستجدي لقمة عيش في بلاد الغربة ينفق على أم أو أخت، قد تكون عجزت عن الهروب من الجحيم أو هربت إلى جحيم آخر.

بالطبع أساتذتي الذين ينكرون على السوريين حقهم في التطهر من الظالم الديكتاتور، لم يروا فتاة سورية تعمل خادمة "تمسح سلالم"، في بلد أوروبي وزوجها في بلد أوروبي آخر، ومعها طفلتها، كيف عاشت؟ وكم لاقت؟ وحتى متى تصبر وتصمد؟ فهل ترضون ذلك أساتذتي على بناتكم؟ بالطبع: لا.

بل الأنكى، والمحزن، أن منهم واحد دافع "دفاع المستميت" عن نظام ديكتاتوري لا يختلف عليه إلا ديكتاتور مثله، عن نظام قتل الآلاف من شعبه بأبشع الطرق، جاءت مقالاته لتظهر صوت نحيبه على مستقبل الديكتاتور لا على مستقبل سوريا، وكأنه فقد مصدر رزقه ورزق عياله، وكأنه جاءته التعليمات من المقبورين الذين كانوا يعطونه التعليمات سابقا.

شخصيا سمعت شهادات الكثير من الشباب السوري الفار من الجحيم، وعشت بعض تجاربهم في إدلب بالذات وأبكوني حتى النحيب.

طبعا بعض أساتذتي الأجلّاء الذين يدافعون عن ديكتاتورهم السوري المفضل رغم أنهم قد يرفضون ديكتاتور ترامب المفضل، لم يروا شيئا من هذا، ولو رأوه سيتجاهلوه بعدما فقدوا مشاعر الإنسانية والرحمة بشعب يباد لأكثر من 13 سنة، ويدافعون عن ديكتاتور، لأنه قتلهم التصنيف الأعمي وحجر قلوبهم كره كل ما يشير إلى دين أو إسلام أو حكم إسلامي محتمل، ويتدخلون في المشهد السوري بدعوى خوفهم من مسلحين سوريين يصمونهم بالإرهاب.

يا سادة أيا كانت انتماءات من يواجهون نظام الديكتاتور الذي قتل شعبه بكل أنواع القتل وجلب لهم مليشيات من أراذل البشر، يجب أن تكون مقاييسكم الشعب، والإجابة على هذه التساؤلات:

هل لفظهم الشعب السوري أو أعلن رفضهم أو تبرّم من وجودهم؟ هل ظلموا أحدا أو اشتكى منهم شاكٍ؟ بالطبع لا، فالشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي تنقل الفرحة التي تعم الشوارع لحظة بلحظة، ولقاء المسجونين بذويهم الذي يبهج القلوب، إلا المرضى منها.

كما أنه يا سادة الصحافة المصرية سابقا وأجلّاء الإعلام المباركي السابق، من المهنية والحرفية ومن المبكر جدا إصدار الأحكام على من تسيّدوا المشهد السوري الآن، والحكم عليهم للشعب السوري فقط، وليس لأي مصري.

عذرا أساتذتي: فمن يحررون دمشق الآن من الطغيان ومن أعادوا لمآذنها نداء الحق ولشوارعها البهجة يستحقون "10 على 10"، والشعب السوري يستحق الحرية، وأنتم لا تستحقون إلا "صفرا كبيرا"، وفوقه حاكم ديكتاتور.
التعليقات (0)