هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في بيان ردت فيه وزارة الري المصرية، الثلاثاء الماضي (20/ 04/ 2021) على قيام إثيوبيا بفتح المخارج المنخفضة في السد؛ تمهيدا لأعمال التعلية المطلوبة للملء الثاني، وعددها اثنان، وحسب البيان فإن الادعاء بقدرتهما على السماح لتصريفات النيل الأزرق؛ ادعاء خاطئ، فالقدرة الحالية لا تتعدى 50 مليون م3 في اليوم للفتحتين، وهذه لا تكفي احتياجات دولتي المصب؛ السودان ومصر، ولا تفي احتياجات النيل الأزرق.
وبناء على ما أعلنه الجانب الإثيوبي، فإن الملء الثاني واحتجاز كميات كبيرة من المياه؛ يؤثر بدرجة عالية على نظام النهر، فالمتحكم في الملء هي المخارج المنخفضة، ويكون الوضع أكثر تعقيدا مع بدء الفيضان (شهر تموز/ يوليو القادم) فالفتحات تقوم بتصريف أقل من المعتاد في شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس، ويعني معاناة السودان ومصر إذا ما كان الفيضان متوسطا، والوضع يزداد سوءا إذا جاء الفيضان منخفضا، ومن ثم يصبح وجود اتفاق قانوني ضروريا وملزما، وتحديد آلية التنسيق بوضوح.
وطبقا للبيان، فإن ما سبق في عامي 2012 و2015؛ بطلب مصر زيادة الفتحات؛ لتوفير احتياجات دولتي المصب، وكان الطلب مصحوبا بعرض تمويل التكلفة الزائدة، وبمرونة أكبر في الملء والتشغيل، والتعامل مع اختلاف حالات الفيضان والجفاف، وأخطر ما في البيان هو عدم مطابقة السد للمواصفات العالمية، ومواصلة البناء بطريقة غير سليمة، وإلغاء 3 مخارج توربينات بعد تركيبها، وانخفض عددها من 16 توربين إلى 13، وأزيلت الأجزاء المعدنية للفتحات، وعدم صب الخرسانة بطريقة متجانسة في أجزاء السد المختلفة، وأشار البيان لشبهات فساد؛ أوقفت العمل أكثر من مرة!!
واختتمت وزارة الري بيانها بتأكيد مرونة مصر الكبيرة طوال سنوات التفاوض العشر الماضية؛ للوصول لاتفاق قانوني عادل وملزم، وشروع إثيوبيا في الملء الثاني منفردة يعني استمرار فرض الأمر الواقع، واتخاذ الإجراءات الأحادية، التي تلحق الأضرار بمصالح دولتي المصب، وتَعمُّد عدم الوصول لآلية تنسيق؛ قانونية عادلة وملزمة لكل الأطراف.
هذا وكانت وصلت إلي عبر بريدي الإلكتروني وجهة نظر الأكاديمي الوطني وأستاذ الجيولوجيا د. يحيى القزاز، ورأيت من المفيد عرضها لأهميتها، وقد استهلها بالقول: «حاولت كتابة مقال عن السد الإثيوبي، فوجدت نفسي أقتبس من مقالك الآخير (مقال كاتب السطور) الكثير عن اتفاق المبادئ من وجهة نظرك، واقتبس من حوار د. أحمد المفتي عن توقيع اتفاق المبادئ الذى قنن أوضاع السد، وتَحَوُّله من سد غير مشروع دوليا إلى سد يكتسب مشروعية قانونية، وقوى ذلك موقف إثيوبيا في المفاوضات، فأنكرت حق مصر والسودان في مياه النيل الأزرق، وألغت الاتفاقيات التاريخية، وصِيغ اتفاق المبادئ بما يحقق مصالح إثيوبيا فقط، ولم ينص على الأمن المائي، ومَثَّل ذلك ضعفا قانونيا لكل من المفاوض المصري والسوداني، وكشف عن قصور مصري سوداني 100٪؛ تجاهلا متطلبات المشروعات المائية على الأنهار الدولية؛ أهمها الإطار القانوني، والاشتراطات الفنية قبل التنفيذ.
وحسب القزاز ذلك ورد في حوار د. المفتي؛ خبير القانون الدولي، والعضو المستقيل من اللجنة الدولية للسد الإثيوبي؛ في حواره مع صحيفة (المصري اليوم) في 12 كانون الأول/ديسمبر 2015، بالإضافة لتحذيرات خبيرة القانون الدولي وترسيم الحدود د. هايدي فاروق، وما ذكره الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل مع لميس الحديدي عما يحاك للنهر منذ القدم من إثيوبيا، والمؤامرات على مصر إبان حكم عبدالناصر. وهدف القزاز «محاولة عمل ملخص يسمى في لغة العلم ملخص الأبحاث السابقة؛ كمقدمة ومدخل وولوج لما يليه من إضافة، وهذا تطوير لما سبق تدوينه، ويجعل الموضوع وحدة واحدة شاملة؛ بدلا من مقالات متكررة مشتتة».
يقول: أمسكت بالقلم، وأعترف أنني لم أستطع، فأنا باحث في العلوم الجيولوجية وليست السياسية، وقررت الكتابة إليك موضحا وجهة نظري، وهي أولا اتفاقي مع كل ما طرحت؛ بداية بسحب التوقيع على اتفاق المبادئ، وهو حجر الزاوية والمدخل الصحيح إن أردنا حل أزمة السد الإثيوبي، وليس عملا مسرحيا يُلهي الشعب عن حقه ويُبعده عن مستحقه الآني؛ نوع من الإلهاء بـ«تحيا مصر» وتعتيم على فساد مستشرٍ، وعلى قروض أغرقتنا في قاع بركتها الآسنة، وتضليل كي لا نرى الحقيقة عارية فنصرخ ونثور، وأشار لخلافه مع كاتب هذه السطور في دعوته لانتخابات رئاسية مبكرة، وفيما ذكر عن رئاسة غير مؤهلة لخوض حرب مع إثيوبيا.
المعركة مع إثيوبيا ليست معركة مياه ولا معركة حياة؛ إنها معركة سيادة دولة، واستقلال وطن، والدول الحرة لا تموت من الجوع والعطش، لكنها تموت عندما تفقد إرادتها وسيادتها واستقلالها
وبالقياس نفسه، يرى القزاز مصر غير مؤهلة للانتخابات الرئاسية، وما الماضي عنا ببعيد؛ يذكرنا بانتخابات الرئاسة الأخيرة، فما حدث سيحدث، ونخسر ما ننفقه على انتخابات نتيجتها معروفة سلفا، والرهان صالح؛ حين تكون الدولة حرة، والسجون فارغة من أصحاب الرأي والمواجهة. وبقيت له وجهة نظر تتلخص في الآتي:
أولا؛ المعركة مع إثيوبيا ليست معركة مياه ولا معركة حياة؛ إنها معركة سيادة دولة، واستقلال وطن، والدول الحرة لا تموت من الجوع والعطش، لكنها تموت عندما تفقد إرادتها وسيادتها واستقلالها. ومعركة النهر معركة مؤجلة لأجيال قادمة. والحقوق لا تسقط بالتقادم؛ مادام أصحابها أحرارا يعملون على استردادها.
ثانيا، ما تفعله إثيوبيا ليست بلطجة؛ إنه انتقام هدفه تدمير دولة، أسوا من الاحتلال، فالمحتل يسلب خيراتك ويتركك، أما إثيوبيا تريد قتل الإنسان وتصحير الأرض، وهذا يتطلب الحرب لأنه يشكل اعتداء علينا، لكن الحرب في دولة غير مؤهلة تأتي بالخراب، وموقف القزاز الرافض للحرب، كما قال، سببه عدم جاهزية الدولة بمفهومها الكبير؛ شعب وسلطة ومؤسسات، ويخشى على الأرض بموقفه الرافض؛ ليس لضعف في الجيش ولا عدم ثقة فيه، ولكن لانقسام المجتمع، وإحلال الثأر القبلي محل الوئام الوطني، فالجيش هُزِم في 1967 وانتصر في 1973؛ بفضل وقوف الشعب خلف جيشه. ويخشى القزاز حربا تكون لتصفية حسابات داخلية، فنخسر الداخل والخارج. وإذا كانت الرئاسة غير قادرة على سحب توقيعها على اتفاق المبادئ، فهل لها أن تركب الصعب وتحارب؟ وهي دائما تستدعى الهزائم لبث اليأس في النفوس، وإحباط معنويات الشعب والجيش.
ثالثا؛ طرح القزاز سؤال ما هو الحل؟ واقترح خطة عمل؛ تستعيد ما قُقِد من القوى الناعمة، بشرط دعم الحكم ومساعدته، والبدء بالنظر إلى الخريطة، وموقع إثيوبيا الجغرافي، فنراها دولة غير ساحلية؛ تقع في حضن الصومال (وهي المفترض دولة عربية)، وبإثيوبيا أكبر عدد من السكان بعد نيجيريا، ويحدها من الشرق جيبوتي والصومال (دولتان عربيتان)، ومن الشمال إريتريا، ومن الشمال الغربي السودان، وفي الغرب دولة جنوب السودان، ومن الجنوب الغربي كينيا. وأغلب الدول المحيطة بإثيوبيا دول عربية؛ لا منفذ لها على البحر الأحمر إلا من خلال إريتريا أو الصومال أو جيبوتي، وبفرض أن إريتريا تمنحها منفذا بحريا، فهي بدورها يحدها اليمن من الغرب، وسواحل اليمن والسعودية من الشرق، والتلويح بقطع العلاقات مع إريتريا إذا ما ساعدت إثيوبيا.
وحسب خطة القزاز؛ تصبح إثيوبيا محاصرة عربيا، ويكون النهر مقابل البحر في ظل الضعف الحالي؛ بالرغم من أن حقنا في النهر لا يجب المساس به، ولا المساومة عليه. ويراها خطة عمل بسيطة؛ إن أخذت بها الرئاسة تكون قد اختارت الأسهل، وفيها إثبات حسن نية. بالرغم من قناعاته بأن من فَرَّط طوعا لا يمكنه استرداد ما فرط فيه غصبا!!. وانتهى إلى ما قيل عن الصدع الجيولوجي وتأثيره السلبي، فقال: ذلك مردود عليه، فعند إنشاء السدود والأنفاق، تكون الدراسات الجيولوجية وبالذات التركيبية، والتحركات الأرضية مهمة للغاية، فما يُبنى سد لا حمام سباحة، ومجرى الصدع بعيد عن منطقة السد، ولا أحد يضمن عدم حدوث زلازل أرضية، ولا أحد يعرف متى؟ ويحسب لها المختصون الحساب في الإنشاءات والمباني.
هذا تبيان لرؤية علمية وعملية لأكاديمي وطني؛ رأيته مهما، للتعرف على ما يدور في خلد مثقفين ومفكرين وأكاديميين وطنيين؛ لم يسقطوا في مستنقعات الفساد الآسنة، والقزاز أحد طلائعهم؛ يخضع للملاحقة والمنع من الكتابة وإبداء الرأي فيما يُرتكَب في حق الوطن والمواطن والعلم والقيم والتاريخ، ويدفع ثمن ذلك راضيا محتسبا!!
(القدس العربي)