هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
حذر نائب وزير الخارجية التركي ياووز سليم قيران مؤخرا من وجود مساع ومحاولات أوروبية لتشكيل "إسلام أوروبي مصطنع"، ولفت قيران الانتباه إلى أن "ظاهرة معاداة الإسلام باتت خطرا ممنهجا وبنيويا لا مجرد مسألة موسمية عابرة، وأن معاداة الإسلام وصلت إلى مستويات لا يمكن تجاهلها، وباتت تشكل خطرا متزايدا".
حديث المسؤول التركي جاء في كلمة ألقاها خلال اجتماع للجنة الفرعية للتحقيق والبحث في قضية العنصرية وكراهية الإسلام "الإسلاموفوبيا" في الدول الأوروبية، المنضوية تحت لجنة التحقيق بقضايا حقوق الإنسان في البرلمان التركي، وفق تغطيات صحفية.
تصريحات قيران تثير تساؤلات حول حقيقة معاداة الإسلام في أوروبا، وحول الجهات والقوى التي تقف خلفها، وهل باتت بالفعل تشكل خطرا ممنهجا وبنيويا وليست مسألة طارئة وعابرة، وما مدى مطابقة ما قاله المسؤول التركي حول وجود مساع ومحاولات أوروبية لتشكيل "إسلام أوروبي" لواقع الحال هناك؟
في مناقشته للأسئلة المثارة استبعد الكاتب والباحث السوري، المقيم في النمسا، أحمد الرمح "وجود توجهات أوروبية حقيقية باتجاه صناعة وتشكيل إسلام أوروبي، وما يمكن التأكيد عليه هو وجود اتفاق أوروبي على ضرورة انسجام أي مسلم يقيم على أراضي الاتحاد الأوروبي مع القيم الأوروبية بحيث لا يشكل ظاهرة ضدها، وأن لا يقوم بسلوكيات عنفية أو إرهابية ضد هذه القيم".
أحمد الرمح.. كاتب وباحث سوري مقيم في النمسا
وقال الرمح في حواره مع "عربي21": "من المعلوم أن ثمة صراعا ناعما أو باردا بين الاتحاد الأوروبي وتركيا من خلال ما يُطلق عليه في أوروبا "الظاهرة الأردوغانية"، وقد أصبحت في الآونة الأخيرة موجودة كثيرا، سواء أكانت في سلوك صاحب القرار أو في الإعلام، وباتت محل اهتمام كبير لدى صانع القرار في أوروبا".
وتابع: "ولا يزال اليمين في أوروبا يستخدم "الإسلاموفوبيا"، خاصة في المواسم الانتخابية لحصد بعض الأصوات، كما يستغل في الوقت نفسه بعض مظاهر الإرهاب التي حدثت مؤخرا في فرنسا وغيرها ليقول إن المسلمين يشكلون خطرا على أوروبا بعد أن أصبحت نسبتهم واضحة في الاتحاد الأوروبي".
ولفت الرمح الانتباه إلى أن "آخر ما حدث في هذا الاتجاه هو ما سُمي بالخريطة الإسلامية، أي تحديد كثافة التواجد الإسلامي في بعض المناطق الأوروبية، وقد بدأتها النمسا ثم حذفتها لاحقا لأن اليمين استفاد منها كثيرا، وبدأ يضع شعارات تحذر من وجود المسلمين في تلك المناطق، وهو ما اعتذرت عنه النمسا فيما بعد".
وأشار إلى أن "الخلافات الأوروبية التركية هي وراء مثل هذه التصريحات، خاصة بعد أن بات يُنظر إلى أردوغان في الاتحاد الأوروبي على أنه يمثل رمزية وقيادة للإسلام السياسي السني".
ووفقا لمراقبين فإن خلافات الدول العربية والإسلامية تنعكس بشكل مباشر على الجاليات المسلمة المقيمة على أراضي الاتحاد الأوروبي، بحيث تشكل تلك الدول كإيران وتركيا والسعودية مرجعيات دينية لتلك الجاليات، وهو ما يظهر بصورة صراع نفوذ وهيمنة على الشؤون الدينية بكل ما يتعلق بها ويتبعها من مساجد ومراكز إسلامية في أوروبا.
وهو ما يكشف عن خلفية تصريحات نائب وزير الخارجية التركي، ياووز قيران، و"التي تأتي في سياق الصراع السياسي الأوروبي التركي بشأن بعض الملفات الإقليمية، خاصة ما يتعلق منها بالدور التركي في النزاعات في بعض الدول العربية كليبيا وسوريا، والخلاف البحري اليوناني التركي في البحر الأبيض المتوسط وقضايا اللاجئين والهجرة".
من جهته قال الداعية الأردني، الذي يعمل إماما وخطيبا في السويد، فكري المسكاوي إن "أوروبا والغرب بصفة عامة يسعون جاهدين لصنع ما يسمى بالمسلم (الكيوت) أو الإسلام الحداثي، وهذا التوجه ظاهر في إعلامهم منذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، ومن مشاريعهم وبرامجهم المقترحة في هذا الإطار برنامج إعادة تأهيل الأئمة".
وأضاف: "يتمثل ذلك البرنامج بتأهيل الأئمة بشكل يتوافق مع القيم الاجتماعية السائدة في المجتمعات الغربية كالمثلية الجنسية، وحرية العلاقات الجنسية بين الذكور والإناث، وعدم الدعوة إلى الحجاب الشرعي، والإيمان بالحريات الأربع التي تقوم عليها الديمقراطيات الغربية، وهي حرية الاعتقاد، وحرية الرأي، وحرية التصرف، وحرية التملك، وما إلى ذلك من مسائل أخرى تخلع المسلم من الضوابط الشرعية في السلوك والممارسات" على حد قوله.
وتابع لـ"عربي21": "وعليه فقد تم تشكيل لجنة أوروبة باقتراح ألماني وبمشاركة أمريكية من أجل إيجاد مثل هذا النموذج لإعداد وتهيئة أئمة يسيرون على هذا المنهج، وقد قامت هذه اللجنة في العام 2005 فيما أذكر بزيارة إلى كوسوفو التقوا فيها بالشيخ مصطفى سيريتش أحد كبار علماء البلقان، وكان مما أشارت إليه الصحف وجود مقترح بأن تصبح كوسوفو مركزا لإعداد الأئمة خصوصا بعد الالتقاء بالشيخ مصطفى الذي له باع طويل في الاندماج بالحضارة الغربية حتى إن ابنته تسير في شوارع كوسوفو باللباس الأوروبي على حد تعبيرهم".
وأبدى المسكاوي أسفه "لأن هناك من المسلمين والمؤسسات الإسلامية من يتجاوب مع مثل هذه الدعوات ويروج لها طمعا في مكاسب شخصية أو مؤسساتية، وهناك العديد من الأنشطة التي قامت بها عدد من المؤسسات الإسلامية بدعم حكومي كامل لترسيخ مفاهيم الانفتاح غير المنضبط، وإقامة مخيمات مختلطة للشباب والفتيات، مسلمين وغير مسلمين، تحت عنوان (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) من غير ذكرهم لنهاية الآية لأنها تنسف مثل هذه المفاهيم".
وأردف: "وقد كان أظهر وأبرز معالم هذا المخطط ما تقوم به الحكومات الغربية تجاه المؤسسات الإسلامية والأئمة الذين ما زالوا متمسكين بثوابت الدين والدعوة إليها، ففي ألمانيا تم إبعاد إمام مسجد النور في برلين منذ بدايات القرن الحادي والعشرين، وكذلك تم إبعاد كثير من الأئمة من إسبانيا وفرنسا، وفي السويد قامت المخابرات السويدية بمساندة الحكومة في محاولة إبعاد عدد من الأئمة بعد سجنهم ستة أشهر، وتهمتهم هي أنهم سبب في تشدد المجتمع طبعا، كل ذلك لمجرد التزامهم بتعاليم الإسلام الذي يعدونه من وجهة نظرهم تشددا".
وذكر المسكاوي أنه "على الرغم من كل هذا الاعتداء السافر على الإسلام ورموزه الداعية إليه، إلا أنهم لم يجدوا من المؤسسات الإعلامية في العالم الإسلامي سندا يتبنى قضيتهم رغم العديد من الرسائل والمخاطبات الموجهة للفضائيات العربية الإخبارية التي أصمت آذانها عن هذه القضية".
ووصف "الممارسات الرسمية تجاه المسلمين في الغرب رغم ما يمثله ذلك من تمييز عنصري على أساس الدين، وانتهاكا لحقوق الإنسان التي يخدعون بها العالمين العربي والإسلامي، بأنها أصبحت معلما بارزا وواضحا، وللأسف الشديد فإن منظمات حقوق الإنسان أيضا في الغرب لا تتعامل مع هذه المسائل كما تتعامل معها في الشرق الأوسط، وكأن ممارسة الظلم تختلف باختلاف الدول، فإن كان الظلم والتمييز غربيا فهو ليس بشيء، ويجوز غض الطرف عنه، وأما إن كان الظلم عربيا فيجب إدانته وإثارة موضوعه في وسائل الإعلام".
ودعا في ختام حديثه إلى "أهمية اضطلاع المؤسسات الإعلامية في العالم الإسلامي بمهمة تعرية هذه الممارسات وفضحها على قدم المساواة مع ما تقوم به من فضح ممارسات الظلم في العالم الإسلامي".