هذه رسالتي لكم ولكل أهل المحنة ممن ثبتوا على الحق وصبروا على ما أصابهم من لأْوَاءَ، كل بسهمه وقدره:
لم يكتب القاضي بداية آجالنا حتى يكتب نهايتها، ولم يكتب الظالم قدر أعمارنا حتى يعجل بنهايتها.
فكان وما زال ربكم قديراً، لا يحدث في كونه إلا ما أراد، "وكل شيء عنده بمقدار". وما علمنا في تقديره إلا الخير، ولا في تدبيره إلا الحكمة، ولا في تصريف شئون خلقه إلا اللطف والرحمة.
ونحن وإذ نعبد ربا قديراً عظيماً حكيماً فإننا نوقن أن الأمور بيده وحده لا شريك له، وأنه كتب الآجال قبل بدء الخليقة. قال تعالى: "لكل أجل كتاب". وفي الحديث: "أولُ ما خلق اللهُ القلمُ فقال له: اكتبْ فقال: يا ربِّ وما أكتبُ؟ قال: اكتب القدرَ ما هو كائنٌ من ذلك إلى قيامِ الساعةِ".
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوعي، أنَّ نفساً لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ أجلَها".
ونوقن كذلك بأن أولادنا وإخواننا وأحبتنا من أطهر من مشوا على الأرض، فلم يغرسوا إلا خيراً، ولم يتركوا إلا فضلاً، ولم يظلموا أحداً من خلق الله، ولم يسعوا لمكانة أو مقام، وإنما عاشوا سعاة لمرضاة ربهم، ورفعة راية دينهم، وحمل الخير لأُمتهم.
فاطمئنوا فهم في رعاية الله وعنايته، إن عاشوا فهم السعداء، وإن قضوا فهم الشهداء، ووالله إن الموت مع أمثال هؤلاء حينما يقدر الله لأحب إلى نفوسنا من الحياة المديدة مع غيرهم.
اطمئنوا فقد أراد الطغيان تغييبهم عن الحياة حتى لا يرى في نصاعة وجوههم دمامة أفعاله، وقبح مسلكه، ولكن الله أراد لهم خلود الذكر وخلود الأجر.
اطمئنوا فهم الخالدون وليس الطغاة، هم الباقون إلى الأبد في نفوس الأحرار وليس القضاة .
اطمئنوا فلم يكن رجالكم في صراع لعب ولهو، ولم يكونوا ضحية نزوة أو شهوة، ولكن كانوا وسيظلوا للحق دعاة، وللأمة رواداً، يحفرون لها بأيديهم أنفاق التحرر من العبودية، ويتصدرون عنها مقاومة نيران الطغيان وغلواء الحقد وسعير الاستبداد، وما سلكوا هذا الطريق إلا وهم يعرفون غايتهم، ويدركون عظم مهمتهم، فكانوا وسيظلوا بإذن الله حتف الباطل المؤكد، ومصيره البئيس.
اطمئنوا فلن تضيع جهودهم عبثاً، ولن تذهب تضحياتهم هباء، ولكن الله تعالى سينفخ في غرسهم المبارك ليكون نوراً تستضيء به الأمة كلها عبر أجيالها، وسيجعلهم الله تعالى نبراساً للباحثين عن سبل الهداية ومعارج التمكين.
اطمئنوا فلم يترك أحد لأبنائه ذُخراً، ولا عزاً، ولا فخراً، كما ترك أباؤكم وأزواجكم وإخوانكم لأبنائهم وأحفادهم من العز الدائم، والمقام الراقي والمنزلة الرفيعة، والشرف الأسمى.
اطمئنوا فقد توكل ربكم بحقهم وحقكم، ووالله إن ما أعده الله تعالى للظالمين لا يخطر على بال مظلوم، ووالله ليستوفى لكم الله حقكم حتى يشفي صدوركم، ويذهب غيظ قلوبنا وقلوبكم.
اطمئنوا فلن يتركوا نَفَساً قدره الله لهم، ولن يتركوا خطوة كتبها الله عليهم، ولكنه قضى سبحانه بتخليص نفوسهم له وهم أحياء، وتصفية قلوبهم له فهم أصفياء.
ارفعوا رؤوسكم فأنتم للشرف عنوان، فما دُنست ثيابكم، وما لُوثت أيديكم، وما زادت سمعتكم إلا وضاءة وطُهراً.
اطمئنوا: فسيجعل الله تعالى لنا ولكم من الضيق مخارج، ومن الهموم مفارج. وستفرح الأمة بسعة رحمة ربها، ولطيف تقديره، ووافر منته، وعظيم عطائه.
أما رسالتي إلى غيركم من الأحزاب والتنظيمات والتيارات والتكتلات والشخصيات، فلي ولهم شأن آخر.