هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "إيكونوميست" مقالا قالت فيه؛ إن الفندق الكبير الواقع في شارع رينغستراس في فيينا، الشارع الرئيسي الأنيق في المدينة، يعدّ مكانا رائعا للدبلوماسية النووية. إنه ليس مجرد محيط فخم وقهوة غير محدودة. فقد كان الفندق أيضا المقر الرئيسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية (iaea)، وهي المؤسسة الرقابية الدولية للطاقة الذرية، لمدة 22 عاما حتى عام 1979. ومع ذلك، فإن الدبلوماسيين الذين اجتمعوا هناك في ست جولات من المحادثات منذ نيسان/ أبريل، كان آخرها في 20 حزيران/ يونيو، لم يحالفهم الحظ حتى الآن، وربما ينفد الوقت.
وتتفاوض أمريكا وإيران - بشكل غير مباشر، عبر بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي – على كيفية إحياء الاتفاق النووي متعدد الأطراف، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (jcpoa) ، التي تم توقيعها في عام 2015 وانسحب منها الرئيس دونالد ترامب بعد ثلاث سنوات. وردا على العقوبات الأمريكية، انتهكت إيران بنود الاتفاقية من خلال اختبار أجهزة طرد مركزي متطورة وتكديس اليورانيوم المخصب، من بين خطوات أخرى محظورة. وقدرت وكالة الطاقة الدولية في أيار/ مايو أن إيران أنتجت أكثر من 3000 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 5%، وهو ما يكفي لعدة قنابل إذا تم تخصيبها بشكل أكبر. كما تم تخصيب أكثر من 70 كغم الآن بنسبة تزيد عن 20%، وهو ما يمثل معظم الطريق إلى مستوى تصنيع الأسلحة.
على مدار العام الماضي، قالت كل من أمريكا، في عهد الرئيس جو بايدن وإيران، إنهما على استعداد للعودة إلى شروط الصفقة الأصلية إذا فعل الطرف الآخر ذلك أيضا. وقال نائب وزير الخارجية الإيراني بعد الجولة الأخيرة: "نعتقد أن جميع وثائق الاتفاقية تقريبا جاهزة"، وأن هناك "مستوى جديدا من التفاؤل"، وهو ما أثار حماسة مبعوث الاتحاد الأوروبي لدى الأمم المتحدة في 30 حزيران/ يونيو. وتعتقد وزارة الخارجية الروسية أن الصفقة قد يتم إبرامها بحلول 14 تموز/ يوليو، الذكرى السادسة لتأسيس الاتحاد. ومع ذلك، فإن إعادة الشروط الأصلية ليس سهلا كما يبدو، لأن الظروف تغيرت كثيرا في ست سنوات.
ومما لا يساعد، هو كون إيران في خضم عملية انتقال سياسي. من المقرر أن يحل إبراهيم رئيسي، القومي المتشدد، محل حسن روحاني، البراغماتي، كرئيس لإيران في الثالث من آب/ أغسطس. رئيسي وحلفاؤه أكثر عداء لأمريكا والغرب من الحكومة الحالية. هذا لا يعني أن الصفقة مستحيلة - فقد كان رئيس متشدد آخر، محمود أحمدي نجاد، هو الذي بدأ المحادثات التي أدت في النهاية إلى اتفاقية jcpoa. لكن انتخاب رئيسي يعقد الأمور.
إن حكومة روحاني لديها "حافز ضئيل للغاية" لتكريس شهرها الأخير في السلطة للدبلوماسية المحمومة، كما تقول أنيسة بصيري تبريزي من المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث بريطاني. ستكون أي مكافآت سياسية بعيدة المنال، لأن الانتخابات المقبلة - بالنسبة للبرلمان الإيراني - لن تكون مستحقة قبل ثلاث سنوات. كما لا يوجد أي ضمان على أن الحكومة الجديدة ستنفذ بالكامل أي صفقة ترثها، كما تقول تبريزي.
السياسة الداخلية الإيرانية ليست العقبة الوحيدة في طريق التوصل إلى اتفاق؛ فقد حذر مسؤول أمريكي كبير تحدث للصحفيين الشهر الماضي دون الكشف عن هويته: "لا تزال لدينا خلافات جدية لم يتم حلها بعد.. سواء كانت الخطوات النووية التي يتعين على إيران اتخاذها للعودة إلى الامتثال، أو تخفيف العقوبات الذي ستقدمه أمريكا، أو تسلسل الخطوات التي سيتخذها الجانبان".
يقبل كلا الجانبين الآن أنه بإمكانهما العودة إلى الصفقة في سلسلة من الخطوات المتزامنة بدلا من انتظار قيام الطرف الآخر بكل شيء أولا. لكن إيران قالت إنها تريد من أمريكا رفع جميع العقوبات التي فرضها ترامب. ترد أمريكا بأنها لن ترفع إلا العقوبات التي تغطيها اتفاقية jcpoa. وكانت إدارة بايدن قد فرضت عقوبات جديدة في آذار/ مارس على عضوين في الحرس الثوري الإسلامي. يقول هنري روما من مجموعة أوراسيا الاستشارية؛ إن هذه الأنواع من العقوبات، "غير المنطقية اقتصاديا ولكنها شديدة الحساسية من الناحية السياسية"، هي الأكثر تحديا. وهي تشمل تصنيف أمريكا للحرس الثوري على أنه جماعة إرهابية، والعقوبات ضد رئيسي نفسه.
في 30 حزيران / يونيو، قال مجيد تخت روانجي، سفير إيران لدى الأمم المتحدة؛ إن بلاده تريد "تأكيدات بأن ... أمريكا لن تنسحب مرة أخرى من اتفاقية jcpoa". ويقول المسؤولون الأمريكيون إنه سيكون من المستحيل توفير مثل هذا اليقين، لأسباب ليس أقلها أنه لا يمكن تحويل الاتفاقية إلى معاهدة ملزمة دون دعم من ثلثي مجلس الشيوخ. ويعارض الجمهوريون، الذين يشكلون نصف المجلس، الاتفاق بمرارة. وعلى أي حال، فقد أظهر ترامب أيضا أن الرئيس يمكنه أن ينسحب من المعاهدات القائمة منذ فترة طويلة.
ولدى الدول الغربية شكاويها الخاصة، فهم يجادلون بأنه على الرغم من أن إيران صورت انتهاكاتها للاتفاقية على أنها علاجية وقابلة للعكس، فقد اكتسبت أيضا معرفة قيمة من خلال تشغيل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة وتصنيع معدن اليورانيوم (الشكل الصلب المستخدم في المفاعلات أو القنابل، على عكس المركب الغازي المستخدم في أثناء التخصيب). كان من المفترض أن تؤجل الاتفاقية مثل هذا النشاط إلى سنوات لاحقة، مما يؤدي إلى إبطاء تقدم إيران النووي.
وتريد أمريكا الآن أن توافق إيران على محادثات المتابعة التي لن تمدد بنود الاتفاق فحسب، بل ستغطي أيضا قضايا مثل الصواريخ الباليستية الإيرانية ودعم الجماعات المسلحة في المنطقة. يقول رئيسي إن هذه الأشياء "غير قابلة للتفاوض".
المأزق خطير بشكل خاص لأن إيران مصممة على تعزيز نفوذها، ليس فقط من خلال التوسع المستمر في نشاطها النووي، ومن ثم تقليص الوقت الذي يستغرقه تصنيع قنبلة، ولكن أيضا من خلال التهديد بجعل برنامجها أقل شفافية. ففي شباط/ فبراير، تخلت إيران عن العديد من أحكام التفتيش الصارمة التي تفرضها الاتفاقية، مثل تركيب الكاميرات في المواقع النووية، لكنها وافقت على الفور على "تفاهم فني مؤقت" مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يمكنها من الوصول المحدود إلى المواقع.
تم تجديد هذه الإجراءات المؤقتة مرتين لكنها انتهت في 24 يونيو، بعد أيام من انتهاء المحادثات الأخيرة في فيينا. لم تقرر الحكومة الإيرانية بعد ما إذا كانت ستمددها - وتلمح إلى أنها قد تحذف البيانات الموجودة على الكاميرات. قد تكون النية هي جعل أمريكا تتعرق، لكنها بالتأكيد تقوض الثقة. في الأول من تموز/ يوليو، ذكرت وكالة رويترز للأنباء، أن إيران فرضت قيودا على وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى موقعها الرئيسي للتخصيب في نطنز، في أعقاب التخريب الإسرائيلي المشتبه به في نيسان/ أبريل.
على الرغم من كل الحديث الإيجابي الصادر عن فيينا، هناك أيضا قلق بشأن مدى ارتفاع المخاطر. يقول ميخائيل أوليانوف، مبعوث روسيا؛ إن تجديد التفاهم بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية من شأنه أن "يجنب الشكوك التي يمكن أن يكون لها آثار سلبية غير مبررة على المدى الطويل". وكان مارك فيتزباتريك، دبلوماسي أمريكي متقاعد، أكثر صراحة: "إيران تلعب بالنار".