هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم يكن الطريق مفروشا بالورد أمام استعادة الفلسطينيين لعشرات الأثواب الفلاحية المطرزة التراثية وكمالياتها من الولايات المتحدة الأمريكية بعد إبعاد قسري استمر 35 عاما.
وكانت هذه المجموعة التاريخيّة من الأثواب الفلاحية وعددها 83 ثوبا فلاحيا وإكسسواراتها، وقطعًا تراثية أخرى مُطرّزة يقدر عددها بـ 240 قطعة تراثية؛ قد ارتحلت من فلسطين إلى الولايات المُتّحدة الأمريكيّة قبل ثلاثة عقود، إذ تمّ اقتناؤها وحفظها من قِبل سيّدات فلسطينيّات وعربيّات ـ أمريكيّات، من لجنة الحفاظ على التّراث الفلسطينيّ (CPPH)، في العاصمة الأمريكيّة واشنطن، وقد عملت السيّدات، بلا كللٍ، على تقديم وعرض الأثواب للعالم في المعارض التي أُقيمت في جميع أنحاء الولايات المتّحدة الأمريكيّة، ليقرّرن لاحقًا أنه يجب حفظ هذه المجموعة في متحف فلسطيني في بلدها الأم، وهو ما حصل.
وتقول د. عادلة العايدي ـ هينة، مدير "المتحف الفلسطيني" الذي أشرف على جلب هذه القطع التراثية وإيصالها إلى فلسطين مؤخرا لـ "عربي21": "إن وصول هذه المجموعة التاريخيّة إلى المتحف الفلسطيني هو إنجاز هامّ ونوعي في مسيرة المتحف وفي مسيرة الحفاظ على الهويّة والتراث الفلسطيني".
عادلة العايدي .. مدير المتحف الفلسطيني
وأضافت: "ستكون هذه المقتنيات الهامّة من التراث المادّي الثقافي الفلسطيني مادّة متحفيّة تُحفظ بعناية، لتُنتج من خلالها المعرفة حول التاريخ والمجتمع الفلسطيني، وحول الممارسات الثقافيّة والمجتمعيّة للمرأة الفلسطينيّة".
وأشادت العايدي بدور كلّ الداعمين لهذه لحملة استعادة هذه الاثواب لا سيما السيّدات اللّواتي حافظن عليها طيلة هذه السنوات.
وأضافت: "هذه المجموعة تُضاف إلى هبة مكوّنة من مجموعة تراثيّة من أثواب وحُليّ قدّمتها المقتنية الدكتورة نبيلة النشاشيبي، التي تقيم في فرنسا".
وأوضحت أن فريق المتحف المختصّ، وفور وصول هذه الأثواب إلى غرفة المجموعات الآمنة والمجهّزة بأحدث التقنيات، بدأ بترميم المجموعة ورقمنتها، والبحث في تاريخ وقصص هذه القطع الفريدة من التّراث الفلسطيني، لتكون في متناول الجمهور العامّ.
واستغرقت رحلة عودة هذه الأثواب التراثية الثلاثة والثمانين من الولايات المتحدة الأمريكية إلى فلسطين أكثر من 3 سنوات بعد أن مرت بعدة مراحل وواجهت صعوبات في التامين عليها وتوفير التمويل اللازم لها ضمن حملة تمويل علنية أعلنها المتحف شاركت بها عدة شركات وطنية فلسطينية.
وقال سامر مخلوف مدير دائرة تنمية الموارد المالية في المتحف لـ "عربي21": "تعود قصة هذه الأثواب التراثية وارتحالها عن فلسطين إلى أكثر من 3 عقود من الزمن، وتحديداً عام 1986م، حينما خرجت من فلسطين إلى الولايات المتحدة الأمريكية من خلال أحد الأشخاص جامعي القطع التراثية والذي كان ينوي عرضهم هناك وإقامة معارض تراثية".
سامر مخلوف.. مدير دائرة تنمية الموارد المالية في المتحف الفلسطيني
وأوضح مخلوف أن قصة هذه الأثواب الفلسطينية التراثية والتي يبلغ عددها 83 ثوباً مع كامل الإكسسوارات والملحقات الخاصة تعود إلى عام 1986م حينما تمكن أحد الشبان الفلسطينيين الذي يهوى تجميع الأثواب التراثية التي تعود حياكتها لقبل عام 1948م ولها قيمة تراثية تاريخية كبيرة من إخراجها من فلسطين وإيصالها إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل عرضها هناك، ولكن في تلك الفترة حصلت أحداث سياسية وأمنية حالت دون إرجاعها إلى فلسطين.
وأضاف: "إن ذلك الشاب أعطى لاحقاً هذه الأثواب التراثية لمجموعة من السيدات الفلسطينيات والعربيات اللاتي يعشن في واشنطن واللاتي أسسن لاحقاً لجنة الحفاظ على التراث الفلسطيني واحتفظوا بهذه الأثواب التراثية على مدار السنوات في بيوتهن ونظموا فيها عدة معارض في الولايات المتحدة الأمريكية".
وعن رحلة عودة هذه الأثواب من الولايات المتحدة الأمريكية إلى فلسطين، أكد مخلوف أن القصة بدأت بمحض الصدفة حين تعرفت إحدى السيدات اللاتي تحتفظ بهذه الأثواب على المتحف الفلسطيني عبر مقابلة تلفزيونية عام 2018م كانت تجرى مديرة المتحفة عادلة العايدي لتضع بعد ذلك هدفاً لها، لإعادة هذه الأثواب إلى فلسطين.
وأكد أنه قبل عدة أسابيع بدأت رحلة العودة إلى أن تم الاحتفاء قبل أسبوعين باستعادتها جميعاً ليطلقوا على هذه الرحلة هي "رحلة العودة" عملاً بتحقيق حق العودة إلى فلسطين.
واعتبر وصول هذه المجموعة التاريخية إلى المتحف الفلسطيني إنجازاً هامّاً ونوعياً في مسيرة المتحف وفي مسيرة الحفاظ على الهويّة والتراث الفلسطيني.
وكشف مخلوف أن المرحلة القادمة بعد عودة هذه الأثواب إلى فلسطين مهمة جداً، مشيراً إلى أن الخبراء في المتحف الفلسطيني سيقومون بترقيم وحفظ هذه الأثواب بشكل مهني وعلمي، لأنها نسجت قبل عام 1948 وبعضها أصابه بعض الضرر من أجل عرضها في المتحف الفلسطيني لتكون هذه القطع الفريدة من التراث الفلسطيني وقصصها في متناول الجمهور العام والباحثين، كونها أثواباً لها قيمة تراثية وتاريخية قديمة.
وأشار إلى أنه سيتم تصويرها بشكل محترف وعرضها من خلال منصات رقمية وذلك لإتاحة الفرصة للمهتمين بالتراث والأثواب الفلسطينية الاطلاع عليها.
وأوضح مخلوف أن المتحف بصدد تجهيز هذه الأثواب للمشاركة في أحد المعارض في إحدى الدول العربية خلال الفترة القادمة.
واعتبرت الدكتورة تغريد شعفوط، رئيس مركز كيان الثقافي عودة هذه الأثواب إلى ارض الوطن بداية جيدة لعودة بقية الأثواب والقطع الأثرية الفلسطينية التي خرجت من فلسطين في إطار مشروع للحفاظ على هذا المورث الثقافي والتراثي.
تغريد شعفوط، رئيس مركز كيان الثقافي
وقالت شعفوط لـ "عربي21": "التراث الفلسطيني هو المخزون التاريخي للشعب الفلسطيني وهذا التراث ناتج عن التجارب التي خاضها الأجداد الذين سكنوا أرض فلسطين عبر العصور التاريخية، فالأجيال السابقة لخصت تجاربها بالعادات والتقاليد والقيم المجتمعية الثقافية التي توارثتها الأجيال ويشمل التراث الأغاني والأهازيج التي تخضع لضوابط القيم المجتمعية".
وأضافت: "التراث الفلسطيني يزخر بالأزياء الشعبية التي تعد سجلا يحفظ بين طياته دلائل حال الأمة وعاداتها وتقاليدها وتراثها، وهي من أكثر شواهد المأثور الشعبي تعقيدا، فيستدل بها على كثير من المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية حيث يمثل الثوب الفلسطيني بصمة تراثية تتباهى بها المرأة الفلسطينية وهو وسيلة ثقافية وتراثية لمواجهة سياسات الاحتلال، ويختلف باختلاف المناطق والبيئات المحلية وتحرص الفلسطينيات على المحافظة عليه رغم موجات التطور والتحديث".
واعتبرت شعفوط الثوب الفلسطيني لغة الأجيال القديمة من الفلسطينيين حيث يحاول الشعب الفلسطيني على مر الأجيال والعصور إثبات الهوية الفلسطينية بهذا التراث الرائع والمميز.
وقالت: "كان أهل المدن والقرى يتفاهمون بلغة الثوب الفلسطيني حيث يعد كل تصميم ثوب يمثل منطقة عن أخرى وبالتالي تعرف كل من ترتدي ثوب ما من أين هي من خلال الثوب الذي ترتديه".
وأضافت: "لكل ثوب حكاية وهدف من ارتدائه، فالثوب المطرز باللون الأزرق عل الأرضية السوداء ترتديه المرأة الأرملة، بينما المتزوجة يحمل تطريزا من اللون الأحمر على أرضية سوداء كما أن عروق الثوب الفلسطيني كان لها عدة أنواع منها سروات، الحجابات، مفتاح الخليل والنجوم".
وأوضحت أن من أقدم العروق التي تصعب على النساء نسيجها ديك الحبش والأسد المجنح، مشددة على أن الاحتلال الإسرائيلي مازال مستمرا في طمس الهوية الفلسطينية وسرقة الموروث الشعبي الفلسطيني من خلال قيامه بتجميع التراث الفلسطيني ونسبه له، قائلا: "نحن أصحاب الأرض ونحن أصحاب الهوية".
وقالت رئيس مركز كيان الثقافي: "لاحظ الفلسطينيون والعرب عام 1967م أن الإسرائيليين قد سرقوا كل شيء تقريبا من التراث وسجلوه في المنظمة الدولية للتراث الإنساني اليونيسكو باسم إسرائيل كتراث إسرائيلي وقد بدأ اليهود تحركهم في نهاية القرن التاسع عشر وذلك بإرسال أساتذة وباحثين أوروبيين إلى فلسطين لدراسة هذا التراث تمهيدا لسرقته، حيث أن الدراسات التي قام بها المستشرقون في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كانت مدعومة صهيونيا في أغلبها ويعتبر هذا نوع من التشويه الفلسطيني".
وضربت مثلا على هذا التشويه أن المضيفات الإسرائيليات على متن خطوط شركة العال الإسرائيلية للطيران يلبسن الثوب الفلسطيني في المناسبات على أنه ثوب إسرائيلي، وكذلك زوجة موشيه دايان وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق كانت تلبس هذا الثوب في المناسبات الإسرائيلية، وكذلك محاولة الاحتلال الإسرائيلي بالسيطرة على مجموعة الأثواب الفلسطينية والتي تم استعادتها لفلسطين من الولايات المتحد الأمريكية بعد غياب لأعوام طويلة.
ومن جهتها أعربت منسقة "مبادرة الزي الفلسطيني" يافا الكفارنة عن سعادتها لتمكن المتحف الفلسطيني من استعادة هذه الأثواب التراثية، مشددة أن هذا يدلل على مدى تمسك الشعب الفلسطيني بتراثه، مشيرة إلى أن هذا تأكيد على وجود الفلسطيني على هذه الأرض وارتباطه بأحد أبرز معالم تشكيل الجغرافية الفلسطينية هو الثوب الفلسطيني الذي حاول الاحتلال سرقته مستغلا أي ثغرة أو ظرف.
يافا الكفارنة منسقة مبادرة الزي الفلسطيني
وأكد الكفارنة في حديثها لـ "عربي21" أن الثوب الفلسطيني هو الثياب الذي كان يرتديه الفلسطينيون على مدار سنوات طويلة تزيد على عمر دولة الاحتلال أضعافاً مضاعفة وهو الثوب الفلاحي المطرز للنساء والمعروف منذ العهد الكنعاني بألوانه الجملية و"القمباز" للرجال والذي يحاول الاحتلال سرقته لتثبيت حقه في هذه الأرض.
وأوضحت أن لكل منطقة جغرافية في فلسطين ثوباً معروفاً يعرف أبناؤه وبناته من خلاله، فتستطيع أن تعرفه من نوع الغرزة وشكلها من أي مدينة قدمت منها هذه المرأة، مشيرة إلى أن مدينة رام الله مثلاً كانت تعرف باستعمالها رسمة النخلة؛ ومنطقه الخليل، بما يسمى خيمة الباشا؛ ومنطقه يافا، برسمة السرو مع قاعدة؛ ومنطقه غزة، برسمة الوسادة أو المقص؛ أما بئر السبع ومنطقتها، فقد عرفت باستعمالها رسمة الحجب.
وقالت الكفارنة: "عودة هذه الأثواب بعد رحلة زادت عن 35عاما يؤكد على أن الآباء يموتون والأبناء لا ينسون، ونحن متمسكون بتراثنا وتقاليدنا وعاداتنا والتي هي جوهر رائحة هذه الأرض الفلسطينية".
وأضافت: "هذه الثوب ليس مجرد قطعة قماش انما هو مرتبط أكثر بالإنسان وبأرضه، وأن هذا الثوب الفلسطيني يعكس تنوع وغنى وثراء الأرض الفلسطينية". مشيرةً إلى أن بعض الأثواب التي يحتفظ بها الشعب الفلسطيني تزيد على عمر دولة الاحتلال مرتين.
وتابعت: "هذا الثوب الجميل موضة لا تبلى أبداً، وهي تصلح لكل زمان ومكان سواء العمل أو السوق أو المدرسة، ونحن في مبادرة الثوب الفلسطيني نعمل على ترسيخ هذا الأمر ليصبح ثقافة بين الناس لا سيما الشباب".
وأشارت إلى أنها تحرص دائما على ارتداء الثوب الفلسطيني المطرز في كل مناسبة، مؤكدة على أن الثوب الفلسطيني حاضر في كل المناسبات، كجزء من الهوية الفلسطينية وتأكيداً لمدى ارتباط الفلسطيني بقضيته المتناقلة من جيل لآخر، كي لا تنسى".
وقالت الكفارنة: "هذا الثوب لطالما كان الشاهد الأول والوحيد الذي يرصد تمسك الفلسطيني بأرضه، لكل المناسبات سواء الوطنية أو الدينية أو الثقافية وأيضاً السياحية، والثوب الفلسطيني دائماً حاضراً".
وأضافت: "الثوب الفلسطيني ارتبط بتاريخ حاول الاحتلال إنكاره، لكن المرأة الفلسطينية مازالت تلبس ثوبها في كل المناسبات كي تحفظ هويتها الفلسطينية في كل زمان ومكان وكذلك الرجل الفلسطيني".
ودعت الناشطة الفلسطينية كل من يمتلك أثواب تراثيا قديمة أو أي قطع أثرية لها علاقة بتاريخ وهوية الشعب الفلسطيني يعمل على إعادتها لفلسطين كما تم استعادة هذه الأثواب من اجل الاحتفاظ بها لتصبح مادة في متناول الجميع للاطلاع عليها سواء الجماهير أو الباحثين.