مقالات مختارة

الغنوشي وقيس سعيد.. هل يضرب الرجلان موعدا مع التاريخ؟

عجمي الوريمي
1300x600
1300x600

دخلت تونس يوم 25 جويلية (تموز/ يوليو) 2021 مرحلة جديدة، إذ إنه لأول مرة يتم حسم معركة السلطة عبر المرور بقوة لا عبر صندوق الاقتراع أو الحوار والتوافق.


كان الهدف من ذلك إيقاف مسار حكومي ومؤسساتي وتدشين مسار خارج المسلك الدستوري لكن تحت يافطته.


صبيحة ذلك اليوم التي تصادف ذكرى إعلان الجمهورية حينما قرر الزعيم الحبيب بورقيبة إنهاء حكم البايات بعد سحبه من العائلة المالكة عديد الامتيازات والسلطات ولم يبق أمامه إلا المرور من تحويل نظامهم إلى ملكية دستورية كما كان يتوقع إلى إعلان جمهورية جديدة.


صبيحة ذلك اليوم وقف راشد الخريجي الغنوشي في مراسم إحياء الذكرى لتحية العلم بمواكبة فرقة من الجيش الوطني كانت تؤدي النشيد الوطني دون حضور رئيس الجمهورية ونواب الشعب والهيئات الدبلوماسية ورؤساء المنظمات الوطنية والمؤسسين والرؤساء ورؤساء الحكومات السابقين وكل من يشمله البروتوكول الذي عوضه البروتوكول الصحي بسبب اتساع تفشي جائحة كورونا.


بدا الرجل الثمانيني (راشد الغنوشي) كأنما يقف على أطلال الجمهورية ولا يبدو أن التونسيين يشعرون بأي تناقض في مواصلة الاحتفال كل عام بذكرى الجمهورية الأولى في ظل الجمهورية الثانية.


إثر تلك المراسم دعى رئيس البرلمان الخارج منذ يومين من المستشفى العسكرى بعد إقامة لمدة أيام نجى خلالها من هلاك محقق بعد إصابته بالوباء اللعين.


دعا إلى التوحد في مواجهة الجائحة وإلى التضامن والتحابب ونبذ الكراهية والإقصاء وعبر ثقته بأن تونس ستنتصر على الكورونا وأن اقتصادها سيتعافى وستتحسن أوضاع الشعب الذي طال انتظاره حتى بلغ اليأس من الإصلاح.


في الليلة السابقة عن يوم إعلان الجمهورية وأثناء إشرافه على اجتماع المكتب التنفيذي لحركته قال الغنوشي في مفتتح الاجتماع: "حان وقت التغيير وأن الوضع لا يمكن أن يستمر على ما هو عليه" وبدا قلقا من تبادل الاتهامات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة واتساع الفجوة بينهما حتى بات التخاطب بين الرجلين ينهل من قاموس التجريم وقد قال الغنوشي إننا لأول مرة أمام وضعية كل يلقي فيها بالمسؤولية على الطرف المقابل (يقصد ما تم إثر حادثة الاحتشاد حول مراكز التلقيح وما ترتب عنه من إقالة وزير الصحة).


طفح الكيل وأخذت المغالبة منعرجا جديدا


كان الغنوشي يتصور أن إطلاق مشاورات بين جميع الأطراف حول شكل وطبيعة حكومة قادمة قبل نهاية الصائفة أمرًا ممكنا وأن السنة السياسية الجديدة ستشهد انفراجا بعد تأزم ولا أحد يعلم ماذا كان يعتزم اتخاذه من قرار قبل العودة من العطلة البرلمانية ولا أحد يعلم ماذا كان يدور بخلده وهو يخضع للعناية الطبية في المستشفى العسكري.


البعض يخمن أنه يعد بعد الاستقرار الحكومي والتصالح مع رئيس الجمهورية إلى خروج من الباب الكبير
حينما أعلن رئيس الجمهورية تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن النواب وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي لم يكن للغنوشي موقع يخاف عليه أو مصلحة يخشى أن تضيع ولكنه وضع بين خيار ملازمة بيته لسان حاله "للبيت رب يحميه" وخيار خوض آخر المعارك بالتصدي لما اعتبره انقلابا من رئيس الجمهورية على الدستور واستحواذا على كل السلطات بما فيها سلطة البرلمان.


كان واضحا لدى الغنوشي أكثر مما هو واضح لدى قيس سعيد أن رئيس الجمهورية باقترافه المحظور والمحذور قد وضع نفسه في ورطة والبلاد في مأزق والجمهورية في خطر.


"أنا ذاهب إلى البرلمان" هكذا قال الشيخ الثمانيني لرفاقه فالأمر جلل ولا ينفع السكوت والانتظار
كانت صفارات السيارات الصاخبة تدوي لا يدري أصحابها هل أنهم يستقبلون فجرا جديدا أم ليلا طويلا
"حان وقت التغيير" التي نطق بها لسان الغنوشي وقلبه ترجمها قيس سعيد بتغيير وجهة البلاد نحو المجهول.


كيف يعود قطار الديمقراطية إلى سكته في غياب المحكمة الدستورية؟


التنديد والتحشيد اللذان بادر بهما الغنوشي ووقفته ذات الكثافة الرمزية العالية أمام باب البرلمان المقفل بالأقفال والسلاسل جعلت قيس سعيد بعد عقد العزم على الإطاحة بالمنظومة دون دليل عمل أو بديل ورؤية مستقبلية يتراجع خطوة إلى الوراء ليدفع عن نفسه تهمة الانقلاب وخرق الدستور.


كان اللقاء بين الرجلين وشيكا لولا خطوة سعيد غير المحسوبة وكان الصدام بين الرجلين حتميا لولا خطوة الغنوشي المدروسة.


التعليقات (0)