هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة فورين بوليسي تقريرا قالت فيه إنه حتى قبل أداء إبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني الجديد المتشدد، اليمين الخميس، كانت الجمهورية الإسلامية تصعد الأعمال العدائية على عدة جبهات في الشرق الأوسط.
وأضافت المجلة، أنه كما يقول الخبراء، فمن المرجح أن تصبح طهران أكثر عدوانية، وهذا يعني أن الرئيس الأمريكي جو بايدن - مثل العديد من أسلافه - قد لا يحصل على رغبته في التقليل من الأهمية الاستراتيجية للمنطقة.
في الأسابيع الأخيرة، انسحبت إيران من المفاوضات النووية في فيينا وطرحت مطالب مستحيلة لدى مغادرتها. وشنت هجمات بطائرات بدون طيار على أهداف أمريكية وسفينة في الخليج العربي ويشتبه بعض المحللين بتورطها في أعمال قرصنة، حيث قامت مجموعة مسلحة، يشتبه أنها تعمل لصالح إيران، يوم الثلاثاء، بمحاولة اختطاف سفينة ترفع علم بنما في خليج عمان، ثم تخلت عن ذلك على ما يبدو، (نفت إيران مسؤوليتها). وقبل أقل من أسبوع، قال مسؤولون إسرائيليون إن ناقلة نفط تديرها شركة مملوكة لإسرائيل تعرضت للهجوم من قبل ما يبدو أنه عدة طائرات إيرانية بدون طيار قبالة عمان، ما أسفر عن مقتل اثنين من حراس الأمن، أحدهما بريطاني والآخر روماني.
يُعد سلوك طهران العدواني جزءا من نمط ربما بدأ في عام 2019، مع أمريكا عندما قرر الرئيس دونالد ترامب وقتها عدم الرد على إيران لإسقاطها طائرة استطلاع أمريكية بدون طيار. ومن المحتمل أيضا أن يكون ذلك رد فعل على إشارات بايدن القوية بأنه يريد العودة إلى الاتفاقية النووية لعام 2015، جزئيا لتمهيد الطريق لتركيز استراتيجي أكبر على المحيطين الهندي والهادئ والتهديد من الصين.
قال بهنام بن طالبلو، من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مؤسسة فكرية تميل لليمين: "على مدار العام الماضي أو نحو ذلك، أشارت إيران إلى ارتياح متزايد للتصعيد والصراع، وهو شعور يغذيه جزئيا التصور أن أمريكا قوة متضائلة في الشرق الأوسط لا رغبة لها في الصراع".
اقرأ أيضا: رئيسي يتولى رسميا رئاسة إيران ويتحدث أمام البرلمان (شاهد)
وعلى الرغم من إطلاق مجموعة ثانية من الضربات الجوية الشهر الماضي، أشار بايدن إلى رغبته في وقف التصعيد في العراق وأفغانستان. وأخبر بايدن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، خلال اجتماع الأسبوع الماضي، أن القوات الأمريكية المقاتلة ستنسحب من العراق بحلول نهاية العام، على الرغم من أن القوات الأمريكية التي تعمل في أدوار غير قتالية - مثل المدربين والمستشارين ومقدمي المعلومات الاستخبارية لقوات الأمن العراقية، ستبقى. ودعم المسؤولين في إدارة بايدن هذا الأسبوع إلغاء تفويض عام 2002 لحرب العراق.
لكن جهود بايدن لتقليل المشاركة تذكر بمفارقة قديمة في الدبلوماسية الأمريكية، فقد سعت كل إدارة أمريكية تقريبا لعقود إلى تجنب التورط في وحل الشرق الأوسط والتركيز على التهديدات التي يمكن التحكم فيها في أماكن أخرى، ولكن هذا يميل إلى جعل الأمور أسوأ مع تزايد عدوانية المعتدين في المنطقة.
وقال مفاوض الشرق الأوسط منذ فترة طويلة دنيس روس: "قد تعتقد أنه يمكنك تجاهل الشرق الأوسط، لكنه لا يتجاهلك.. أليس من الأفضل لك تشكيل تدخلك هناك بدلا من أن تشكله المنطقة لك؟" أو كما يحب زميل روس السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، آرون ديفيد ميلر، القول، إنه يمكن تلخيص الشرق الأوسط بسطر من أغنية إيغلز "فندق كاليفورنيا": "يمكنك تسجيل المغادرة في أي وقت تريد، لكن لا يمكنك المغادرة أبدا".
وكان بايدن قد قال في أيار/ مايو إنه كان ينوي سحب بطاريتين من صواريخ باتريوت والطائرات المقاتلة من السعودية، كما ورد أن الإدارة ستسحب صواريخ باتريوت بالإضافة إلى مئات أفراد القوات من الكويت والأردن - كانت جزءا من حشد من عهد ترامب لمواجهة إيران. لكن الدبلوماسيين المطلعين على تفكير فريق بايدن يقولون إن الإدارة بدأت في طمأنة الحلفاء القلقين، مثل السعوديين والإسرائيليين، أنه على الرغم من رغبة أمريكا في الانسحاب، فإنهم سيظلون منخرطين ويردون على إيران بقوة.
وقال روس، الزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "هناك استعداد أكبر لفرض ثمن على الإيرانيين لسلوكهم في المنطقة". وبالفعل أمر بايدن بشن غارات جوية على المواقع التي تستخدمها المليشيات المدعومة من إيران مرتين. وكان دبلوماسيون وقوات أمريكية في العراق وسوريا قد تعرضوا لثلاث هجمات صاروخية وطائرات مسيرة في أوائل الشهر الماضي، في رد إيراني على ما يبدو.
ويتفق العديد من خبراء الشرق الأوسط على أنه على الرغم من رغبة المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في الهروب من العقوبات الأمريكية والدولية من خلال العودة إلى نسخة ما من الاتفاق النووي لعام 2015، فإن حاجته الأكبر تتمثل في تعزيز النظام. وبالنسبة لطهران، فلطالما كانت معاداة أمريكا أفضل وسيلة حشد أيديولوجي. وجد خامنئي الشخص المناسب في رئيسي، الذي ترأس، بصفته قاضيا، إعدامات آلاف المعارضين في أواخر الثمانينيات، وتم إيصاله إلى الرئاسة في انتخابات مزورة. ويُنظر إلى رئيسي البالغ من العمر 60 عاما على أنه المنفذ الأمثل الذي سيقوم بسحق المعارضة في الداخل بمزيد من العدوان خارج الحدود.
وقال ميلر، الذي يعمل الآن مع مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "من المرجح أن يعني صعود رئيسي أكثر من بضع ليالٍ بلا نوم لإدارة بايدن.. بينما تبقى احتمالات نشوب حرب كبرى بين إسرائيل وإيران منخفضة - في الوقت الحالي، فإن احتمالات وقوع اشتباكات خطيرة في أي عدد من الجبهات عبر الوكلاء وبشكل مباشر ستزداد بشكل كبير".
اقرأ أيضا: إيران تهدد بالرد على أي "مغامرة" ضدها على إثر هجوم السفينة
وقال طالبلو إن النظام الجديد في طهران لم يعد يرى حاجة إلى "التظاهر بالاعتدال" لأن "خامنئي يرى بالفعل أن الغرب يبتعد عن طريق إيران". ورئاسة رئيسي "هي أداة لترسيخ إرث خامنئي: العداء مع الغرب، والحروب بالوكالة في الخارج القريب، والبقاء على المسار الثوري من خلال القوة في الداخل".
هذه المواقف، بدورها، من المرجح أن تجعل أي عودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، أكثر صعوبة. قال علي فايز، وهو مساعد سابق مقرب لكبير المفاوضين النوويين الأمريكيين، روبرت مالي، من مجموعة الأزمات الدولية، إن فريق خامنئي ورئيسي "عرضة لنوع من التجاوزات التي من شأنها أن تعيد إيران وأمريكا إلى مسار التصعيد المتبادل، الذي يذكرنا بالسنوات الأولى لرئاسة [محمود] أحمدي نجاد".
في الواقع، ربما يكون مصدر القلق الأكبر هو أن الرئيس المتشدد، الذي يعتبر الوريث الواضح لخامنئي، سيعيد الأمور عقدا أو أكثر إلى المربع الأول، عندما بدأت إيران في تطوير برنامجها النووي بشكل كبير في عهد أحمدي نجاد في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. الآن فقط، لدى طهران وقت "اختراق" أسرع بكثير لصناعة قنبلة نووية.
وقال رويل مارك غيريخت، ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية وخبير في شؤون إيران ويتخذ منها موقفا متشددا: "لم يتم اختيار رئيسي لفتح إيران على العالم أو إبطاء البرنامج النووي، لقد تم اختياره لتحصين الثيوقراطية والقضاء على التأثير الغربي البغيض.. إنهم لا يريدون اتفاقا جادا مع الغرب"، وأضاف أنه على الرغم من الأثر المدمر للعقوبات، فإن قادة النظام "يرون أنفسهم أقوى بكثير مما كانوا عليه في 2015 أو 2017 أو 2019. إنهم مستعدون للقتال. ونحن لسنا مستعدين. فالكفة راجحة لصالح خامنئي".
لا يزال مسؤولو بايدن يأملون في أن تبدأ الجولة السابعة من المفاوضات النووية بقيادة رئيسي، الذي قال في خطاب ألقاه في وقت سابق هذا الأسبوع إنه سيسعى لرفع العقوبات لمعالجة معدل التضخم البالغ 47.6% ومشكلة البطالة المرتفعة في إيران. لكنه أضاف بشكل ينذر بالسوء أنه لن "يربط" سياسته "بإرادة الأجانب".
وقال فايز إن احتمالات استعادة الصفقة "تبدو أكثر قتامة يوما بعد يوم". ولم يعد بإمكان مفتشي الأمم المتحدة رؤية ما تفعله طهران، ويزيد النظام من وقت اختراقه بأشهر باستخدام التخصيب الجديد والتقنيات المحدثة. وتطالب طهران بما هو مستحيل من واشنطن: أن يضمن الأمريكيون عدم انسحاب أي رئيس أمريكي مستقبلي من الاتفاقية كما فعل ترامب.
وقال فايز: "تبدو إيران واثقة من أن الوقت في صالحها ويمكنها تأمين تنازلات أوسع من أمريكا على افتراض أن نفوذ إيران يمكن أن يزداد بسرعة أكبر من قدرة الغرب على تحمل المزيد من الألم المالي أو الرغبة في العمل العسكري".
وقال روس، الذي عاد لتوه من رحلة استغرقت أسبوعا إلى السعودية، إن إيران خففت قليلا من خلال بدء محادثات مع السعودية بشأن الحرب بالوكالة بين الجانبين في اليمن، لكن الرياض لا تعتقد أنها ستؤتي ثمارها، "ليس لديهم توقعات بالحوار مع الإيرانيين. إنهم لا يرون أي تغيير حقيقي في سلوك إيران".
يقول المتشددون مثل غيريخت إن إدارة بايدن يجب أن تتخلى عن أي أوهام بشأن عهد رئيسي وأن تعيد تركيزها على تغيير النظام. ووفقا للأرقام الرسمية لطهران، فقد بلغت نسبة المشاركة في انتخابات 18 حزيران/ يونيو 48.8%، وهي أدنى نسبة في أي سباق رئاسي منذ ثورة 1979. وتشهد إيران أيضا احتجاجات شعبية أوسع نطاقا جغرافيا وديموغرافيا مقارنة بالسنوات الماضية.
قال غيريخت: "نحن نعلم حقيقة أن مستوى السخط الداخلي - الغضب تجاه الثيوقراطية - مرتفع للغاية.. البيت الأبيض يقول إنه يريد تعزيز القيم الديمقراطية في الخارج. لا يوجد مكان أفضل للتجربة منه في الجمهورية الإسلامية. فما الذي يخشى أن يخسره الآن؟".