قبل ثلاثة أسابيع كتبت مقالا في صحيفة "عربي21" الغرّاء بعنوان: "
زيارة الكاظمي لواشنطن والسيناريو الأفغانيّ"!
وختمته بالقول: "نجاح زيارة رئيس حكومة بغداد لواشنطن أو فشلها ستحسمه الأشهر المتبقّية من هذا العام، وهل ستلتزم الفصائل الولائيّة بمرجعيّتها العسكريّة المتمثّلة برئيس الحكومة وتكفّ عن مهاجمة القوّات الأمريكيّة؟ وهل ستنسحب أمريكا من
العراق، كما فعلت مع أفغانستان، وتترك البلاد بيد القوى الشرّيرة، وبلا حكومة "مركزيّة"، وحينها سيحترق الأخضر واليابس؟ وهذا السيناريو هو الأقرب والأخطر".
ما ذكرته في ذلك المقال، واليوم ربّما صرنا قاب قوسين أو أدنى منه، لمّح إليه الرئيس الأمريكيّ جو بايدن في خطابه بداية الأسبوع الحاليّ بعد
انسحاب جيشه من أفغانستان واحتماليّة انسحاب قوّاته من العراق، حينما قال: "لن أكرّر أخطاء الماضي في البقاء والانخراط في حرب أهليّة". وهنا أشار بايدن إلى "أخطاء" وليس إلى خطأ واحد. ومعلوم أن الكارثة العراقيّة وقعت بعد أقلّ من عامين من الاحتلال الأمريكيّ لأفغانستان، والخطأ الأمريكيّ في العراق يستفحل يومياً!
ما جرى خلال الأيّام الماضية من عودة طالبان لحكم أفغانستان بعد 20 عاما من القتال والتنكيل والتهجير والدماء؛ يؤكّد أنّ القوى الأجنبيّة المحتلّة مصيرها الهروب والاستسلام لإرادة الشعوب الحرّة المتلاحمة
ما جرى خلال الأيّام الماضية من عودة
طالبان لحكم أفغانستان بعد 20 عاما من القتال والتنكيل والتهجير والدماء؛ يؤكّد أنّ القوى الأجنبيّة المحتلّة مصيرها الهروب والاستسلام لإرادة الشعوب الحرّة المتلاحمة.
لقد كانت فاتورة تضحيات طالبان مرتفعة جدا، ولم تصل لهذه المرحلة بالمجّان، أو أنّ واشنطن سلّمتها البلاد بإرادتها، بل هي نالت شرف النصر والظفر بتضحيات باهظة، وأجبرت أمريكا على الفرار.
ومع هذه التطوّرات المُذهلة والمُدهشة، يحاول البعض اليوم المقارنة بين الحالتين العراقيّة والأفغانيّة، والحقيقة أنه لا يمكن المقارنة بسهولة بينهما لأنّه قياس مع الفارق.
ويمكن القول إنّ المقاومة العراقيّة حتّى العام 2010 يمكن مقارنتها بالنضال الأفغانيّ، لكن بعد هذه المرحلة كانت النقطة الفاصلة بين الحالتين، وبالذات مع غدر بعض تجار المقاومة برجالها، والمحاولات المستمرّة لبعض القوى الشريرة التي جاءت مع المحتلّ الأمريكيّ الادّعاء بأنّها قاومته ووقفت ضدّه.
ومع ذلك أرى بأنّه يمكن للعراقيّين الاستفادة من التجربة الأفغانيّة في عدّة مجالات، ومنها:
- تجديد الأمل: إنّ القنوط من التغيير جزء من الهزيمة، لأنّ الهزيمة النفسيّة بداية للهزيمة الميدانيّة بكلّ تفاصيلها السياسيّة والإعلاميّة والثقافيّة وغيرها، ولهذا ينبغي على العراقيّين أن يجدّدوا الثقة بأنفسهم بأنّهم قادرون على بناء دولتهم كما حدث في أفغانستان، وأن يكون مستقبلهم أجمل.
زعماء العراق بعد العام 2003 معتمدون بدرجة شبه تامّة على التواجد العسكريّ الأمريكيّ داخليّا، وثقل واشنطن الدبلوماسيّ خارجيّاً، ومع هذا فإنّ هذه النقطة اليوم، وبموجب التجربة الأفغانيّة، هي نقطة غير ثابتة، ويمكن أن تنتهي في لحظة ما، وسنجد أنّ القوّات الأمريكيّة ربّما ستغادر العراق بشكل مدروس من طرفها، ومفاجئ للجانب العراقيّ
- هشاشة الاعتماد على الأمريكان: معلوم أنّ زعماء العراق بعد العام 2003 معتمدون بدرجة شبه تامّة على التواجد العسكريّ الأمريكيّ داخليّا، وثقل واشنطن الدبلوماسيّ خارجيّاً، ومع هذا فإنّ هذه النقطة اليوم، وبموجب التجربة الأفغانيّة، هي نقطة غير ثابتة، ويمكن أن تنتهي في لحظة ما، وسنجد أنّ القوّات الأمريكيّة ربّما ستغادر العراق بشكل مدروس من طرفها، ومفاجئ للجانب العراقيّ، وتعلن أنّها تركت البلاد لأهلها!
وساعتها سيتجدّد مشهد مطار كابول المأساويّ الخياليّ، والذي أظهر تشبّث آلاف الأفغانيّين بطائرات الجيش الأمريكيّ، الذي تركهم في أرض المطار، ومن تعلّق منهم بالطائرات المحلّقة سقط على الأرض وصار هباءً منثوراً!
هذا المشهد سيتكرّر في مطارات بغداد والمحافظات، لأنّ ما جرى في العراق يفوق الخيال، ولا يمكن القبول ببقائه واستمراره!
إنّ الانتصار الأفغانيّ صنعه رجال صمدوا في ميادين القتال والدبلوماسيّة، ولم تُلههم الطروحات غير الواقعيّة والوعود غير الواضحة عن القتال والثبات والمطاولة في التحدّي!
ينبغي على قوى النضال العراقيّ والعالميّ التعلّم من المدرسة الطالبانيّة صدق التمسك بالمبادئ، وترك الهرولة وراء المناصب، ونصرة الوطن!
وكذلك الاقتناع بالقدرة على الثبات والثقة بالنفس والنصر، حتّى لو كان الطرف المقابل هو القوّة الأولى في الكون!
يجب على القوى العراقية المعارضة إعادة تقييم عملها خلال المرحلة الماضية، وتدارك الأمور وإعادة ترميم صفوفها لترتيب مؤتمر كبير للمعارضة في إحدى دول المنطقة؛ لتسليط الضوء على حقيقة المأساة العراقيّة التي تحاول القوى الحاقدة تجاهلها والقفز عليها!
إنّ التجربة الطالبانيّة تؤكّد أنّ الإرادة المليئة بالثبات والصمود ستنتصر ولو بعد حين، ولهذا فإنّ تجربة طالبان ينبغي تدريسها في الأكاديميّات العسكريّة العالميّة!
يجب على القوى العراقية المعارضة إعادة تقييم عملها خلال المرحلة الماضية، وتدارك الأمور وإعادة ترميم صفوفها لترتيب مؤتمر كبير للمعارضة في إحدى دول المنطقة؛ لتسليط الضوء على حقيقة المأساة العراقيّة التي تحاول القوى الحاقدة تجاهلها والقفز عليها!
لقد علمتنا التجارب الإنسانيّة بأنّ عالمنا لا مكان فيه للضعفاء والصامتين والمستسلمين!
لنحاول ترميم صفوف المعارضة العراقيّة بعيدا عن المهاترات لبناء العراق النقي من العملاء والمخرّبين!
twitter.com/dr_jasemj67