هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تقرير ديوان المحاسبة العام 2020م الذي صدر مؤخرا جهد كبير من مؤسسة مهمة نثمنه لكونه يعطي شعورا بالارتياح بوجود مؤسسات سيادية تعمل بمهنية وتقدم جهدا متميزا في ظل غياب الدولة وضعف الحكومة والأداء الهزيل لمعظم المؤسسات والشركات العامة والتي تزيد على أربعمائة مؤسسة وشركة.
التقرير الذي جاء في نحو ألف صفحة تناول بالتقصي والتدقيق والتوثيق واقع المؤسسات الحكومة بمختلف مستوياتها وتعدد مجالاتها، وأعطى صورة أقرب للواقع الاقتصادي المالي والإداري للقطاع العام بمفهومه الواسع خلال العام الماضي.
من الطبيعي أن يكون صدر التقرير تفصيل للواقع المالي للدولة من حيث الإيرادات والنفقات العامة خلال العام 2020م، حيث أثبت التقرير أن الميزانية العامة للعام الماضي تم تنفيذها بعجز بلغ 14 مليار دينار ليبي، أي بنسبة 38.3% من الإنفاق العام.
ويعود العجز إلى تراجع الإيرادات العامة بشكل كبير بعد إقفال النفط من قبل قوات حفتر مطلع العام 2020م وحتى شهر أيلول (سبتمبر) من نفس العام، الأمر الذي رتب خسائر قال التقرير إنها بلغت 10 مليارات دولار، إلا أن تصريحا لمحافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، لموقع بلومبرغ منذ أيام قليلة أكد أن عوائد بيع النفط بلغت فقط 3.5 مليار دولار، وهذا يعني أن الخسائر أكبر من تقديرات تقرير الديوان، ذلك أن سقف إنتاج النفط بلغ في مطلع كانون الثاني (يناير) 2020م، 1,220,000 برميل، وبالنظر إلى أسعار النفط التي بلغت في المتوسط خلال نفس المدة نحو 55 دولارا للبرميل، فإن الإجمالي هو نحو 24 مليار دولار، تم تحويل 3.5 مليار للمصرف المركزي بالإضافة إلى مليارين ونصف احتجزت من قبل المؤسسة الوطنية للنفط، فتكون خسائر إغلاق النفط ما يزيد على الـ19 مليار دولار.
لم يتطرق التقرير وكذلك كلام الصديق الكبير إلى مخصصات المؤسسة الوطنية للنفط والتي تتعلق بكلفة استخراج النفط والتي تتراوح بين 3.5 و4 مليارات دولار، وإذا ما تم إحالتها للمؤسسة، وحتى في حال استقطاعها فإن الخسائر تتجاوز الـ15 مليار دولار.
أرقام تقرير ديوان المحاسبة تلقي بظلالها على ما ورد في بيان للبعثة الأممية الخاصة بليبيا والتي أشرفت على عملية مراجعة وتدقيق حسابات المصرفين المركزيين، طرابلس والبيضاء، وقدمت تقريرها مؤخرا، فقد ورد في بيان البعثة بخصوص نتائج عملية المراجعة والتدقيق أن الاحتياطي النقدي لدى المصرف المركزي انخفض بنسبة 11% فقط منذ العام 2015م، بينما تظهر بيانات تقرير الديوان أن الاحتياطي انخفض بمقدار 11 مليار دولار أمريكي خلال العام 2020م، بمعنى أن نسبة الانخفاض تزيد على الـ15% وذلك لعام واحد!!
لم يتطرق التقرير وكذلك كلام الصديق الكبير إلى مخصصات المؤسسة الوطنية للنفط والتي تتعلق بكلفة استخراج النفط والتي تتراوح بين 3.5 و4 مليار دولار، وإذا ما تم إحالتها للمؤسسة، وحتى في حال استقطاعها فإن الخسائر تتجاوز 15 مليار دولار.
وينبغي أن ننوه إلى ما يبدو أنه تناقض في بيانات التقرير بخصوص عجز الميزانية للعام 2020م والتي بلغت 14 مليار دينار، فيما أثبت التقرير أن الحكومة اقترضت نحو 26.7 مليار دينار من المصرف المركزي، وعادة ما يكون الاقتراض لأجل سد الفجوة بين الإيرادات والنفقات العامة، أي العجز، وقد أورد التقرير أن 14 مليارا اتجهت لتغطية العجز دون أن يوضح أين ذهب الفرق وهو نحو 12.7 مليار دينار ليبي، إذ لا يمكن أن تتصرف الحكومة في مبلغ كهذا دون غطاء قانوني.
النقطة المهمة في التقرير والتي لها دلالة مهمة جدا هي المتعلقة بالوضع المالي خلال السنوات التسع الماضية منذ تفجر الثورة، فقد ثبت أن العام 2012م سجل أكبر فائض في الميزانية العامة بلغ 21 مليار دينار ليبي، أي إن الدخل فاق المصروف بـ21 مليار دينار، ثم دخلت البلاد في أزمتها المالية جراء إغلاق النفط، بذريعة مختلقة لتحقيق أغراض سياسية على حساب البلاد والعباد، وتم اعتماد الميزانيات خلال سنوات إغلاق النفط من 2013 إلى 2017 بعجز كبير.
وعندما عاد النفط إلى التدفق وتم التوافق على إقرار الإصلاحات الاقتصادية فقد سجلت ميزانية العام 2018 و2019 فائضا بلغ 8 مليارات و13 مليارا على التوالي، وعادت البلاد إلى التأزيم المالي العام 2020م بسبب العدوان على طرابلس وأقفال النفط من قبل قوات حفتر حيث بلغ العجز في الميزانية 14 مليار دينار، فلك أن تتأمل أخي القارئ الأثر الخطير للنزاعات والحروب على الاقتصاد وعلى مستوى عيش الليبيين.