هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بلدان كثيرة في الشرق الأوسط مهددة بنضوب وشيك لمواردها المائية، ففي إيران تقلصت مساحة بحيرة أروميه، وهي الأكبر في المنطقة، من 5400 كيلومتر في تسعينيات القرن الماضي إلى 2500 كيلومتر اليوم، فازدادت نسبة الملوحة فيها بحيث صارت مياهها ضارة بالزرع والضرع، بينما الأردن والعراق تستنزفان موارد المياه الجوفية والسطحية في سبيل التوسع في الزراعة لتحقيق الأمن الغذائي، وتكاد الزراعة فيهما تستأثر بـ 90% من المياه المتاحة من كل الموارد، وفي ظل المتغيرات المناخية المتسارعة فقد يشهد الشرق الأوسط في قادم الأعوام زيادة هائلة في معدلات الأمطار، ولكنها نعمة تتحول إلى نقمة لأنها ستسبب فيضانات مدمرة في ظل هشاشة البنى التحتية في بلدانه.
في منتصف تموز (يوليو) المنصرم شهدت ألمانيا وبلجيكا فيضانات وسيولا غير مسبوقة، حيث خرجت مياه الأنهار عن مجاريها واجتاحت المدن والقرى مسببة دمارا هائلا، ثم انتقلت العدوى إلى إيطاليا وهولندا وكرواتيا ولكسمبورغ وسويسرا وفقد زهاء 230 شخص أرواحهم، وبلغت خسائر أوروبا المالية من كارثة الفيضانات 48 مليار يورو، مما حدا بأنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا القول بأنه لا توجد في اللغة الألمانية مفردات تعبِّر عن فداحة الخطب (ولا بواكي على ضحايا الفيضانات في الهند والسودان وبنغلاديش وإثيوبيا).
ورغم ما تسببه ظاهرة الإحماء والتغير المناخي من أمطار سخية، ومهما تزايدت معدلات هطل الأمطار، فإن الارتفاع المطرد في درجات الحرارة يؤدي إلى تسريع عمليات التبخُّر، وتضاؤل نسبة المياه التي تغوص تحت سطح الأرض، ويقول تقرير الأمم المتحدة عن "أوضاع المياه في 2021" إن 72% من المياه العذبة المتاحة في العالم تستخدم في الزراعة بينما حصة الشرب في حدود 12% ويستأثر القطاع الصناعي بالنسبة المتبقية.
بلغت خسائر أوروبا المالية من كارثة الفيضانات 48 مليار يورو، مما حدا بأنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا القول بأنه لا توجد في اللغة الألمانية مفردات تعبِّر عن فداحة الخطب (ولا بواكي على ضحايا الفيضانات في الهند والسودان وبنغلاديش وإثيوبيا).
ويمضي التقرير قائلا: إن زهاء 2.3 مليار من البشر يعانون اليوم من ضائقة مائية، من بينهم نحو 733 مليون نسمة لا يكادون يجدون ماء الشرب، وترجح المنظمة الدولية احتمال نزوح 700 مليون نسمة من مواطنهم بسبب شح المياه خلال السنوات العشر المقبلة، لأنه، وعلى وجه العموم، صار معدل استخدام الماء ضعف معدل النمو السكاني خلال المائة سنة الماضية.
ومن تسبب في هذه الكارثة التي صارت نُذرها ملموسة ومحسوسة هي نفس الدول التي تقيم اليوم مأتما وعويلا على حال كوكب الأرض في ظل المتغيرات المناخية المتسارعة، وهي ما صرنا نسميها بالدول المتقدمة ـ الصناعية، وفي طليعتها الولايات المتحدة والصين وروسيا وعموم دول أوربا، والتي تتبارى لصوغ الاتفاقيات الرامية للحد من ظاهرة "الإحماء" فيأتي من بينهم شخص مثل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ليقول ان تلك الظاهرة "إشاعة"، ويسمح لشركات بلاده العاملة في مجالات النفط والتعدين بالعبث بالغابات ومجاري الأنهار.
ومؤشرات وعلامات التغير المناخي تكاد تُرى بالعين في كل بقعة من بقاع الأرض: ارتفاع مطرد في درجات الحرارة، وموجات جفاف قاسية وطويلة الأمد، تعقبها أمطار رعدية تنشأ من تسارع تبخر مياه البحار، ذوبان الثلج والجبال الجليدية في القطبين الشمالي والجنوبي، وارتفاع مستويات المياه في جميع بحار العالم مما يهدد عددا من الجزر بالاختفاء، وحدا كل ذلك بالأمم المتحدة إلى التحذير من كارثة وشيكة بل وحتمية بحلول عام 2050 عندما يبلغ تعداد سكان العالم 10 بلايين و500 مليون نسمة (بينما تعداده الحالي 7 بلايين و200 مليون نسمة)، وبموازاة تلك الزيادة في تعداد سكان كوكب الأرض سيحدث ارتفاع في مستويات المعيشة، ولك أن تتساءل: أليس هذا خيراً وبركة؟ سيكون رد الأمم المتحدة: بلاش هبل وشغِّل مخك، هذه كارثة، لأن قرابة أربعة بلايين شخص إضافي (مقارنة بالحال الراهن) سيكونون بحاجة الى طعام وشراب ومساكن، والطعام الإضافي يعني توفير المزيد من الأراضي للزراعة، وهذا بدوره يتطلب إزالة الغابات، والزراعة بحاجة الى ماء، والماء سيزداد نقصا وشحا، وستكون هناك حاجة الى المزيد من الأبقار لتوفير اللحوم لأكثر من 10 بلايين شخص، ومن الثابت عمليا ان البقرة الواحدة تنتج وتنفث يوميا غازات أكثر من تلك التي ينتجها مصنع للمشروبات الغازية!
طيب وما الحل يا أمم يا متحدة؟ قالت: الحل في تحديد النسل!! كيف يعني؟ بمنع الزواج؟ لا، بل يكمن الحل في أن تقوم الدول الغنية برصد مبالغ ضخمة لتوفير موانع الحمل لشعوب العالم الثالث!! أليس هذا هو التعقيم القسري نفسه؟
الغربيون لوثوا الأرض والفضاء بمصانعهم وتسببوا في ظاهرة التغير المناخي، ويريدون من الشعوب الفقيرة دفع الفاتورة، بألا تكون الزيادة السكانية الكونية خلال الـ30 سنة المقبلة أكثر من بليون نسمة. وقليلا، قليلا قد يصدر قانون من الأمم المتحدة ينص على عدم إنجاب أي زوجين لأكثر من طفل أو اثنين، وسيكون ذلك القانون وبالا على العرب الذين لم يعودوا يسهمون في التراث الإنساني إلا بالإنجاب الغزير.
قد يبدو هذا السيناريو مضحكا وسخيفا، ولكنه يا جماعة غير مستبعد، وحكوماتنا أسد علينا وأمام الغرب نعامة، ألا تذكرون كيف انصاعت لتوجيهات الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الثاني، بأن قبلت التعامل بانتقائية مع آيات القرآن للتعتيم على بعضها في المناهج المدرسية؟