هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
على النظام أن يبادر بنفسه للدعوة إلى إطلاق حوار مجتمعي شامل للاتفاق على صيغة عقد اجتماعي جديد
النظام لن يستطيع الاستمرار في سياساته الراهنة إلى ما لا نهاية لأنها ممارسات "استبعادية وأنانية ضيقة"
انتخابات الرئاسة المقبلة ربما تتيح فرصة هائلة لإحداث التغيير المنشود لكن في حالة واحدة فقط
النظام يبدو واثقا من نفسه أكثر مما ينبغي والمعارضة تبدو ضعيفة وغير قادرة على تقديم بديل أو رؤية للتغيير
القبول بالأمر الواقع يعني إقرارا بحق النخبة الحاكمة في السيطرة على السلطة واحتكار الثروة
سأظل مقتنعا بأن المصالحة المجتمعية هي السبيل الوحيد لطي صفحة الماضي وفتح طاقة أمل نحو المستقبل
ليس لدي ما أخجل منه.. ولو قُدّر لي أن أعود إلى الوراء لاتخذت نفس المواقف السابقة
لم أكن أبدا على اتصال مع المجلس العسكري لا عقب ثورة يناير ولا بعد أحداث 3 يوليو 2013
الأوضاع الراهنة لقوى المعارضة لا تبشر بخير ولا توحي بأنها قادرة على الاتفاق على رؤية محددة
قال الأكاديمي المصري البارز وأستاذ العلوم
السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور حسن نافعة، إن "الانتخابات الرئاسية
المقبلة في مصر عام 2024 يمكن أن تُشكّل فرصة هائلة لإحداث التغيير المنشود، ولكن
في حالة واحدة فقط، وهي اقتناع النظام الحاكم بأن التغيير أصبح ضرورة ملحة، وأن
الوضع العام بات مستقرا إلى الدرجة التي تقنعه بإمكانية الشروع في إحداث تغيير
أصبح مطلوبا بإلحاح، دون وقوع هزات كبيرة".
ودعا، في مقابلة خاصة مع "عربي21"،
النظام إلى ضرورة إجراء "حوار مجتمعي شامل تشارك فيه كل الأطراف، وأن يبادر
بنفسه بالدعوة إلى هذا الحوار للاتفاق على صيغة عقد اجتماعي جديد يؤسس فعلا لدولة
مدنية ديمقراطية حديثة؛ فهذه هي الخطوة الأولى المطلوبة حاليا".
وأوضح أن النظام الحاكم لم يبادر بطرح أي
مبادرة لإحداث مصالحة مجتمعية، لأنه يبدو واثقا من نفسه بأكثر مما ينبغي، ولأن
المعارضة ربما تبدو ضعيفة بأكثر مما ينبغي وغير قادرة على تقديم بديل أو رؤية
مقنعة لكيفية إحداث التغيير، أو لهذين السببين معا.
واستطرد نافعة قائلا: "نحن أمام نظام
يعتقد أنه مفوض من جانب العناية الإلهية، وأنه الوحيد المؤهل لإنقاذ مصر من حفرة
كاد الإخوان أن يوقعوها فيها، وأمام معارضة ما تزال منشغلة في تصفية الحسابات فيما
بينها أكثر من انشغالها بحماية المستقبل الذي يتطلع إليه شعب مصر الذي ما زال
مغلوبا على أمره".
رغم ذلك رأى أن دعوات المصالحة المجتمعية لا
تزال صالحة حتى الآن، مضيفا: "سأظل شخصيا مقتنعا بأن تلك المصالحة هي السبيل
الوحيد لطي صفحة الماضي الكئيب وفتح طاقة أمل نحو المستقبل. لكنها ليست قضية شخص
أو مجموعة من الأفراد، وإنما هي قضية القضايا التي ينبغي أن ينشغل بها الجميع،
وبالتالي تستحق أن يتنافس المتنافسون من أجل العمل على تحقيقها".
وتاليا نص المقابلة الخاصة:
ما أبرز المراجعات الشخصية التي قام بها الدكتور حسن نافعة منذ اندلاع ثورة يناير وحتى الآن؟
أنا من الذين لا يستنكفون أبدا مراجعة مواقفهم
وتجاربهم والاعتراف بأخطائهم إن لزم الأمر؛ فنحن بشر ولسنا ملائكة معصومين. وقد
قمت شخصيا، حتى قبل اندلاع ثورة يناير، بمراجعة تجربتي كمنسق عام للحملة ضد
التوريث ثم كمنسق عام للجمعية الوطنية للتغيير، وكتبت سلسلة من المقالات في صحيفة
"المصري اليوم" تحت عنوان "مراجعات" تحدثت فيها عن الظروف
والملابسات التي أحاطت بتجربة أعتقد أنها كانت ثرية جدا في حياتي وعن الإخفاقات
والإنجازات التي حققتها وعن الأخطاء التي وقعت فيها.. إلخ.
وأتذكر أن بعض الكتاب والمفكرين أشادوا بهذه
المراجعات في حينها واعتبروها سابقة حميدة ينبغي الاحتذاء والاحتفاء بها. ولأنها
مراجعات مكتوبة وموثقة، يستطيع أي شخص أن يعود إليها في أرشيف صحيفة "المصري
اليوم" ليتأكد بنفسه من إيماني بهذا النوع من المراجعات التي أعتبرها ضرورية.
ومع ذلك بوسعي أن أقول بلا تردد إن لدي سجلا شخصيا من المواقف والتحليلات السياسية
أعتز به؛ فهذه مواقف وتحليلات مكتوبة ومسجلة بالكامل، وبالتالي يمكن الرجوع إليها
بدون أي حذف أو إضافة أو تزييف، لكن من الضروري ألا تنزع من سياقها العام إذا
أردنا تقييمها، وهي تنطوي على انتقادات موضوعية للكثير من السياسات والتوجهات التي
تبناها مبارك، ثم المجلس العسكري، ثم محمد مرسي، حين كانوا جميعا في ذروة قوتهم
وسلطانهم، وهو نفس التوجه الذي أتبناه في ظل حكم السيسي، لكنني لم أتجاوز مع أي من
هؤلاء القادة والحكام أبدا ولم أقم بتجريح أحد منهم على المستوى الشخصي، وبنيت
مواقفي وتحليلاتي تجاه سياساتهم وتوجهاتهم استنادا إلى نفس المعايير والقيم
المرجعية، وهي قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
ولو قُدّر لي أن أعود إلى الوراء، وأن أعيش نفس
الظروف والسياقات التاريخية لاتخذت نفس المواقف، ولكتبت نفس التحليلات. فالحمد لله
كثيرا لأنه ليس لدي ما أخجل منه، لكن البعض ما زال يعتقد للأسف أن محمد مرسي كان
مختلفا، لأنه الرئيس الوحيد المنتخب ديمقراطيا، ومن ثم ما كان ينبغي توجيه النقد
لسياساته أو الاحتجاج على تصرفاته، وهذه رؤية لا أتفق معها بتاتا، ومن الغريب أن
البعض ما زال يعتقد حتى هذه اللحظة أنني كنت عضوا في جبهة الإنقاذ، وهو ما لم يحدث
قط.
وماذا عن المراجعات المطلوبة من قِبل النظام والمعارضة؟
ليس المطلوب من أي جهة، سواء من جانب النظام
الحاكم أو من جانب أحزاب وقوى المعارضة، أن تعتذر لأحد أو تُكفّر عما ارتكبته من
أخطاء، أو حتى من جرائم؛ فالكل أخطأ أو أساء التقدير في مرحلة من المراحل. ولأنه
لا يمكن الرجوع بعجلة التاريخ إلى الوراء، يتعين علينا جميعا أن نتوجه بجهودنا
لإنقاذ المستقبل وليس لمحاكمة الماضي، صحيح أنه من المهم جدا أن نراجع مواقفنا
لنحدد ما ارتكبناه من أخطاء، حتى لا تتكرر في المستقبل، لكن يجب أن ننطلق في هذه
المراجعة من فكرة أننا جميعا شركاء في الوطن، وأنه لا يحق لأحد أن يمارس سياسة
الإقصاء في وجه أي طرف آخر، باستثناء مَن يرفع السلاح في وجه الدولة أو المجتمع،
وبالتالي علينا جميعا أن نشترك في تحديد قواعد اللعبة السياسية أو شروط العقد
الاجتماعي الذي ينبغي أن يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم في المستقبل، وأن نلتزم به
جميعا وبنفس القدر. وحين نتمكن من الوصول إلى هذه النقطة فسنكون قد قطعنا نصف
الطريق إلى المستقبل الذي نتمناه.
ما نصيحتكم إلى المعارضة والشعب المصري في التعاطي مع المشهد الراهن؟ هل الأفضل التراجع كثيرا للوراء والقبول بالأمر الواقع أم مقاومة الأوضاع لإحداث التغيير؟
ليس مطلوبا من أحد أن يقبل بالأمر الواقع دون
تغيير، لأن القبول به يعني إقرارا بحق النخبة الحاكمة في أن تسيطر وحدها على
السلطة، وأن تحتكر لنفسها الثروة، وأن تُقصي الآخرين. ولن يكون مفيدا في الوقت
نفسه أن تسعى قوى المعارضة لتغيير الأوضاع القائمة قبل أن يحدث اتفاق عام بينها
حول طبيعة التغيير المطلوب وحجمه ووسائله.
لذا، أعتقد أنه لن يكون باستطاعة النظام الحالي
أن يستمر في سياساته الراهنة إلى ما لا نهاية، لأنها سياسات استبعادية وأنانية
ضيقة، كما لن يكون باستطاعة قوى المعارضة أن تطيح بهذا النظام قبل أن تتفق على شكل
التغيير الذي تأمله وكيفية الوصول إليه.
وبالتالي أعتقد أن الوضع المثالي يتطلب أن
يقتنع النظام الحاكم بأهمية إجراء حوار مجتمعي شامل تشارك فيه كل الأطراف التي لم
تحمل السلاح في وجه الدولة أو المجتمع، وأن يبادر بنفسه بالدعوة إلى هذا الحوار
للاتفاق على صيغة عقد اجتماعي جديد يؤسس فعلا لدولة مدنية ديمقراطية حديثة. فهذه
هي الخطوة الأولى التي قد تساعد، إن تمكنا من اجتيازها، على التحرك بسرعة على طريق
الألف ميل الذي ينبغي أن نقطعه قبل أن نتمكن من الوصول إلى الدولة المدنية
الديمقراطية المنشودة.
كنت على تواصل مع المجلس العسكري عقب ثورة يناير وبعد أحداث 3 تموز/ يوليو 2013، فهل هذا التواصل لا يزال موجودا سواء مع المجلس العسكري أو أي جهة أخرى في النظام الحاكم؟
هذا ليس صحيحا؛ فلم أكن أبدا على اتصال مع
المجلس العسكري لا عقب ثورة كانون الثاني/ يناير، ولا بعد أحداث 3 تموز/ يوليو
2013، بل إنني لم أحضر أيّا من الحوارات التي تكالب عليها البعض عقب تنحي مبارك،
على الرغم من أنني كنت حتى وقت قريب المنسق العام لكل من الحملة ضد التوريث
والجمعية الوطنية للتغيير. كل ما هناك أنه تم اختياري عضوا، ضمن عشرات آخرين،
بالمجلس الاستشاري الذي عينه المجلس العسكري قبيل انتخابات 2012، وبناء على ترشيح
من عمرو موسى.
ولأن المرحوم اللواء محمد العصار كان عضو
المجلس العسكري الذي اتصل بي ليخطرني بهذا الترشيح وليستطلع رأيي حوله؛ فقد استمر
التواصل فيما بيننا، خاصة وأنه كان عضو المجلس العسكري الوحيد الذي يحضر جلسات
المجلس الاستشاري بانتظام والمكلف بمتابعة نشاطه، لكن عمر المجلس الاستشاري كان
قصيرا، وبالتالي لم يدم طويلا؛ فقد انسحب أغلب أعضائه، وأنا واحد منهم، عقب أحداث
محمد محمود.
وحين دارت الأيام ووقعت أحداث 30 حزيران/ يونيو
ثم 3 تموز/ يوليو وجرى فض رابعة بالقوة، استشعرت خطر ما هو قائم وبادرت بالاتصال
تليفونيا بالمرحوم اللواء محمد العصار، وكان وقتها نائبا لوزير الدفاع، الفريق
السيسي في ذلك الوقت، لأعُبّر له عن مخاوفي من التطورات المحتملة للوضع السياسي في
مصر؛ فطلب مني تدوين أفكاري كتابة وإرسالها له على بريده الإلكتروني، وهو ما حدث
فعلا.
ولأنني نشرت نص الورقة التي أرسلتها للواء
العصار، في حياته، وهي الورقة التي أطلق عليها الإعلام المصري "مبادرة حسن
نافعة للمصالحة مع الإخوان"، لا أجد ضرورة للدخول في تفاصيلها هنا، وكلها
معروفة فضلا عن كونها مدونة في مقالاتي في "المصري اليوم". بعد كتابة
هذه الورقة بعدة أسابيع، التقيت باللواء العصار في مكتبه في وزارة الدفاع، بناء
على طلبه هو هذه المرة، لأشرح له بعض ما يكون قد غمض من بنود في هذه
"المبادرة" التي كان من الواضح أنها لم تلق ترحيبا من القائمين على
الأمر في ذلك الوقت، وكان هذا آخر لقاء لي به أو بأي عضو من أعضاء المجلس العسكري.
تجدر الإشارة هنا إلى أنني لم أدع إلى أي مناسبة رسمية أو لقاء أو حوار مع أي
مسؤول في الدولة منذ إعلان المشير عبد الفتاح السيسي ترشحه للرئاسة.
هناك مَن يقول إن السيسي بات يعتمد مؤخرا استراتيجية مغايرة في الاعتماد أكثر على مؤسسات الدولة بدلا من "دائرته الضيقة" التي كان يستند إليها سابقا.. ما صحة ذلك؟
ليس لدي أي معلومات مؤكدة حول هذا الموضوع،
وعندما تكون الحياة السياسية في مصر مغلقة إلى هذا الحد، ولا يدور فيها نقاش حر
حول القضايا الاستراتيجية، يصبح النظام معتما مثل الثقب الأسود، ومن ثم تصعب رؤية
ما في داخله. ولذلك فإن أي تحليلات حول هذه القضية تصبح مجرد اجتهادات أو تكهنات
لا قيمة لها، لأنها لا تستند إلى أسس علمية سليمة.
ما مدى تأثر النظام بالأزمات المختلفة التي تشهدها مصر خاصة أن الكثيرين يقولون إنها بلا أي تأثير عليه؟
لا يوجد نظام سياسي في العالم لا يتأثر
بالأزمات التي تحيط به، داخلية كانت أم خارجية. والقول بأن النظام المصري لا يتأثر
البتة بما يحيط به من أزمات هو قول يفتقر إلى الدقة، بل وأعتقد أنه قول غير صحيح
بل وغريب أيضا. فمن الطبيعي أن يواجه كل نظام سياسي أزمات داخلية وخارجية قد تتسبب
فيها سياساته هو أو سياسات غيره من الدول والقوى المحيطة، ومن الطبيعي أن يدير كل
نظام سياسي تلك الأزمات بطريقته الخاصة، حسب إدراكه لما لها من تأثير سلبي أو
إيجابي عليه، وكذلك حسب ما قد تتيحه من فرص أو ما قد تفرضه من قيود.
لذا، قد نتفق أو نختلف مع الطريقة التي يدير
بها النظام المصري الأزمات التي تواجهه، لكن لا نستطيع أبدا أن نقول إنه لا يتأثر
بهذه الأزمات أو أنه ليس لديه رؤية أو خطة لمواجهتها. انظر إلى تحركات الرئيس
السيسي على الصعيد الخارجي وما يقوم به من مشتريات للسلاح، وطريقته في معالجة
الأزمة الليبية أو في معالجة قضية غاز شرق المتوسط أو غيرها من الأزمات، فلا شك أن
هذه التحركات تعكس مواقف وسياسات محددة وواضحة، قد تتفق أو تختلف معها، لكن تلك
قضية أخرى.
كذلك الحال بالنسبة لقضايا السياسة الداخلية.
انظر مثلا إلى موقفه من قضايا الدعم، أو تعويم الجنيه، أو موقفه من قضايا الحريات
والإعلام وتجديد الخطاب الديني.. إلخ. ألا تعكس سياساته في كل هذه الأمور طريقته
الخاصة في معالجة الأزمات الداخلية. بصرف النظر عن مدى الاتفاق أو الاختلاف مع هذه
السياسات، فتلك قصة أخرى، بعبارة أخرى فأنت لا تستطيع أبدا أن تدعي أن النظام
المصري لا يتأثر بالأزمات المحيطة به. قد يكون هذا النظام من وجهة نظرك لا مباليا
في معالجة قضايا معينة، أو مقتحما وجسورا في معالجة قضايا أخرى، وليّنا في قضايا
وعنيفا في أخرى، لكنه بالقطع يتأثر ويؤثر.
قلت سابقا إن الأمور في مصر لا يمكن أن تستمر كثيرا بهذه الطريقة والممارسات الحالية.. فهل تتوقع قرب حدوث التغيير؟ وما شكل هذا التغيير المرتقب من وجهة نظركم؟
التغيير في مصر يرتبط في تقديري بأمرين
رئيسيين: الأول يتمثل في قدرة النظام الحاكم على التصدي للمشكلات التي يواجهها
المجتمع المصري، سواء على الصعيد الداخلي، خاصة المشكلة الاقتصادية وما يتعلق منها
بتوزيع الدخل والثروة، أو على الصعيد الخارجي، خاصة مشكلة المياه وسد النهضة.
والثاني: قدرة فصائل وتيارات المعارضة على
الاتفاق على رؤية موحدة لطبيعة ولشكل التغيير الذي يتطلع إليه، والذي يجب أن يرتبط
عضويا بطبيعة وشكل التغيير الذي تتطلع إليه الأغلبية التي ما تزال صامتة في مصر.
ولأنني أعتقد أن النظام الحاكم غير قادر على
مواجهة هذه المشكلات، خاصة إذا أصر على مواصلة سياساته الداخلية والخارجية الراهنة
دون تغيير، كما أعتقد أن فصائل المعارضة عاجزة عن الاتفاق على طبيعة وشكل ووسائل
التغيير المطلوب، لا أتوقع حدوث تغيير جوهري في المستقبل المنظور، ما لم تحدث أمور
من صنع القضاء والقدر، وهو ما لا يمكن التنبؤ به.
وفي كل الأحوال، يبدو لي أن اقتناع النظام
الحاكم بأهمية وضرورة إجراء حوار مجتمعي شامل حول كيفية تأسيس دولة مدنية
ديمقراطية في مصر، وإقدام فصائل وتيارات المعارضة على إجراء المراجعات المطلوبة
لإنجاح هذا الحوار، هما شرطان ضروريان لإحداث التغيير المطلوب بالطريقة التي
يمكنها تجنيب البلاد عواقب التحرك نحو المجهول.
البعض يرى أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024 قد تمثل لحظة التغيير.. فما مدى دقة هذا التصور؟
يمكن لانتخابات 2024 الرئاسية في مصر أن تشكل
مناسبة، وأن تتيح فرصة هائلة لإحداث التغيير المنشود، ولكن في حالة واحدة فقط وهي
اقتناع النظام الحاكم بأن التغيير أصبح ضرورة ملحة، وأن الوضع السياسي والاقتصادي
والاجتماعي في مصر أصبح مستقرا إلى الدرجة التي تقنعه بإمكانية الشروع في إحداث
تغيير أصبح مطلوبا بإلحاح، دون وقوع هزات كبيرة.
أما إذا اعتقد النظام الحاكم أن كل شيء يجري
على ما يرام، وأنه ليس في الإمكان أفضل مما كان ومما هو قائم، فلن تختلف
الانتخابات الرئاسية القادمة في مصر عن سابقتيها وستتحول إلى مجرد استفتاء آخر
يوصد باب المستقبل ويصادر أي أمل في التغيير.
هل ينبغي على قوى المعارضة الاستعداد من الآن للانتخابات الرئاسية المقبلة كما دعا بعض الإعلاميين المحسوبين على النظام مثل عمرو أديب وغيره؟
طالبت وناديت مرارا وتكرارا بأن تكون قوى
المعارضة مستعدة بشكل دائم لكل الانتخابات، لكن الأوضاع الراهنة لهذه القوى لا
تبشر بخير ولا توحي بأنها قادرة على الاتفاق على رؤية محددة أو على برنامج واضح
للتغيير. والقضية هنا ليست قضية أشخاص يمكنهم المنافسة في تلك الانتخابات؛ فمصر
مليئة بالكفاءات التي تستطيع أن تقود إذا أتيحت لها الفرصة، لكن بدون الاتفاق على
رؤية وعلى برنامج للتغيير سيستحيل الاتفاق على أشخاص لقيادة المرحلة المقبلة.
هل من الوارد طي الصفحة الحالية من الأوضاع السياسية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وأن يتم فتح صفحة جديدة في ظل وجود نظام السيسي؟
طي هذه الصفحة ضروري لفتح طاقة أمل نحو
المستقبل، لكن بعض الفصائل والتيارات السياسية لا تستطيع طي هذه الصفحة وما تزال
تتبنى لغة تحريضية وانتقامية لن تؤدي إلا إلى مزيد من التشرذم وعدم الفاعلية.
هل دعوات المصالحة المجتمعية التي أطلقتها أكثر من مرة سابقا لم يعد لها جدوى اليوم بعد مرور أكثر من 7 سنوات على أحداث 3 يوليو/تموز 2013؟
هذه الدعوات ما تزال في تقديري صالحة، وسأظل
شخصيا مقتنعا بأن المصالحة المجتمعية هي السبيل الوحيد لطي صفحة الماضي الكئيب وفتح
طاقة أمل نحو المستقبل. لكن المصالحة المجتمعية ليست قضية شخص أو مجموعة من
الأفراد، وإنما هي قضية القضايا التي ينبغي أن ينشغل بها الجميع، وبالتالي تستحق
أن يتنافس المتنافسون من أجل العمل على تحقيقها.
لماذا لم يبادر النظام الحاكم بطرح أي مبادرة لإحداث مصالحة مجتمعية وإنهاء الأزمة؟
ربما لأن النظام الحاكم يبدو واثقا من نفسه
بأكثر مما ينبغي، وربما لأن المعارضة تبدو ضعيفة بأكثر مما ينبغي وغير قادرة على
تقديم بديل أو رؤية مقنعة لكيفية إحداث التغيير، أو لهذين السببين معا. وفي
الحقيقة فنحن أمام نظام يعتقد أنه مفوض من جانب العناية الإلهية، وأنه الوحيد
المؤهل لإنقاذ مصر من حفرة كاد الإخوان أن يوقعوها فيها، وأمام معارضة ما تزال
منشغلة في تصفية الحسابات فيما بينها أكثر من انشغالها بحماية المستقبل الذي يتطلع
إليه شعب مصر الذي ما زال مغلوبا على أمره.
أخيرا.. هل التطورات الأخيرة في أفغانستان قد يكون لها انعكاس على المشهد المصري أم أنه لا يوجد أي رابط بين الأمرين؟
التطورات الأخيرة في أفغانستان تهم العالم كله،
ومن ثم سيكون لها انعكاسات على المشهد العالمي ككل وليس فقط على المشهد المصري.
ففي تقديري أن الولايات المتحدة منيت هناك بهزيمة عسكرية وسياسية كبرى، وأنها قبلت
تكتيكيا بهذه الهزيمة اعتقادا منها أن بقاءها لمدة أطول في أفغانستان سيؤدي إلى
استنزافها أكثر، ومن ثم إضعافها على الصعيد الاستراتيجي. الانسحاب يعطيها على
الأقل فرصة لإعادة تقييم سياساتها وتوفير النفقات الضخمة التي كانت تتكبدها يوميا
هناك حتى تستطيع أن تصبح في موقف يمكنها من مواجهة التحديات الكبرى القادمة من
الصين وروسيا وإيران بطريقة أفضل.
بل إن البعض يذهب إلى حد القول بوجود صفقة بين
الولايات المتحدة وطالبان، ومن ثم سينسقان معا في المستقبل للضغط على كل من الصين
وروسيا وإيران التي تعتبرها الولايات المتحدة قوى معادية وخطرة على أمنها. غير
أنني لا أتفق شخصيا مع هذا الطرح الذي يقترب كثيرا من نظرية المؤامرة، ولا أستبعد
أن يكون لكل من الصين وروسيا وإيران علاقات مستقبلية بطالبان أفضل من علاقة
الولايات المتحدة بها.
وعلى أي حال فسوف تتوقف الانعكاسات المتعلقة
بالتطورات الجديدة للأزمة الأفغانية على عوامل كثيرة، في مقدمتها حجم التغير الذي
قد يطرأ على سياسات طالبان في المستقبل، على الصعيدين الخارجي أو الداخلي، مقارنة
بسياساتها في منتصف التسعينات.
وفي جميع الأحوال، أعتقد أن الانتصار الذي
حققته طالبان قد يمنح زخما كبيرا للحركات الجهادية في العالم، وربما يؤدي إلى
تغيير كبير في موازين القوى بينها. ومن هذه الزاوية يمكن النظر إلى التأثيرات
المحتملة للتطورات الأخيرة في أفغانستان على المشهد المصري، لكن تلك قضية تحتاج
إلى تحليل منفصل قد لا يتسع له هذا الحوار.