هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
رفع مخطط عمل الحكومة التي يقودها رئيس
الوزراء الجديد أيمن بن عبد الرحمن، سقف الطموحات والأهداف عاليا، لإصلاح الأوضاع
السياسية والاجتماعية والنهوض بالاقتصاد، لكنه يبقى بالنسبة لمنتقديه مجرد حبر على
ورق، بالنظر لعدم وجود آليات واضحة لتطبيقه.
وسيعرض مخطط عمل الحكومة على المجلس
الشعبي الوطني، يوم الإثنين 13 أيلول/سبتمبر الجاري، يتبعه في ذلك مناقشة من
النواب ثم تصويت علني في جلسة عامة لاعتماده، وذلك وفق ما ينص عليه الدستور
الجزائري.
وورد في هذا المخطط الذي اطلعت عليه
"عربي21"، وعود وتعهدات بالجملة في شتى المجالات، مع تركيز واضح على
الجوانب الاقتصادية والمالية، تماشيا مع الظرف الحالي الذي تعرف فيه الجزائر أزمة
اقتصادية بعد تراجع احتياطيها من الصرف وعدم تمكنها من فك التبعية المطلقة للمحروقات.
إصلاح المنظومة السياسية والحقوقية
وفي الشق السياسي والحقوقي، بدا طموح
الحكومة عاليا في إصلاح المنظومة الحالية، حيث قدمت تعهدات بمراجعة وتحيين جملة من
النصوص التشريعية، بهدف ترسيخ الممارسة الكاملة للحقوق والحريات.
ومن أبرز ما نص عليه المخطط في هذا
الشأن، معالجة إشكالية إنشاء الجمعيات والأحزاب السياسية وممارسة حقوق الاجتماع
والتظاهر السلمي، حيث قُدمت وعود بإضفاء مرونة عميقة على الإطار القانوني، بالنسبة
لإنشاء الجمعيات والأحزاب السياسية، مع الامتثال الصارم للتشريع والتنظيم المعمول
بهما.
اقرأ أيضا: صدامات بين متظاهرين والشرطة في شرق الجزائر
ونصّ المخطط، على أن الحكومة ستعمل على
بروز مجتمع مدني حر وديناميكي، قادر على أداء دوره الكامل كمرافق ومقيم للعمل
العمومي الموجه لخدمة المواطن حصريا.
أما بالنسبة لحرية الاجتماع والتظاهر
السلمي، فستجري الحكومة مراجعة عميقة للإطار القانوني الذي يحكم هذه الحقوق، حيث
سيتم تكييف الإطار القانوني الذي ينظم الاجتماعات العامة التي ستصبح مستقبلا خاضعة
لنظام التصريح ومدعمة بحق الطعن أمام الجهات القضائية المختصة.
وفيما يخص حرية الصحافة، سيرتكز عمل
الحكومة على مراجعة الإطار التشريعي والتنظيمي المتعلق بتنظيم قطاع الاتصال ومهنة
الصحافة بهدف مواءمة عملها مع الدستور الجديد وتطوير الاتصال المؤسساتي بغرض
استعادة الثقة بين المواطن ومؤسسات بلاده، مع مواصلة الحملة التوعوية في إطار مخطط
الاتصال الخاص بجائحة كوفيد-19.
ويعلق سعيد صالحي نائب رئيس الرابطة
الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، على هذه الوعود بالقول، إنه في كل مرة يُلاحظ
أن الواقع يخالف التصريحات.
وأوضح صالحي في تصريح
لـ"عربي21"، قائلا: "يكفي أن نلاحظ ما يحدث للجمعيات والأحزاب
المحسوبة على المعارضة، حيث شنت وزارة الداخلية حملة ضد جمعيات وأحزاب قصد حلها وسحب اعتمادها، مثل جمعية راج، وجمعية أس أو أس باب الوادي التي ما زال رئيسها لحد
اليوم رهن الاعتقال دون محاكمة وهذا بعد عدة أشهر".
وطالب المتحدث السلطة بتحيين وملاءمة
القانون مع الدستور والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الجزائر،
منها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، لإزالة هذا التناقض الموجود حسبه،
إذ أن الدستور الجديد قام بترسيخ مبدأ جوهري هو التصريح عوض الترخيص، لكن في
الواقع لا زالت الداخلية تفرض الترخيص المسبق لكل النشاطات العمومية.
تطوير الاقتصاد ومحاربة الفساد
وفي الجانب الاقتصادي وذلك المتعلق
بمحاربة الفساد، قدم مخطط عمل الحكومة اقتراحا جريئا ينص على اعتماد تسوية ودية لاسترجاع
الأموال المنهوبة في حقبة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وأشارت الوثيقة إلى أن الحكومة
"عازمة على مواصلة مكافحة الفساد والمحاباة والمحسوبية، لا سيما من خلال
إصلاح قانون الوقاية من الفساد ومكافحته"، مع "تشديد العقوبات فيما يخص
جرائم الفساد"، و"تعزيز الجهاز الذي تم وضعه لتسيير الأملاك المحجوزة مع
إدراج أحكام خاصة لتسيير الشركات محل المتابعات القضائية".
ويوجد حاليا أغلب رجال الأعمال
النافذين في وقت الرئيس السابق رهن الحبس، بسبب تورطهم في قضايا فساد، أبرزهم علي
حداد رئيس منتدى رؤساء المؤسسات الذي تشير التقديرات القضائية إلى استفادته من
قروض ومشاريع تفوق 30 مليار دولار.
ويرى حفيظ صواليلي، الصحفي والمحلل
الاقتصادي، أن الملاحظة التي تقفز إلى الذهن بمجرد الاطلاع على محتوى مخطط عمل
الحكومة، هي أن غالبية ما تضمنه الشق الاقتصادي هو عبارة عن إعادة تدوير واستنساخ
ما تم تقديمه سابقا سواء فيما يخص ورشات الإصلاح أو الإجراءات والتدابير المتصلة
بالإنعاش الاقتصادي.
ويشير صواليلي في حديثه مع "عربي21"،
إلى غلبة الطابع النظري على هذا المخطط، دون تحديد دقيق لآليات التنفيذ والتطبيق
والتجسيد لورشات كبيرة سبق وأن تم التأكيد عليها مثل الرقمنة وعصرنة البنوك وأخلقة
الممارسة الاقتصادية ومحاربة البيروقراطية وتحفيز الاستثمار ودعم المؤسسات الصغيرة
والمتوسطة والناشئة وغير ذلك.
وكمثال على ذلك، يقول المتحدث، إنه تمت
مثلا الإشارة في هذا النص مثل المخططات السابقة، إلى الشمول البنكي والمصرفي أي
تدعيم شبكة البنوك وتوسيعها ودعمها، بينما يلاحظ، حسبه، خلال العقدين الماضيين
محدودية في تطوير المجال البنكي، فنسبة الوكالات البنكية تبلغ وكالة لكل 26 ألف
نسمة وهي بعيدة عن المتوسط الدولي كثيرا وعن الإقليمي أيضا، كما أن الجزائر لم
تسجل منذ أكثر من عقدين دخول أو اعتماد أي بنك.
أما المثال الآخر الذي يسرده صواليلي، فهو التأكيد في كل مرة على إنشاء وكالات بنكية بالخارج، غير أن هذا المشروع يبقى
متعثرا منذ سنوات بالنظر لطبيعة التشريعات والقوانين الخاصة بالصرف وكذا وضع
البنوك أساسا، ونفس الأمر ينطبق –يضيف- على بنك البريد الذي يعد مشروعا يعود
لسنة 2012 ولم يتجسد رغم الوعود المتكررة.
توقعات بمرور سهل على البرلمان
ولا يتوقع بالنظر إلى تركيبة البرلمان
الحالي، أن يجد رئيس الوزراء أي إشكال في تمرير مخطط عمل الحكومة، إذ يتمتع
بأغلبية مريحة وواسعة تزيد عن 300 صوت.
وتضم الحكومة في صفوفها ممثلين عن
أحزاب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل وحركة
البناء الوطني والأحرار، وهي أكبر الكتل المهيمنة على المجلس الشعبي الوطني.
بالمقابل، تعد حركة مجتمع السلم، الحزب
الكبير الوحيد (يتوفر على كتلة معتبرة من نحو سبعين نائبا)، الذي أعلن أنه سيكون
في المعارضة، بعد رفضه عرض دخول الحكومة.
وقال أحمد صادوق رئيس الكتلة النيابية
لحركة مجتمع السلم، في تصريح لـ"عربي21"، إنه "على اعتبار أننا
المعارضة الوحيدة في المجلس فإن الحكومة لم تنتظر منا الدعم المطلق للمخطط".
وأبرز المتحدث أن حزبه سيقدم المقترحات
والبدائل والرؤى التي يراها مناسبة وصالحة للاستجابة للتحديات الاقتصادية
والاجتماعية كما أنه سيثمن ما يراه إيجابيا.
وفي حديثه عن المخطط، قال النائب إنه
تم اعتماد التغليط في المقدمة بالقول إن الانتخابات كانت ناجحة بينما الجميع يعرف
أن هذه الانتخابات لم تكن في مستوى تطلعات الجزائريين.
كما أن المخطط في عمومه، ينطوي حسب
صادوق على تشابه كبير مع المخططات السابقة، وأكبر ثغرة في هذا المشروع أنه لا يشير
إلى مصادر التمويل، خاصة مع بعض البرامج التي تبدو طموحة بينما تعيش البلاد أزمة
اقتصادية خانقة في ظل تراجع احتياطي الصرف وارتفاع التضخم وتراجع قيمة الدينار.