هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تناول مقال في موقع "ميدل إيست أي" البريطاني، تداعيات ما سيحدث في تونس بعد انقلاب قيس سعيد على الدستور واحتكاره السلطة على الغرب، مع أهمية دولية كبيرة "يجب ألا يسكت عنها".
جاء ذلك في مقال ماركو كارنيلوس، الذي ترجمته "عربي21"، قال فيه؛ إن "الغرب التزم الصمت بشكل عام بعد استيلاء قيس سعيد على السلطة. ولكن من مصلحته الحفاظ على الديناميكية الدقيقة بين الإسلام السياسي والديمقراطية".
وشدد على أن "لدى الاتحاد الأوروبي، بما يعيش في كنفه من مسلمين باتوا يشكلون داخله تجمعا معتبرا، مصلحة في ضمان أن تعزز الديناميكية الدقيقة بين الإسلام السياسي والديمقراطية على النمط الغربي نفسها، من خلال صناديق الاقتراع بدلا من الانقلابات العسكرية".
وأوضح أنه "في نهاية المطاف، فإن تونس توفر مثل هذه الفرصة المزدوجة، وما يجري فيها يهم الاتحاد الأوروبي أكثر بكثير من أي استراتيجية قد تتعلق بمناطق المحيطين الهندي والهادي".
وتاليا النص الكامل للمقال كما ترجمته "عربي21":
قد لا تبدو تونس على المسرح العالمي بلدا ذا شأن كبير، ولكنها المكان الذي انطلق منه قبل ما يقرب من عقد من الزمن ما بات يعرف بالربيع العربي، الذي يكاد أن يكون الآن قد ولى.
دشنت الثورة التي قامت ضد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ما بين كانون الأول/ ديسمبر 2010 وكانون الثاني/ يناير 2011، ثم خلعته فيما بعد من السلطة، عقدا من الغليان الشعبي –أشعله الإحباط والظلم الاجتماعي والقهر وسوء الحكم– فهز أركان الشرق الأوسط برمته.
تفجرت على أثر التحول السلمي نسبيا في تونس ثورات في كل من مصر واليمن وليبيا وسوريا، كانت للأسف أشد دموية بكثير، بل نجم عنها في حالة الأقطار الثلاثة الأخيرة حروب أهلية حقيقية بتكلفة بشرية جسيمة.
ربما كانت تونس، بالإضافة إلى لبنان، ومازالت، المجتمع المدني العربي الأكثر تقدما، ولعل في هذا ما يفسر التحول السلمي نسبيا من نظام بن علي السلطوي إلى حكومات جاءت من بعده، أفرزتها انتخابات حرة أدى فيها حزب حركة النهضة، الذي يعدّ من تجليات الإخوان المسلمين، دورا مهما.
تقع تونس على مفترق طرق بين أوروبا وشمال أفريقيا، وبين غربي المتوسط وشرقيه. ويؤهلها موقعها لمراقبة ما يجري من أحداث في جوارها المضطرب في ليبيا، ولقياس الديناميكية المعقدة للعلاقة ما بين الإسلام السياسي والديمقراطية.
إذا كانت تونس قد بدت كما لو كانت قصة النجاح الوحيدة للربيع العربي، فقد تغير ذلك في تموز/يوليو، حينما نفذ الرئيس قيس سعيد انقلابا، فحل البرلمان ومنح نفسه سلطات استثنائية بعد شهور من تصاعد التوترات بينه وبين الحكومة برئاسة الوزير الأول هشام المشيشي، والبرلمان برئاسة زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، حول السخط الشعبي إزاء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
التوترات الداخلية
برر قيس سعيد، وهو أستاذ القانون الدستوري، قراره بتفعيل المادة 80 من الدستور التونسي الذي تم تبنيه في عام 2014. إلا أنه ذهب في تفسيره وتطبيقه لتلك المادة، كما يرى الكثيرون من خبراء القانون التونسي، بعيدا متجاوزا الغاية الأصلية من تفعيلها.
في تلك الأثناء، لا يوجد ما يشير إلى أن التوتر الداخلي الذي أطلقه الانقلاب يوشك أن يهدأ. إلا أن آثار الجائحة والأزمة الاقتصادية، اللتين فاقما من ضعف الحكومة وتفشي الفساد، وفرتا لقيس سعيد وأنصاره وضعا مواتيا ومريحا.
وقعت صدامات بين الرئيس وأولئك الذين يعارضون إجراءاته بقوة، ولم تنج المعارضة لا من التصريحات النارية ولا القرارات المهيجة، مثل التمديد إلى أجل غير مسمى لإجراءات الطوارئ. كما أعلن سعيد عن حلول من شأنها أن تفاقم من حالة الاستقطاب، مثل تعليق الدستور وتنظيم استفتاء لتعديل النظام السياسي.
على الرغم من كل هذا، لم تصدر سوى ردود فعل باهتة بل وحتى صمت يصم الآذان عن المجتمع الدولي، وبشكل خاص عن الغرب، الذي كان يتوجب عليه بحسب ما يدعيه من قيم، أن يُسمع العالم صوته في مثل هذه الأوضاع.
ومع ذلك، فمن الممكن توصيف التطورات الجارية في تونس ضمن الارتكاس السياسي الذي تعود جذوره إلى الصدع الذي ما لبث منذ وقت طويل يقسم العالم العربي والإسلامي بشأن الإسلام السياسي. ما يشاهد في هذا الصدع، هو أن تركيا وقطر تدعمان جماعة الإخوان المسلمين، بينما تعارضها بشراسة كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر، وتلك مواجهة وجدت لنفسها في الصراع داخل ليبيا ميدانا من ميادين معاركها الرئيسية.
بمعنى آخر، يمكن لتونس أن تغدو الحلقة الأخيرة من مسلسل تصفية الحسابات الذي تضمن قبولا دوليا واسعا للانقلاب الوحشي الذي وقع في مصر في عام 2013، وأطاح بحكومة الرئيس محمد مرسي المنتخبة ديمقراطيا – التي كانت أيضا واحدة من تجليات الإخوان المسلمين.
التراجع الكامل عن السياسة
وقد نكون على وشك رؤية تراجع كامل في السياسة المتبعة تجاه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وسقوط البلد في أيدي الطالبان، الأمر الذي أحدث زلزالا ما تزال ارتداداته تهز المنطقة بأسرها.
ولكن، بغض النظر عن النقاشات الدستورية وردود الفعل الباهتة على الانقلاب وطبيعة أصوله، تستحق تونس أن تولي اهتماما؛ لأننا نشهد فصلا آخر من السلطوية في منطقة تنزع الأحداث فيها، كما يعلمنا التاريخ المعاصر، إلى توليد توترات أكثر تفجرا وأشد صعوبة.
في عالمنا الدولي الحالي شديد التذبذب، ومع وجود الجائحة، وبينما تتلبد السماء بسحب التضخم والديون المتراكمة وتلوح في الأفق أمارات تجدد التنافس المثير للقلق بين القوى العظمى بعد ثلاثين عاما من انفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم، لربما كان متفهما أيضا أن تقع الديمقراطيات الغربية فريسة لإغراءات تفضيل التطبيع البشع على الوقوف بحماسة دفاعا عما تدعيه من حين لآخر من قيم. لكن لو حصل ذلك، فإنه سيكون خطأ جسيما.
أولا، يصعب تماما رؤية أي استقرار مقبول ودائم يمكن أن ينجم عما يسعى قيس سعيد إلى تحقيقه، وثانيا، آن وقت التوقف عن التمييز بين الدكتاتوريات "الطيبة" والدكتاتوريات "الخبيثة" التي تستمر بعض الديمقراطيات الغربية في تجنيدها تبعا لمصالحها.
بالنسبة للجهات الدولية الرئيسية المعنية وبالنسبة لبلدان جنوب أوروبا – حيث تحتل إيطاليا بشكل خاص موقعا على الخطوط الأمامية للجبهة –، تمثل الأحداث الجارية في تونس كذلك تعقيدا إضافيا فيما يتعلق بإدارة الوضع الليبي المركب، فقد غدت ليبيا الآن جزءا من لعبة كبرى تمارس على نطاق أوسع في شرقي المتوسط، حيث تشكل تقاطع طرق بين مصالح متضاربة يخوض غمار التنافس فيها كل من فرنسا وروسيا ومصر وتركيا واليونان وإسرائيل ولبنان وبعض الممالك الخليجية، وتتركز على قضايا الأمن وموارد الطاقة والهجرة.
لن يجدي نفعا بذل الجهود لإدارة الوضع في ليبيا، بينما يتم تجاهل ما يحدث داخل جارتها إلى الغرب منها. لا بد لأي حل أن يكون شاملا، والأهم من ذلك، أن يقوم على الالتزام بنشر القوة الناعمة للاتحاد الأوروبي، التي رغم وفرتها إلا أنها لا تستخدم إلا قليلا.
في هذا الوقت الحرج، لا يوجد أفضل من رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي للعمل على الترويج لمشاركة الاتحاد الأوروبي، خاصة في ضوء ما يتمتع به رئيس الوزراء من تقدير على المستوى الدولي وداخل الاتحاد الأوروبي. وقد تساهم جهود دراغي كذلك في مساعدة الاتحاد الأوروبي على التعامل مع الفراغ القيادي الذي يلوح في أفق أوروبا بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والغموض الذي يكتنف فترة ما بعد ميركل في ألمانيا، والغيوم المحيطة بمستقبل ماكرون في فرنسا عندما تنظم انتخاباتها في الربيع المقبل، والانشغالات الآسيوية التي تؤثر على الولايات المتحدة.
فرصة مزدوجة
بات إيجاد حل للأزمة في تونس، من شأنه أن يحافظ على ما تحقق خلال العقد الماضي، مطلبا أساسيا من أجل تعامل أفضل مع الوضع الشائك في ليبيا، وكذلك مع الحالة الأمنية الخطيرة التي تهدد منطقة الساحل ككل.
ولذلك، ينبغي على الاتحاد الأوروبي تحديد الأخطار الخارجية الرئيسية، بدءا بتلك الأقرب إليه جغرافيا – وبشكل خاص في دول الجوار الجنوبي للاتحاد.
وأخيرا، فإن لدى الاتحاد الأوروبي، بما يعيش في كنفه من مسلمين باتوا يشكلون داخله تجمعا معتبرا، مصلحة في ضمان أن تعزز الديناميكية الدقيقة بين الإسلام السياسي والديمقراطية على النمط الغربي نفسه، من خلال صناديق الاقتراع بدلا من الانقلابات العسكرية.
وفي نهاية المطاف، فإن تونس توفر مثل هذه الفرصة المزدوجة، وما يجري فيها يهم الاتحاد الأوروبي أكثر بكثير من أي استراتيجية قد تتعلق بمناطق المحيطين الهندي والهادي.