في بلد قمة "اللاءات الثلاثة": لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض، والتي عقدت عام 1967، تنشط
إسرائيل عام2021 وموسادها في لعب دور الوسيط ومحاولة تقريب وجهات النظر بين فرقائه، حيث نقلت صحيفة "هآرتس" العبرية عن مصدر إسرائيلي أن واشنطن طلبت من تل أبيب استخدام "علاقاتها" مع
السودان "لخفض التوتر"، بعد أسبوع من قيام الجنرال عبد الفتاح البرهان ونائبه الأول محمد حمدان دقلو بانقلاب عسكري على الحكومة المدنية. كما أكد موقع "والا" الإخباري العبري أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، طلب من وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، التوسط بين الإدارة الأمريكية الراغبة في عودة الحكم المدني؛ وبين جنرالات السودان المصرين على انقلابهم.
هذا الخبر جاء بعد أيام من نشر صحيفة إسرائيلية أخرى، هي "يديعوت أحرونوت"، أنباء أوردتها نقلا عن مصادر إسرائيلية رفيعة المستوى بأن وفدا إسرائيليا زار السودان بعد الانقلاب؛ ضم مندوبين عن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد".
وفي الوقت الذي كانت تعج فيه الخرطوم العربية بالوفود الصهيونية، نفى رئيس وفد الجامعة العربية إلى الخرطوم، حسام زكي، وجود وساطة تقوم بها الجامعة العربية في السودان، الأمر الذي يطرح جملة تساؤلات عن الكيفية التي تم فيها اختطاف السودان، وتعبيد الطريق لأسرلته، وهو الإنجاز الوحيد الذي نجح فيه العسكريان (البرهان وحميدتي).
إطلالة أوسع على مجمل التحولات في الدول التي شهدت انقلابات عسكرية، أو ثورات مضادة وردّة عن الديمقراطية؛ تكشف بوضوح الارتباط الوثيق بين الثورات المضادة والانقلابات وبين التطبيع. ولعل التطبيع مع إسرائيل والتعهد بإقامة علاقة معها بات شرطا أساسيا لازما لنجاح أي عسكري يعتزم الانقلاب، أو مدني يرغب بالردة عن الديمقراطية
إن إطلالة أوسع على مجمل التحولات في الدول التي شهدت انقلابات عسكرية، أو ثورات مضادة وردّة عن الديمقراطية؛ تكشف بوضوح الارتباط الوثيق بين الثورات المضادة والانقلابات وبين
التطبيع. ولعل التطبيع مع إسرائيل والتعهد بإقامة علاقة معها بات شرطا أساسيا لازما لنجاح أي عسكري يعتزم الانقلاب، أو مدني يرغب بالردة عن الديمقراطية.
ففي السودان الأمر الوحيد الذي كان يُجمع عليه شريكا الحكم هو العلاقة مع إسرائيل، اختلفوا على الانتخابات وعلى كل شيء لكنهم اتفقوا على التطبيع. أما في ليبيا فإن طائرة نجل الجنرال حفتر التي هبطت في تل أبيب؛ جاء راكبها بحثا عن مباركة أو تعميد - إن صح التعبير إسرائيلي - لخطاه نحو الاستيلاء على السلطة في ليبيا، بارّا بوالده الذي نصحه ربما تلك النصيحة، عقب سنوات من التقارير التي تحدثت عن علاقته مع تل أبيب.
أما في مصر فإن جملة من التقارير والتحليلات أكدت أن فرص الجنرال السيسي في البقاء في الحكم، وفي الحصول على الدعم الأمريكي، لم يكن لها أن تنجح لولا الضغط الإسرائيلي الذي مارسه اللوبي الصهيوني في أمريكا، مدعوما بحلفائه من دول الثورات المضادة العربية.
صراع الشعوب في المنطقة العربية مع أنظمتهم هو بالضرورة جزء لا يتجزأ من الصراع مع المشروع الصهيوني، فتلك النظم الاستبدادية تلقى دعما وإسنادا من إسرائيل، ما يجعل معركة التحرر منها ومن الاستعمار الصهيوني في فلسطين واحدة
ما نريد استخلاصه، أن صراع الشعوب في المنطقة العربية مع أنظمتهم هو بالضرورة جزء لا يتجزأ من الصراع مع المشروع الصهيوني، فتلك النظم الاستبدادية تلقى دعما وإسنادا من إسرائيل، ما يجعل معركة التحرر منها ومن الاستعمار الصهيوني في فلسطين واحدة. فكل القادة الذين حصلت في دولهم ثورات لجأوا لتل أبيب، ما يؤكد أن المتضررين من مشروع التغيير في العالم العربي هما طرفان: الديكتاتوريات العربية وإسرائيل، لأن كليهما غير ديمقراطي، وفي نفس الوقت وكيل لقوى الاستعمار الدولي.
في بداية الربيع العربي ثمة محللين ونخب قالوا إنه "ربيع إسرائيلي"، واليوم يتبين لنا ما هو الربيع الإسرائيلي الحقيقي. الحق أن ثورة شباب الحرية في الميادين العربية مطلع العقد الفائت كانت ربيعا عربيا أصيلا، أجهضته دول الثورات المضادة وإسرائيل. واليوم عبر التطبيع وإجهاض حلم التحرر العربي يصنع أولئك ربيعا صهيونيا؛ تصبح فيه إسرائيل حَكَما وليس خصما، وحليفا وليس عدوا، وشريكا وليس خطرا استراتيجيا.
باختصار، إن أولئك الحكام بات يتلخص مفهوم الأمن القومي لديهم في فكرة واحدة هي "بقاؤهم في الكرسي"، وأصبحوا يعتبرون شعوبهم العدو الأول والأحد، وإسرائيل صديقهم الضامن لعروشهم.