مقالات مختارة

الاحتفال بالإكراه

سمير عطالله
1300x600
1300x600

أرغم اللبنانيون، فيما يرغمون، على الاحتفال «بعيد» الاستقلال. 70 في المائة منهم لا يملكون ثمن الدواء. 30 في المائة لا يملكون ثمن العشاء. عملتهم فقدت 90 في المائة من قيمتها. حكومتهم ممنوعة من الاجتماع. علاقاتهم حسنة مع فنزويلا وإيران، وشبه مقطوعة مع سائر العالم. وكهرباؤهم مقطوعة. مدارسهم مقفلة. مستشفياتهم مغلقة. مصارفهم مقفرة. قضاؤهم مشلول. سياراتهم بلا وقود. مذلّون - مهانون وطناً وغربة.


ومع ذلك أصرّت الجمهورية على الاحتفال بأسوأ يوم استقلالي منذ أن كان على رأس الدولة رجال مثل بشارة الخوري ورياض الصلح وصبري حمادة. تتمتع الجمهورية بجرأة لا مثيل لها. والجرأة عكس الشجاعة. فالأخيرة قائمة على النبل والخلق والتضحية، والأولى قوامها الإكراه والسطو والعجرفة والعبث بحقوق الناس وهنائهم واستقرارهم ورغيفهم وتعب أيامهم وسهر لياليهم.


منذ فترة عرف لبنان شيئاً مقيتاً لم تعرفه دولة في زمن السلم: أعداد كبيرة من رجال الأمن يفرون من الخدمة لأن رواتبهم صارت صفراً. والبنك الدولي يعلن رسمياً أن الأزمة الاقتصادية هي من الأسوأ في العالم منذ القرن التاسع عشر. والجمهورية التي أبلغ رئيسها شعبها أنهم ذاهبون إلى جهنم، تجد ما تحتفل به. وهو لا يجد شيئاً يقوله سوى ما يكرره دائماً: إنه يشارككم معاناتهم. وكانوا يتمنون أن يشاركهم كرامة الحياة وسوية السيادة.


وجد رئيس الجمهورية مناسبة للاحتفال. وأرغم على مشاركته رئيس البرلمان الذي لم يتفق يوماً معه. ورئيس الوزراء الذي عرقل أموره وأهانه في التسمية وفي التشكيل، كما أهان من قبل سعد الحريري ومصطفى أديب، ورحب ترحيباً بحسان دياب وحكومته التي تولت إعلان إفلاس لبنان وتمنعه عن دفع التزاماته، ومن لحظتها وكل شيء ينهار. وكان دولار اللبناني بداية العهد 1500 ليرة، وهو الآن 22 - 23 ألفاً. لكن لا يهم. فالرئيس يعوض كل هذا الظلم والخراب والعذاب بإقرار «التحقيق الجنائي»، وحاكم البنك المركزي يغسل يديه الطاهرتين من أي مسؤولية، باعتبار لبنان شعباً من الأغبياء والجهلة.


والجمهورية تحتفل، على ضوء الشموع. لكنها لا تقول لنا بماذا. ربما بأسوأ أيامها. ربما بأعظم الآلام والإهانات التي عرفها لبنان كدولة وشعب وتاريخ. جامعاتها الكبرى تهاجر وأطباؤها يهاجرون، وغير القادرين على الهجرة يتجلدون ويصبرون على الإهانة وهم يشاهدون الدولة تحتفل بالاحتضار.


تحتضر وتحتفل الجمهورية اللبنانية. الأمم تخاف على لبنان من الموت والجمهورية سعيدة لأن موته سوف يحمل جبران باسيل، إلى القصر، الذي يمارس فيه رئاسياته وممارساته منذ اللحظة الأولى لوصول حماه. وقد وصل ومعه جميع أفراد العائلة، لكنهم خرجوا جميعاً وبقي جبران باسيل. نزل نحو مليون شخص إلى شوارع لبنان يهتفون ضد باسيل، وخرج الرئيس على شرفة القصر للحظات، مؤيداً وكأنه في ظهور عجائبي من وراء الغيم. والذين يرفضون أن يصدّقوا قداسة باسيل، ليس لهم سوى انتظار الصورة التذكارية للتسلم والتسليم.

 

الجميع مدعو للاحتفال.

عصر الإكراه.

 

(عن صحيفة الشرق الأوسط السعودية)

التعليقات (1)
كاظم صابر
الجمعة، 26-11-2021 03:51 م
رغم أنني لست ابن لبنان ، ألا أن لهذا البلد منزلة كبيرة في قلبي زرعها والدي رحمه الله عن طريق حرصه المستمر على اقتناء صحيفة لبنانية أو مجلة لبنانية بشكل شبه يومي رغم أن عائلتنا كانت فقيرة ، و كنت أقرأها "من الجلدة للجلدة" بحيث كنت أعرف الكثير عن لبنان و (زعاماته) من أيام الطفولة و بعدها . كنت أحلم بزيارة لبنان أيام الصبا و الشباب لكن هذا الحلم لم يتحقق و لا أظن أنه سيتحقق بعد أن أصبحت عجوزاً كبير السن . فيروز الرائعة هي المطربة الأولى عندي ، منذ صغري و حتى اليوم ، و لقد كنت أحفظ أكثر أغانيها عن ظهر قلب و من ضمن ذلك أغنية " بحبك يا لبنان" التي أقتطع منها (بحبك يا لبنان يا وطني* عندك بدي إبقى و يغيبوا الغياب * إتعذب و إشقى و يا محلا العذاب * و إذا إنتا بتتركني يا أغلى الأحباب * الدنيي بترجع كذبة و تاج الأرض تراب * بفقرك بحبك و بعزك بحبك) . لبنان العزيز حالياً هو في فقرو شقاء و عذاب و يبقى الأمل بأن يتغير الحال إلى الأفضل بجهود أهل الخير كما تقول نفس الأغنية (سألوني شو صاير ببلد العيد * مزروعة عالداير نار و بواريد * قلتلن بلدنا عم يخلق جديد* لبنان الكرامة و الشعب العنيد ). يا ربَ يرجع لبنان زي ما كان و أحسن مما كان .