رغم آلاف الكيلومترات التي تفصل دولة الاحتلال
عن إثيوبيا، فإن الصراع الدامي الذي تشهده الأخيرة ما زال يسترعي انتباه الدوائر
السياسية والأمنية
الإسرائيلية، في ضوء التبعات المتوقعة للحرب، وإمكانية ان تترك
آثارها عليها، سواء في ما يتعلق باليهود الإثيوبيين، وإمكانية ترحيل المزيد منهم
إلى إسرائيل، أو فرضية أن تؤثر الحرب على النفوذ الإسرائيلي في شبه القرن
الأفريقي.
وتتحدث المحافل الإسرائيلية عن أنها أمام نزاع
مأساوي ومعقد ومستمر يعبر عن صراعات طويلة الأمد على السلطة في إثيوبيا، وينطوي
على تنافسات وطنية وعرقية، وينتقل تدريجياً لدوائر أخرى، ما قد يهدد بتقويض
استقرار منطقة القرن الأفريقي خلال السنوات القادمة، ومن الناحية الجيو-سياسية،
تعكس الحرب القوة المحدودة للنفوذ الأمريكي على أديس أبابا، وربما في القرن
الأفريقي والشرق الأوسط عموما، بسبب عجز واشنطن عن ضبط النفس، وتقارب إثيوبيا مع
روسيا وتركيا.
الكاتبان الإسرائيليان آشر لوبوتسكي الباحث
بجامعة إنديانا في الولايات المتحدة ويكتب عن العلاقات الإسرائيلية الأفريقية،
وباتوم مهاري الباحثة بالجامعة العبرية في القدس في شؤون أفريقيا، ذكرا في ورقة
بحثية نشرها
معهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب، ترجمتها "عربي21"
أن "القراءة الإسرائيلية للصراع في إثيوبيا أنه أدى إلى تباعد بين إثيوبيا
والغرب، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، وتعزيز علاقاتها مع الدول الاستبدادية
التي يمكن مقارنتها بالولايات المتحدة".
وأضافا: "إننا أمام تطورات سلبية بالنسبة
لواشنطن، وتؤثر على مكانتها في المنطقة، وهي مكانة تعرضت على أي حال لأضرار كبيرة
مؤخرًا على خلفية الأحداث في أفغانستان، وبالنسبة لإسرائيل فإن الصراع يثير معضلة
كبيرة، لأنها تقيم علاقات جيدة مع نظام أديس أبابا التي زارها رئيس الحكومة آبي
أحمد في 2019، وأجرى محادثات مع نظيره الإسرائيلي نفتالي بينيت في أغسطس، على
اعتبار أن إسرائيل معنية بإثيوبيا قوية وموحدة كقاعدة للاستقرار الإقليمي وكقوة
محاربة ضد القوى المعادية المشتركة، إضافة إلى إمكانية أن تكون وكيلا أمنياً محتملا
في هذه المنطقة الحساسة، والمهمة للأمن الإسرائيلي".
في هذا السياق، تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن
الصراع الذي تشهده إثيوبيا قد يؤدي إلى تفككها أو إضعافها، وصولا إلى حالة من عدم
الاستقرار في محيط قطاع البحر الأحمر، ما قد يؤثر بدوره، ويشجع على تعزيز القوى
المعادية لإسرائيل، مثل إيران أو الجماعات الجهادية العالمية، مع العلم أن القوى
المعادية لآبي أحمد ترتبط بعلاقات وثيقة مع إسرائيل في حقبة كان فيها مهيمناً في
النظام السياسي الإثيوبي حتى 2018.
علاوة على ذلك، فإن القراءة الإسرائيلية
للتقارب الإثيوبي الحالي مع تركيا وروسيا، وربما حتى إيران، وفي الوقت نفسه التوتر
المتزايد بين أديس أبابا والولايات المتحدة ومصر، الحليفين المقربين لإسرائيل، هو
تطور سلبي بالنسبة لتل أبيب، رغم أن جرائم حرب الجيش الإثيوبي قد تترك تبعاتها على
التعاون الأمني بين الجانبين، فضلاً عن القلق على مصير الجالية اليهودية في إقليم
التيغراي.
وتتحدث المحافل الإسرائيلية عن أنها مطالبة بتبني
موقف حذر من الحرب الأهلية الإثيوبية، وقد يُطلب منها إبداء موقف من الصراع، أو
التدخل فيه بشكل أو بآخر، وقد يحدث هذا بناءً على طلب من أحد حلفائها: إثيوبيا أو
مصر أو الإمارات العربية المتحدة أو الولايات المتحدة، أو نتيجة لمزيد من التصعيد
في المستقبل خلال الأحداث.
وقد تواجه إسرائيل الحاجة لاتخاذ قرارات سياسية
بشأن هذه القضية، نتيجة مطالبتها بالتعبير عن الدعم للحكومة الإثيوبية سواء علنيًا
أم من خلال المساعدة العملية، أو طلبًا أمريكيًا أو مصريًا بالامتناع عن هذا
الدعم، وبدلاً من ذلك، فقد تكون هناك رغبة في إشراك إسرائيل بمبادرات الوساطة في
النزاع، أو التفريق بين الحاجة العملية لأنشطة محددة لحماية مصالح محددة في
المنطقة، وفي حالة تصعيد النزاع بمواجهة هذه المخاطر، وتضارب مصالح القوى المختلفة
في المنطقة، ما يتعين على إسرائيل اتخاذ موقف حذر من الحرب الأهلية الإثيوبية.
التوصية الإسرائيلية تتعلق بضرورة أن تحافظ على
علاقات مناسبة مع النظام في أديس أبابا، مع الامتناع عن تقديم الدعم الأمني للجيش
الإثيوبي، خشية أن يتعقد موقعها من حيث الاحتكاك مع واشنطن والقاهرة، وحتى
الخرطوم، حيث تبذل إسرائيل جهودا مع الأخيرة لتطبيع علاقاتهما.
وتطرح توصيات من الأوساط الإسرائيلية، تتعلق بطلب
أن تشجع دول
الخليج، التي تمتلك الرافعات الاقتصادية والسياسية في أديس أبابا، على
إيجاد بديل، لتركيا وإيران، لإنهاء الصراع في البلاد، وفي السياق سعي إسرائيل
جاهدة لتحقيق أقصى قدر من التنسيق والتعاون مع الإمارات العربية المتحدة،
باعتبارها الأكثر تشابهًا مع إسرائيل، خاصة باحتواء إيران في المنطقة، فضلا عن التدخل
السريع لضمان سلامة الجالية اليهودية المتبقية في إثيوبيا.