هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تتواصل المظاهرات في كازاخستان التي اندلعت في الثاني من كانون الثاني/ يناير الجاري، احتجاجا على زيادة أسعار الغاز، فيما أسفرت عن سقوط ضحايا وأعمال نهب وشغب في ألماتي، كبرى مدن البلاد.
وفي 5 كانون الثاني/ يناير، أعلنت الحكومة عن استقالتها على خلفية الاحتجاجات المناهضة لها، تلاها فرض حالة الطوارئ في عموم البلاد بهدف حفظ الأمن العام، فيما قُتل 26 محتجا، بحسب وزارة الداخلية.
ويبدو أن قوات الأمن استعادت السيطرة على شوارع المدينة الرئيسية في البلاد الجمعة، بعد يوم من وصول مظليين روس للمساعدة في قمع الانتفاضة.
أين تقع كازاخستان وما أهميتها؟
تعد كازاخستان، الواقعة بين روسيا والصين وتشترك أيضا في الحدود مع ثلاث جمهوريات سوفييتية سابقة أخرى، أكبر اقتصاد في آسيا الوسطى حيث يوجد بها مخزون غني من الهيدروكربونات والمعادن. ومنذ أن صارت مستقلة في عام 1991، جذبت استثمارات أجنبية بلغت قيمتها مئات المليارات من الدولارات.
من الناحية الاستراتيجية، تربط كازاخستان الأسواق الكبيرة سريعة النمو في الصين وجنوب آسيا بأسواق روسيا وأوروبا عن طريق البر والسكك الحديدية وميناء على بحر قزوين. ويصف هذا البلد نفسه بأنه ملتقى مشروع التجارة الصيني الضخم المعروف "بالحزام والطريق".
وتعد كازاخستان أكبر منتج عالمي لليورانيوم، وأدت الاضطرابات التي حدثت الأسبوع الماضي إلى قفزة ثمانية بالمئة في أسعار المعدن الذي يغذي محطات الطاقة النووية. وهي تاسع أكبر مصدر للنفط في العالم، إذ أنتجت حوالي 85.7 مليون طن في عام 2021، وعاشر أكبر منتج للفحم.
وهي أيضا ثاني أكبر منجم في العالم لعملة بتكوين المشفرة بعد الولايات المتحدة.
سبب الاحتجاجات
وانطلقت الانتفاضة في المناطق الغربية الغنية بالنفط على شكل احتجاجات على قيام الدولة في يوم رأس السنة الجديدة برفع أسعار البوتان والبروبان الذي يعرف "بوقود الفقراء" نظرا لرخص سعره.
وسرعان ما أدى هذا الإصلاح، الذي كان يهدف إلى علاج نقص الإمدادات النفطية، إلى نتائج عكسية إذ ارتفعت الأسعار إلى ما يزيد على مثليها. وانتشرت الاحتجاجات، مستغلة إحساسا أوسع بالاستياء من فساد الدولة المستشري وعدم المساواة في الدخل والمصاعب الاقتصادية التي تفاقمت جميعها بسبب جائحة فيروس كورونا.
اقرأ أيضا: الإمارات تدعم كازاخستان في "الحفاظ على أمنها واستقرارها"
وعلى الرغم من أن كازاخستان تتصدر جمهوريات آسيا الوسطى في ما يتعلق بأعلى دخل للفرد، فإن نصف سكانها، وهي تاسع أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، يعيشون في مجتمعات ريفية وغالبا ما تكون معزولة وتعاني من ضعف فرص الحصول على الخدمات العامة.
وفي حين أن الموارد الطبيعية الهائلة للبلاد جعلت نخبة صغيرة فاحشة الثراء، فإن الكثيرين من عامة الناس في قازاخستان يشعرون بأنهم مُهمَلون. وتشير التقديرات إلى أن حوالي مليون شخص من إجمالي عدد السكان البالغ 19 مليونا يعيشون تحت خط الفقر.
ويقترب معدل التضخم السنوي من تسعة بالمئة، وهو أعلى معدل منذ أكثر من خمس سنوات، ما دفع البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة إلى 9.75 بالمئة.
رأس السلطة
انتُخب الدبلوماسي قاسم جومارت توكاييف (68 عاما) رئيسا للبلاد في عام 2019، بناء على وعود بمواصلة سياسات سلفه نور سلطان نزارباييف.
وتؤيد تلك السياسات الشركات على نطاق واسع. لكن نزارباييف، عضو المكتب السياسي السوفييتي السابق الذي قاد كازاخستان لما يقرب من ثلاثة عقود، كان يُنظر إليه على أنه صاحب القوة الحقيقية الممسكة بمقاليد السلطة من خلف الستار.
واستخدم توكاييف الاحتجاجات، التي استهدفت أحيانا رموز حقبة نزارباييف، لإقالة الرئيس السابق البالغ من العمر 81 عاما من منصب رئيس مجلس الأمن القوي.
ولم يصدر نزارباييف أي تصريح ولم يظهر علنا منذ اندلاع الاحتجاجات، ولا يزال من غير الواضح إلى أي مدى ستُضعف هذه الانتفاضة من استمرار نفوذ نزارباييف وعائلته القوي في شؤون السياسة والأعمال.
وأقال توكاييف ابن اخت نزارباييف، صمد أبيش، من منصب الرجل الثاني في قيادة الشرطة. وثارت في السابق أحاديث عن ابنة نزارباييف الكبرى، داريغا، وهي رئيسة سابقة لمجلس الشيوخ ولا تزال نائبة، بوصفها رئيسة محتملة في المستقبل.
مؤشرات الاقتصاد
تظهر بيانات البنك الدولي أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في كازاخستان في عام 2020 كان 9122 دولارا، وهو ما يزيد بقليل عن ما هو في تركيا والمكسيك، لكنه يقل عن أقصى ذروة سنوية بلغها بما يقرب من 14 ألف دولار عام 2013.
وقدمت حكومة توكاييف حزمة تحفيز بلغت نسبته 6 بالمئة من الناتج الوطني لمساعدة الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة على التعافي من آثار جائحة كورونا.
وتوقع البنك الدولي نموا اقتصاديا بنسبة 3.5 بالمئة عام 2021 ترتفع إلى 3.7 بالمئة هذا العام ثم 4.8 بالمئة عام 2023. كما أن بنك الحكومة الكازاخستانية يعمل على دعم المنافسة وتحجيم دور الشركات الضخمة المملوكة للدولة في الاقتصاد، وعلاج حالة التفاوت الاجتماعي والعمل من أجل مناخ اقتصادي أكثر تكافؤا.
الحريات وحقوق الإنسان
وتنتقد الدول الغربية والجماعات المعنية بحقوق الإنسان منذ فترة طويلة كازاخستان بسبب نظامها السياسي السلطوي، وقمع المعارضين وتقييد حريات وسائل الإعلام، والافتقار إلى انتخابات حرة ونزيهة، على الرغم من أنها تعتبر أقل قمعا واضطرابا من جاراتها، التي كانت ضمن الاتحاد السوفييتي السابق.
اقرأ أيضا: احتجاجات كازاخستان.. حسابات روسيا وتركيا
وقالت منظمة العفو الدولية إن الاحتجاجات التي شهدتها كازاخستان خلال الأيام الماضية كانت نتيجة "قمع السلطات واسع النطاق لحقوق الإنسان الأساسية"، داعية إلى "الإفراج عن جميع ضحايا عمليات الاحتجاز العشوائي وفتح تحقيقات في الانتهاكات السابقة من جانب مؤسسات الدولة".
وقالت ماري ستروثرز، مديرة برنامج أوروبا وآسيا الوسطى في منظمة العفو الدولية: "على مدى سنوات اضطهدت الحكومة المعارضة السلمي، ما دفع شعب كازاخستان إلى حالة من التذمر واليأس".