ستكون هذه
الحرب أكبر اختبار يكشف الغطاء عن الهيمنة الغربية والقيادة الأمريكية، وأكبر اختبار يظهر عجزها عن تطبيق "النظام العالمي الجديد" الذي وعدت به.
الحرب بدأت وتبدو أوروبا ضعيفة جدا، وسياستها الخارجية أكثر انكماشا، واعتمادها الأكبر على واشنطن.. والصورة الآن أكبر قتامة بالنسبة لأوروبا.
وقد أشار المؤرخ والمفكر السياسي في فلورنسا فرانشيسكو جوتشيارديني إلى خطورة مثل هذه اللحظات، وحذر من ذلك بقوله: "إذا رأيت مدينة بدأت في التدهور، أو توسع إمبراطورية جديدة، فاحرص على عدم إساءة تقدير الوقت الذي ستستغرقه".
أمريكا اليوم أكثر ترددا من ذي قبل، ولا تريد الغرق في أي أزمة الآن بعيدا عن الصين، وهي تهدد بالعقوبات، ولكنها لم تكن رادعة لروسيا، على الأقل حتى الآن.
لكن ماذا ستفعل أمريكا الآن، بعد تحدي بوتين لها؟ ربما هي اللحظة الحاسمة الأكثر تحديا لرئاسة بايدن.
تركيا ومأزق الهجوم الروسي على أوكرانيا
تركيا في وضع صعب بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، ربما تكون من أكثر الدول تأثرا بما قد يحدث في أوكرانيا، والجانب الاقتصادي هو الأكثر تأثرا. ولعل التحديات الأوسع التي ستواجهها ستكون خارجة عن سيطرتها، وستحاول تحصين موقفها دون أن تخسر أحد الطرفين. صحيح أنه يمكن لروسيا وتركيا، نظريا، إدارة خلافاتهما حول أوكرانيا.. لكن مع الهجوم العسكري الروسي بإقليم دونباس باتت تركيا في موقف لا تحسد عليه، لا سيما في ظل شبكة العلاقات المعقدة مع أطراف النزاع الأربعة (
روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة وحلف
الناتو)، هذا بجانب التزاماتها بصفتها عضوا في حلف شمال الأطلسي.
بدون شك تركيا تحاول الحفاظ على معادلة التوازنات مع أطراف النزاع، أطول فترة ممكنة، لكن:
- ماذا لو طلب الغرب من تركيا الانضمام لقائمة الدول التي فرضت عقوبات على روسيا؟
- وماذا لو ضغطت أمريكا وأوروبا على أنقرة لوقف حركة الملاحة أمام روسيا في مضيقي البوسفور والدردنيل، علما بأن أوكرانيا طلبت بالفعل هذا الطلب من تركيا خلال الساعات الماضية؟
في تقديري ستتجنب تركيا قدر الإمكان المواجهة العسكرية مع روسيا وجهاً لوجه، حتى لو صعدت من نبرة التصريحات بشأن دعم أوكرانيا ووحدة أراضيها.
لو استجابت تركيا لضغوط الغرب وأغلقت المضيقين وانضمت لقائمة العقوبات، فإنها بذلك ستعرض مصالحها وعلاقاتها الاستراتيجية مع روسيا لخطر كبير، ومن ذلك فقدانها إمدادات الطاقة التي تلبي 40 في المائة من احتياجات الأتراك، وفي المقابل في حال الرفض الرسمي المطلق فإن ذلك قد يفسر تفسيرات أخرى، ويهدد جدار العلاقات مع الغرب الذي تحاول أنقرة قدر الإمكان الإبقاء عليه دون شروخ..
لا شك أن التصعيد الروسي سيربك حسابات الجميع، وعليه تحاول تركيا جاهدة تكثيف جهودها الدبلوماسية قبل تجاوز الوضع للخطوط الحمراء التي يبدو أنها على وشك الانهيار بعد الغزو الأخير.
نعم.. موقف تركيا بعد التدخل الروسي ازداد تعقيداً والوضعية باتت أكثر حرجاً، لكن من المرجح أن تتمسك أنقرة بسياسة الحياد ومحاولة أداء دور الوساطة قدر الإمكان للحيلولة دون تجاوز الخط الأحمر، الذي إن حدث وتم تجاوزه سيتغير المشهد وخريطة التحالفات العالمية تماماً.
ماذا تريد روسيا؟
والآن فإن السؤال الأكثر إلحاحا هو: إلى أي مدى روسيا مستعدة للذهاب لإخضاع أوكرانيا وجيرانها، والسؤال الثاني هو كيف سترد أمريكا وحلفاؤها على هذا الهجوم؟
إن حجم الدعاية الغربي والروسي رهيب، وحجم التصريحات يصل حد الهيستريا، الأمر الذي قد يؤثر على صناع القرار وينبئ باتساع نطاق الحرب، وحينها يكون لكل حدث حديث.