قضايا وآراء

الأزمة الأوكرانية.. التصدعات الإقليمية وجهود التموضع

حازم عيّاد
1300x600
1300x600

في إجابته على سؤال لقناة "خبر تورك" المحلية حول انضمام تركيا للعقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا قال وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو: "لم نشارك في مثل هذه العقوبات بشكل عام من حيث المبدأ، ولا نميل للمشاركة في العقوبات الحالية أيضا".

الموقف التركي ذاته شدد عليه المتحدث باسم رئاسة الجمهورية التركية إبراهيم قالن بالقول: "إن تركيا تقول للغرب إنها لا تقبل تصرفات روسيا لكن لا نية لديها لهدم جسور التواصل معها".

 جاويش وقالن اتفقا على انتقاد روسيا ولكنهما في الآن ذاته ركزا على ضرورة مراعاة مصالح تركيا خصوصا الاقتصادية المتعلقة بإمدادات الطاقة؛ وأكدا على إمكانية قيام تركيا بدور الوسيط بين أوكرانيا وروسيا.

الصدوع الإقليمية

رفض تركيا الانضمام للعقوبات على روسيا ليس الموقف الوحيد في الإقليم، إذ سبقتها إليه أبو ظبي بامتناعها عن التصويت على إدانة روسيا في مجلس الأمن إلى جانب الهند؛ ورغم تمسك الهند بموقفها بالتصويت في الجمعية العامة يوم أمس الأربعاء 2 آذار (مارس) الحالي إلا أن حدود المناورة الإماراتية أخذ يتسع تارة ويضيق بحسب الكلف والمنافع المتوقعة؛ إذ صوتت أبو ظبي لصالح إدانة روسيا في الجمعية العامة إلى جانب 140 دولة في قرار لا يعد ملزما من ناحية قانونية ودولية.

أبو ظبي كانت قد ذهبت إلى ما هو أبعد من الامتناع عن إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا في مجلس الأمن؛ بعد أن عمد ولي عهد إمارة أبو ظبي قائد القوات المسلحة محمد بن زايد قبيل التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ للاتصال بالرئيس الروسي  فلاديمير بوتين لبحث ملف العلاقات بين البلدين ومن ضمنها اتفاق (أوبك +)؛ فأبو ظبي بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام متمسكة بالاتفاق الذي عارضته قبل أشهر بمطالبتها بحصص إنتاج أعلى من المقررة للإمارات؛ فأبو ظبي تتحرك بحثا عن مصالحها المشتركة مع موسكو التي من الممكن أن تمتد إلى ليبيا فموسكو هي الدولة الأولى التي اعترفت بحكومة فتحي بشاغا في الشرق الليبي بعد الإعلان عن تشكيلها يوم أمس الأربعاء.

 

العالم أمام مشهد جديد إما أن تتعمق فيه الصدوع والمساحات المتاحة للحركة والمناورة وإما أن تضيق وتختنق فيه الدول والكيانات السياسية؛ وفي كلا الحالتين فإن عالما جديدا يتشكل على وقع الأزمة وتحدياتها الأمنية والسياسية والاقتصادية.

 



حالة التذبذب والاضطراب الناجمة عن جهود إعادة التموضع في الإقليم تجلت في منطقة الخليج العربي؛ فانفتاح أبو ظبي على موسكو مثل حرجا لدولة قطر؛ إذ ترى فيه الدوحة استهدافا غير مباشر بعد لقاء أميرها تميم بن حمد آل ثاني بالرئيس الأمريكي جو بايدن باحثا معه إمكانية تزويد قطر القارة الأوروبية بالغاز المسال في حال اندلاع المواجهة في أوكرانيا؛  ليبادر وزير الخارجية القطري الأسبق الشيخ حمد بن جاسم لتفنيد الاتهامات الموجهة إلى بلاده حول انضمامها لجهود محاصرة روسيا.

التموضع الإسرائيلي

الكيان الإسرائيلي بدوره بذل جهودا مضاعفة للتحرر من الحرج الذي تعرض له بعد أن طلبت مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية من مندوب (إسرائيل) الانضمام لجهود إدانة روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ ضغوط تعاظمت بعد اللقاء الذي جمع (أولاف شولتس) المستشار الألماني يوم أمس الاربعاء 2 آذار (مارس) الحالي برئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت في فلسطين المحتلة؛ إذ ناقش معه الأزمة الأوكرانية وإمكانية توريد السلاح لأوكرانيا .

رغم رفض بينت طلب ألمانيا تزويد أوكرانيا بالسلاح فقد قابله بتصويت على قرار الإدانة في الجمعية العامة لكن بعد أن خفضت تمثيلها في جلسة الجمعية العامة بأمر من وزير الخارجية يائير لبيد؛ إذ حلت نائبة السفير الإسرائيلي الأممي (فورمان) محل السفير (غلعاد أردان) في إلقاء كلمة (إسرائيل) في الاجتماع الأممي.

محاولات (إسرائيل) للتموضع واجهت ضغوطا وتذبذبا شديدا؛ فرغم طرح نفسها كوسيط في المفاوضات بين أوكرنيا وروسيا إلا أن الرئيس الأوكراني زيلنسكي واصل ضغوطه بتوجيه نداء لليهود في العالم للتضامن مع أوكرانيا مستبقا جلسة التصويت في الأمم المتحدة؛ فجهود إعادة التموضع الإسرائيلي وقدرتها على المناورة ازدادت صعوبة وتعقيدا بعد تطور الهجوم الروسي في أوكرانيا؛ ضغوط أوروبية وامريكية وأوكرانية من الممكن أن تهدد استراتيجيتها في سوريا والإقليم بأكمله.

ختاما.. جهود إعادة التموضع في الإقليم عكست حجم الصدوع والأزمات فامتناع (إيران والعراق، الجزائر، السودان، جنوب السودان، الهند، باكستان، إفريقيا الوسطى) عن التصويت في الجمعية العامة إلى جانب 35 دولة من ضمنها (الصين وكوبا وجنوب إفريقيا) تكشف عن المساحة التي تتحرك فيها الدول والكيانات السياسية للتعامل مع الأزمة الأوكرانية؛ فالعالم أمام مشهد جديد إما أن تتعمق فيه الصدوع والمساحات المتاحة للحركة والمناورة وإما أن تضيق وتختنق فيه الدول والكيانات السياسية؛ وفي كلا الحالتين فإن عالما جديدا يتشكل على وقع الأزمة وتحدياتها الأمنية والسياسية والاقتصادية.

hazem ayyad
@hma36


التعليقات (0)